السّوريون أرادوها سلمية فلماذا تُقحم القوة؟
فايق عمر
الشّعب السّوريّ حسم خياره، منذ أشهر، في “الإطاحة بالنّظام”، وارتضى تحمّل أكلاف التّصدّي للطاغوت. ولعلّه من النّافل التّذكير بأهمية، وأولوية، هذا المطلب، والدّم السّوري يُراق ويُستباح، بمنتهى الإفراط في الهمجية. رؤية سوريا حرّة ديمقراطية، مكنّسة من آل الأسد، مطلب يستحقّ كلّ التّضحية والفداء.
لكنّ سمو الهدف، الإطاحة بالنّظام، وجموح الرّغبة لنيله، يجب أن لا يدفع إلى شرعنة وسائل، ّقد تحقّقه، ولكنّها لا تتّفق ومصلحة السّوريين!. وعدم تحقيق المأمول من الإطاحة، وتضمين المرحلة التي تليها، قضية لا تقلّ خطورة عن فشل الانتفاضة، وسقوط هذا الهدف، أي إطاحة النّظام بالشّعب، وليس العكس.
فالسّقوط وإن كان هو الهدف الأوّل، الذي يتمّ السّعي إليه عملياً الآن، إلا أنّ هناك أهدافاً أخرى، معلنة وواضحة، تنادي بها حناجر المنتفضين، وهي دافعهم ومحرّكهم، وسبب ما هم فيه الآن، ولا بدّ أن يكون السّقوط ملبياً ومحقّقاً لها، وإلا فلن يكون للانتفاض معنىً، أو ما كان للانتفاضة أن تكون أصلاً.
السّوريّ أثبت، للعالم أجمع، أنّه بلغ حدود الجرأة القصوى، والعزيمة الأقوى، والسّلم الأعدل. مشاهد الجرائم المروّعة، التي نشاهدها يومياً، من التي يرتكبها جلاوزة و”شبّيحة” النّظام الأسدي، تُظهر أي صبرٍ، وأيّ إيمانٍ، يمتلكه الشّعب السّوري، المؤمن بالنّصر بأسلحته السّلمية، والرافض لأي إزاحة، أو إطاحة بالدكتاتورية، بغير الصّدور العارية!
الحرّية حقٌّ، وثمنها غالٍ، والحقوق لم تُمنح قطُّ عبر التّاريخ. السّوريون يعلمون بأنّ حرّيتهم، وانعتاقهم من ظلم آل الأسد، منوطة بدمائهم التي سيقدّمونها على مذبحها، وقد ارتضوا، بلا تردّد، ولم يتوانوا عن البذل والعطاء، بكلّ كرم وسخاء، مذ استُوجبت التّضحية. وهم متيقّنون من أنّهم سائرون إلى النّصر، بما هم عليه الآن، بقوّتهم، وتجلّدهم، لا بقوّة الغير، التي هم بغنىً عنها، والتي لن تُمنح إلا بأثمانٍ، وأكلافٍ، باهظة جدّاً.
دماءٌ كثيرة، عزيزة، زكيّة، أُريقت، منذ بدء الانتفاضة السّلمية. أين كان أصحاب الضّمائر الحيّة؟ كيف لمن لم يهُن عليه استباحة الدّم السّوري، أو من يدّعي عدم الهوان، أن يبقى صامتاً، خمسة أشهر، إزاء هول ما نراه؟ أليس هو اليقين بقرب النّصر الذي حرّك مشاعر أصحاب “النّخوة والشهامة”؟.
السّوريون اختاروا، بإرادتهم، وسائل انتفاضتهم، وأرادوها، منذ البداية، “سلمية سلمية”. هم أصحابها الحقيقيون، ولهم الحقّ فيما اختاروا، ولهم الحقّ فيما يرفضون. هم يريدونه نصراً سورياً خالصاً، آتياً بتضحياتهم، لا بقوّة خارجية، رأوا من ويلات الاستعانة بها ما رأوا.
تجارب التاريخ، البعيد والقريب، كافية لتقدير حجم التّبعات المترتّبة على الاستعانة بالخارج لإحداث التّحوّلات الدّاخلية. وكثيراً ما يكون المُستعان به أشدّ وبالاً من المراد الإطاحة به. ولهذا، مشروعةٌ مخاوف السّوريين، أو البعض منهم، من احتمال تدخّل خارجي، عسكري، أقلّ ما يمكن أن ينجم عنه، هو تكرار السّيناريو الليبي.
ثمّ إن أيّ مساهمة خارجية، عسكرية، أيّاً كان مصدرها، في إسقاط النّظام الأسدي، سيعني بقاءها في سوريا عقب السّقوط. وهي لن تخرج، وما أسهل اختراع الذّرائع لإدامة البقاء، إلا إذا رتّبت الأمور، بما يخدم مصالحها هي، لا بما يحقّق ما انتفض من أجله الشّعب السّوري. ولهذا فهي ورغم ما قد تلعبه من دور في تحقيق هدف المنتفضين، الأكثر إلحاحاً، في هذه المرحلة تحديداً، فإنها ستكون كذلك السّبب في تعليق باقي الأهداف، والآمال، التي أُريقت من أجلها أنهار من الدّماء الزّكية الطّاهرة.
ايلاف