الشائعات’ في سوريا.. متهمون بلا أسماء/ وليد بركسية
لو كان جميع الناشطين متواجدين في سوريا اليوم، لما اتسعت لهم أقبية المعتقلات رغم كثرتها. هذا أول ما يخطر في بال متتبعي القرار السوري بمحاكمة ألف سوري على خلفية “بث الشائعات” عبر “فايسبوك”. الخبر أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، لتكون آخر حلقة تُضاف إلى سلسلة انتهاك الحريات المتدنية أصلاً في البلاد والتي كانت إحدى الأسباب الرئيسية لاندلاع الحراك الشعبي العام 2011.
وعادت الى الواجهة مجدداً قضية عداء النظام السوري لحرية التعبير عبر الإنترنت. فقد نقلت الصحيفة المقربة من النظام السوري، نقلاً عن “إحصائيات قضائية” غير محددة، أخباراً عن مثول ألف شخص في البلاد، ربعهم من النساء، أمام المحاكم بتهمة “بث الشائعات الكاذبة” في “فايسبوك”، مع صدور أحكام نافذة بحق 250 متهماً منهم إثر “توافر الأدلة أمام القضاء”.
القضايا نفسها لا تزال غامضة حتى اللحظة. فلا أسماء للمتهمين ولا أنباء عن نوعية الأحكام القضائية الصادرة بحقهم أو ظروف محاكماتهم. هم مجرد أرقام تذكرها الصحيفة من دون إحالات أو أمثلة لما قاموا به من “جرائم”، لتعلي من قيمة الدولة في ملاحقة المذنبين وتشدد على حقها في الحفاظ على نفسها فقط. ويتقاطع هذا إلى حد كبير مع الإجراءات الروتينية التي يمارسها النظام السوري في الحالات المماثلة، بفرضه تعتيماً إعلامياً شاملاً على المعتقلين في قضايا الرأي والقضايا السياسية.
لم تذكر “الوطن” الجهات صاحبة الإدعاء في قضايا “بث الشائعات”. فلم يعرف إن كانت جهات حكومية أو مواطنين سوريين عاديين. لكن التهم بحد ذاتها كانت تقليدية إعتاد الجميع سماعها في سوريا، بدءاً من “إثارة النعرات الطائفية والمذهبية” و”المساس بأمن الدولة الداخلي أو الإقتصادي” و”الإنتقاص من هيبة الدولة”.. وتشبه التهم الضبابية المطاطة ذاتها التي تحمل احتمالات متعددة، وتمكّن الجهات الأمنية من تأويل ما تراه مناسباً من وجهة نظرها عموماً.
لا يعتبر الحدث جديداً بحد ذاته، بل هو جزء من سلسلة طويلة تمثل عداء النظام السوري لحرية التعبير عبر الإنترنت. ويشمل ذلك العداء تاريخاً طويلاً من سياسات الحجب والرقابة. فلم يتم فك الحجب الحكومي عن مواقع “فايسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، إضافة إلى المدونات وغيرها حتى العام 2011 بعد اندلاع الثورة السلمية في البلاد، لكن عمليات الرقابة على الإنترنت ما زالت مشددة أكثر مما سبق ربما.
وفي هذا الإطار تبرز قضايا اعتقال المدونين من قبل النظام السوري بالتهم التقليدية ذاتها، ومن أبرز تلك القضايا اعتقال المدوّنين أنس معراوي وحسين غرير، إضافة إلى قضية اعتقال المدونة طل الملوحي التي أحدثت ضجة عالمية بعدما اتهمتها السلطات الأمنية في سوريا بالتعامل مع دول أجنبية وصدر بحقها حكم بالسجن لخمس سنوات في شباط/فبراير 2011 رغم المطالبات الدولية بإطلاق سراحها. ويتقاطع مع وثائق نشرتها مراكز إعلامية معارضة، كشفت حالات توقيف لناشطين مدنيين في قضايا مماثلة تمس حقوق التعبير، منها اعتقال الفلسطينية – السورية سناء أسامة المدني (1985) لدى شعبة المخابرات في 19 أيلول/سبتمبر 2012، بتهمة التواصل عبر فايسبوك مع معارضين ونشر مقاطع مسيئة، واتهام عناصر الجيش والأمن بقتل المدنيين.
تؤكد التقارير الدولية ذات الصلة، ما سبق. فمنظمة “مراسلون بلا حدود” على سبيل المثال، تضع سوريا في تقريرها السنوي لأبرز “أعداء الإنترنت” حول العالم، وشرح التقرير خضوع البنية التحتية لشبكة الإنترنت في سوريا إلى سيطرة السلطات بشكل مطلق، ما يسهل عملية مراقبة المعلومات عبر الإنترنت. وكشف لجوء الحكومة في سوريا بانتظام إلى إبطاء وتيرة التدفق على النطاق الترددي لمنع نشر صور المسيرات والتظاهرات والإحتجاجات، إضافة إلى أساليب أكثر جذرية كقطع خدمة الإنترنت بشكل كامل عن البلاد أو عن أماكن محددة، كما حصل في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 مثلاً، عندما قطعت السلطات السورية شبكة الإنترنت وخط الهاتف لأكثر من 48 ساعة.
المدن