الشرق الأوسط يجمع الجبّارَين/ الياس الديري
ماذا يُعدُّون ويطبخون في المطابخ الدوليَّة لخريطة العالم العربي وجيرانه، وما قد يُسمَّى لاحقاً “الشرق الأوسط الجديد”؟
أحاديث التفاهمات والتوافقات بين واشنطن وموسكو غادرت، على ما يبدو، الكواليس المُحكمة الإقفال لتتصدَّر الصحف الرئيسيَّة في العواصم الكبرى… وانطلاقاً من الأعاصير والزلازل التي تكاد لا تفارق منطقة الفوضى غير الخلاّقة.
وبشراسة وقَسوة ودمويَّة لم يسبق للعالم العربي، وربما للعالم بأسره، أن شهد مثيلاً أو شبيهاً لها.
ودائماً يبرز اسم إيران، ودور إيران، وحجم إيران، وامتداد نفوذ إيران إلى العراق وسوريَّا… فبيت القصيد في لبنان، حيث بات البعض من اللبنانيّين يعتبر الأمر طبيعيّاً، وحيث راح البعض من الإيرانيين يتصرّف على أساس أنه من أهل البيت.
أما المخضرَمون من المحلّلين والسياسيّين، فإنهم يؤثرون التريّث في إعطاء أي رأي نهائي لهذه الجهة، ما لم يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود بين واشنطن وطهران. سواء على صعيد الوضع السوري والتسويات المطروحة، أم بالنسبة إلى العراق، ثمّ لبنان و”موقع” “حزب الله”، وحدود الاتفاق الثنائي في هذه الزاوية الملتهبة.
الكلام كثيرٌ في هذا الصدد. كذلك التوقّعات والاحتمالات، والقول أن تجارب الحروب والأزمات السابقة، كما الراهنة، أكَّدت للجميع، ولأميركا وروسيا قبل سواهما، أن زمن الأمبراطوريّات قد ولّى. وزمن التفرّد والهيمنة والاستئثار قد دُفِنَ بدوره.
عصرٌ بكامله، بكل سياساته ومفاهيمه وعناوينه وطموحاته قد انطوى، وطوى معه صفحة، بل صفحات من المآسي والكوارث التي حصدت أميركا نفسها حصة الأسد منها… فيما لا يزال العصر الجديد قيد الإعداد والصياغة. وقد يستهلك وقتاً طويلاً قبل أن يُولد، وقبل أن يوضع موضع التنفيذ.
لا شكّ في أن إدارة البيت الأبيض أدركت، مثلما أدرك الرئيس باراك أوباما بدوره، حجم التراجع الأميركي، وجوداً ونفوذاً، في هذه المنطقة التي تسمَّى نجمة الشرق الأوسط. وعاصمته. والموقع الجاذب فيه.
وفي معرض التوضيح والتأكيد، تجد مخضرمين ومرجعيّين مشهوداً لهم يشدّدون على أنَّ لا أحاديَّة في زعامة العالم بعد اليوم. ولا أحاديَّة أميركيَّة بصورة خاصة. ولا مركزيَّة لمرجعية وحيدة. فالدبّ الروسي قد ضرب يده على الطاولة بقوّة، لفتت الزعيمة السابقة للعالم وحلفاءها في أوروبا: لقد وصل الشريك الجديد، فافسحوا له مقعداً لائقاً في الصدارة.
على هذا الأساس، ووفق هذه المتغيّرات الدوليَّة، يمكن النظر إلى مستقبل الوضع السوري، و”الوضع الإيراني” في كلٍ من بغداد وبيروت… وصولاً إلى القاهرة.
ثم انتظار الخريطة الجديدة، وموقع كل فتى باسمه.
طمأنني أحدهم إلى أن لا خوف على لبنان.
النهار