صفحات العالم

الشرق الأوسط: ما بعد الأسد


جيرار شاليان*

ترجمة: مدني قصري

الغد – لا شك أن النهاية المبرمجة للنظام الدكتاتوري لبشار الأسد قد باتت وشيكة. وتأتي هذه النهاية إلى حد كبير، فضلاً عن الانتفاضة الشعبية المتنامية، نتيجة لدعم الغالبية العظمى في جامعة الدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية، وتليها قطر، ثم الدعم اللوجستي الذي تقدمه تركيا لهذه الثورة. ولا شك أن دعم الولايات المتحدة في مجال رصد الأقمار الصناعية، والعمليات الأكثر سرية التي تقوم بها المخابرات، وكذلك حلفاؤها الأوروبيون، باتت تعزل النظام الذي لم يعد يسانده سوى روسيا والصين.

وتقدر هاتان الدولتان أن حملة استئصال نظام العقيد معمر القذافي، التي قادها الإنجليز والفرنسيون، وأشرفت عليها الولايات المتحدة الأميركية، قد تجاوزت تفويض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومع أن روسيا تدعم دمشق وتوفر لها الأسلحة، فإن عليها أن تحسب حساباً لتغير علاقات القوة على الأرض. إن العملية الجارية في الوقت الحالي تحت ستار الإنسانية، هي عملية سياسية في جوهرها. والأمر يتعلق بإضعاف إيران من خلال حرمانها من حليف إقليمي حيوي. وإلى جانب ذلك، فإن حزب الله اللبناني سوف يتلقى الصدمة المضادة، وهو ما سيعمل على تعزيز موقف إسرائيل التي ستكون أحد المستفيدين من الأحداث الجارية.

وعلى مستوى أوسع نطاقاً، يمكننا تفسير الأحداث الراهنة التي تضرب بجذورها في الثورة الخمينية للعام 1979، بالقول إنها صدٌّ قوي للشيعية الزاحفة (الاحتجاجات الشعبية في البحرين تم التصدي لها وإخمادها بهدوء بواسطة الرياض)؛ حيث تتوّجه حربُ السنة المضادة التي تقودها منذ ذلك الوقت المملكة العربية السعودية وتقدم لها تركيا الآن دعماً قوياً.

إن الوضع العسكري، حتى وإن لم يكن ميؤوسا منه بالنسبة لنظام ما يزال يمتلك وسائل هائلة قد بدأ يتغير تدريجيا لصالح الفصائل الثائرة، مع وصول أسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ للدفاع الجوي مخصصة لإسقاط طائرات الهليكوبتر الحربية. وفيما يسعى النظام إلى ضرب المدن ذات الأغلبية السنية، فقد ركزت الانتفاضة على مهاجمة المعاقل المدينية لدولة البعث في دمشق وحلب من خلال عمليات عسكرية تتميز بمهنية عالية. ومع ذلك، يظل أمر استخدام النظام للأسلحة الكيميائية مستبعداً باعتبارها عملاً انتحارياً بكل تأكيد.

وإلى الجنوب، تخضع الحدود الطويلة مع العراق التي تحاذي المناطق السنية لهذا البلد، إلى سيطرة جزئية من قبل المتمردين. وفي الشمال، اختار الأكراد الذين كانوا في ما مضى مضطهدين ومهجّرين من قبل النظام العلوي، وصاروا مستلطَفين منه مؤخرا حتى يظلوا محايدين، اختاروا اللجوء إلى المعارضة الفعالة. وكان زعيم كردستان العراقية المتمتعة بالحكم الذاتي، مسعود البرازاني، قد عقد منذ فترة قصيرة اجتماعا في أربيل من أجل المصالحة بين مختلف الفصائل الكردية في سورية. ولكن، ورغم انقسامها، تمتلك هذه الفصائل التي تضم حزب العمال الكردستاني (حركة مسلحة كردية في تركيا) كميات أسلحة كبيرة، وتسيطر بالفعل على جزء من الأراضي المتاخمة لتركيا. وتثير هذه التطورات مخاوف أنقرة التي حشدت قواتها مؤخرا على الحدود السورية.

لكن الفصائل السياسية المختلفة في سورية، والتي لا تملك أي منها تفويضاً أو تمثيلاً كاملاً، هي اليوم أبعد ما تكون عن تحقيق أي تنسيق كامل على النحو الذي تتمناه واشنطن، الحريصة على تجنب حدوث الفوضى بين الطوائف الدينية. وسوف تميل الأغلبية السنية قريبا إلى الانتقام من العلويين، وبصفة عامة من المسيحيين الذين كانوا ينعمون دوما بحماية هؤلاء وحلفائهم. ولذلك، فإن هجرة جزء منهم ستكون أمراً وارداً ومحتوماً.

وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة تريد تجنب الدخول في خبرة انهيار الدولة السورية، وهو الأمر الذي ربما يفكر فيه العلويون أصحاب الأغلبية في ملاجئهم الجبلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الشأن، تطرح بعض الفصائل الكردية احتمالات قيام حكم ذاتي لكردستان.

ويبقى التدهور العام للوضع قابلاً لأن يستمر، وفي المناطق الحضرية على الخصوص، حيث يجري الجزء الأساسي من الأحداث. وتجري تصفية الحسابات التي يدفع فيها المدنيون الثمن الآن على قدم وساق. وسوف يزداد الحجم الكبير من الضحايا على الأرجح، وقد بات النشاط الدبلوماسي أكثر سرعة تحسباً لقدوم المشهد الأخير من الأزمة.

أما احتمال اللجوء إلى تدخل أجنبي في سورية، وهو أمر مبرمج أيضا، فقد بات يقترب شيئاً فشيئاً بدوره. وقد تم إسناد هذا الدور (من قبل الجامعة العربية والغرب، إذا تعذر الحصول على موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) إلى تركيا المجاورة، الحريصة على توطيد مكانتها كقوة إقليمية وسنية كبيرة، والعازمة في الوقت نفسه على الوقوف ضد تطور أي اضطرابات كردية قد تهدد الأمن على حدودها.

وهكذا، فإن المشهد الأخير في سورية لم يأت بعدُ، لكن إيران سوف تجد نفسها تحت الضغط المتزايد. وهل يستطيع لبنان أن يتجنب التأثر مباشرة بالتغيرات التي سوف تحدث؟ وأما العراق الشيعي، وخصوصا حكومة نوري المالكي، فسوف يتعرض لمزيد من العزلة. وأما الرأي العام الغربي، المتتبع أساسا للأحداث الجارية والمُطّلع على عدد الضحايا، فإنه لا يشك على ما يبدو في أنه يشهد تشكيلاً جيوسياسياً جديداً وبالغ الأهمية للمنطقة.

– (ليبراسيون)

Le Proche-Orient après Assad

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى