الشرق الأوسط بعد بشار الأسد
يوشكا فيشر
برلين – كيف سيبدو الشرق الأوسط عندما تؤدّي الحرب الأهلية السورية إلى سقوط الرئيس بشار الأسد الذي حكمت عائلته البلاد بقبضة من حديد لما يزيد عن 40 عاماً؟ لم يعد بالإمكان تفادي هذا السؤال في ضوء الانعطاف الدراماتيكي الذي عرفته الأحداث في الآونة الأخيرة ودفع بالمعركة على سوريا نحو مرحلة جديدة.
التفجير الناجح الذي استهدف الدائرة الأقرب للأسد، ووصول المعارك إلى العاصمة دمشق (وإلى الحدود مع تركيا والعراق)، والتدفّق المتزايد للأسلحة الأثقل والأكثر دقّة إلى المتمرّدين، كلّها تشكّل بداية لعبة الحسم. لكن يجب ألا يعلّل أحد النفس بآمال كاذبة عن التغيير المقبل: لن تحلّ مكان نظام الأسد ديموقراطيةٌ قائمة على سيادة القانون. على النقيض، الأرجح أن حقبة ما بعد الأسد ستكون أكثر فوضوية وعنفاً، فيما يحاول معارضو النظام تصفية الحسابات مع مؤيّديه، وتندلع النزاعات بين العشائر والمذاهب المختلفة.
كما في بلدان عربية أخرى، سوف يُستبدَل نظام استبدادي علماني بحكم “الإخوان المسلمين” السنّة الذين يمثّلون في سوريا، كما في مصر وتونس، غالبية السكان. لكن خلافاً لتونس ومصر، تغيير النظام في سوريا سيتحقّق من خلال حرب أهلية. كما أن التأثير الخارجي سيكون على الأرجح في حدّه الأدنى.
الواضح هو أنه ستكون لانهيار نظام الأسد تداعيات أوسع بكثير على التوزيع الإقليمي للنفوذ بين تركيا وإيران والسعودية، وكذلك على النزاعات الإقليمية، ولا سيما تلك المتعلّقة بفلسطين، ودور “حزب الله” في لبنان، والبرنامج النووي الإيراني. فضلاً عن ذلك، ستكون لسقوط نظام الأسد تداعيات دولية أوسع نطاقاً، بحكم تحالف الأمر الواقع بين روسيا وسوريا.
لطالما كانت المعارضة الشديدة لإسرائيل ركيزة من ركائز النظام السوري، مما يساعد على تفسير تعاونه الوثيق مع “حزب الله”، الحليف الأقرب لإيران في هذا الجزء من الشرق الأوسط، ومع إيران نفسها. لكن تغيير النظام في سوريا لن يغيّر المعايير الأساسية لنزاع إسرائيل مع جيرانها، ولا سيما السعي إلى إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، ومن ضمن ذلك، السؤال الأكثر جوهرية عن قبول وجود إسرائيل.
لطالما كان نظام الأسد قابلاً للتوقّع بالنسبة إلى إسرائيل على الرغم من راديكاليته. كان يعرف ما هي الحدود ويقبلها. أما الالتباس السائد حالياً فيثير خطر اندلاع حرب إقليمية، لا سيما في ضوء المخزونات الكبيرة من الأسلحة الكيميائية التي تملكها سوريا.
ثمة أمر أكيد: سوف يكون على إسرائيل أن تتعامل بوتيرة أكبر مع “الإخوان المسلمين” في شكل خاص، ومع الإسلام السياسي (السنّي) في شكل عام، وتالياً مع “حماس” (“الإخوان المسلمين” الفلسطينيين) التي سيتعزّز موقعها أكثر. سوف يكون النزاع العربي-الإسرائيلي مشحوناً أكثر فأكثر بالدين، الأمر الذين لن يسهّل التوصّل إلى تسوية. وسوف يكون التأثير على الأردن، مع أنه لا يزال غير قابل للتوقّع، كبيراً جداً أيضاً.
في الوقت نفسه، لا تتسبّب التطوّرات في سوريا بمخاطر فقط، بل أيضاً بفرص للمنطقة يجب استكشافها (إنما أيضاً من دون تعليل النفس بآمال كاذبة). فتغيير النظام في سوريا سيتحقّق على حساب إيران ووكيلها في لبنان، “حزب الله”، ويمكن تالياً أن يحدّ إلى درجة كبيرة من التأثير الإيراني في النزاع مع إسرائيل. وعلى نطاق أوسع، تخسر إيران حليفتها الوحيدة في العالم العربي إذا استثنينا العراق بعد صدام حسين، وسوف تصبح معزولة في شكل شبه كامل. إيران معرَّضة، في معركتها على الهيمنة الإقليمية ضد القوّتين السنّيتين الأساسيتين – تركيا والسعودية – وحاميتهما، الولايات المتحدة، لتكبّد هزيمة استراتيجية سوف تجد صعوبة في التعافي منها.
هذه الهزيمة الوشيكة والعزلة الإقليمية سوف تؤثّران في موقف إيران في المسألة النووية أيضاً. من منظار محض منطقي، تقتضي الحكمة من النظام أن يسعى جاهداً للتوصّل إلى حل من طريق المفاوضات. لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن القوى المحافظة الراديكالية في إيران سوف تتمسّك أكثر بالبرنامج النووي مع ضعف الموقف الاستراتيجي للبلاد.
في الواقع، يتبيّن أن أمل القادة الإيرانيين في أن تحقّق الجمهورية الإسلامية أكبر قدر من الفائدة من الثورة العربية ضد الديكتاتوريات الموالية للغرب، هو خطأ كبير، ولو كان متوقّعاً. بدلاً من ذلك، ينبغي على الحكّام الإيرانيين أن يواجهوا الحقيقة شبه الحتمية بأن نتائج الصحوة العربية ستصل إليهم أيضاً عاجلاً أم آجلاً، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
تعلّمنا سوريا درساً أخيراً: من الواضح أن التحالف مع روسيا لم يعد كافياً لضمان بقاء النظام. وقد تكون التداعيات الاستراتيجية على الكرملين عميقة أيضاً، لأن سقوط الأسد قد يقضي منذ البداية على المسار الجديد للرئيس فلاديمير بوتين في السياسة الخارجية.
إذاً سوف تكون لنتائج الحرب الأهلية السورية مضاعفات واسعة النطاق ليس فقط على البلد وشعبه، إنما أيضاً على السياسة الإقليمية والعالمية، وسوف تكون إيران الأكثر تأثّراً. حريٌّ بالقادة الإيرانيين أن يشكروا جورج دبليو بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وداعميهم على التحالف الإيراني مع العراق. لكن في نهاية المطاف، قد لا يكون هذا التحالف كافياً.
وزير الخارجية الالماني سابقا
project-syndicate
ترجمة نسرين ناضر
النهار