“الشرّ” في اللغة/ نارت عبدالكريم
من أين يبدأُ الشِّقَاق؟ هل يبدأ بين الأخ وأخيه، أمْ بينهما من جهة وبين ابن العم من جهة ثانية، ومن بعدهم يأتي دور الغريب والبعيد؟ وماذا لو تقدمنا خطوة واسعة على المنوال نفسه، فهل يمكننا عندها التنبؤ بقدوم مرحلة تَتَّحد فيها البشرية قاطبة لأن هنالك عدواً ظهرَ من خارج كوكبنا؟ وهل علينا الانتظار حتى يظهر هذا العدو لنتَّحد، كعائلة صغيرة، نحن سكان هذا الكوكب الذي هو بالقياس إلى الكون مجرد نقطة في بحر؟
بعيداً من تلك الفرضية وبالعودة إلى السؤال الأول الذي، أيضاً، قد يثير التباساً حيث الشقَاق، من حيث المبدأ، قائمٌ داخل الفرد الواحد نفسه قبل أنْ يتمظهر خارجاً. فكل منا يحمل في الداخل ضده، على حد تعبير الشاعر العراقي مظفر النواب. لكن، ما أسبابه وما طرق تلافيه إن كان بمقدورنا ذلك، وهل من ترياق لهذا الداء، داء العدوانية والشر عند البشر؟
الشِّقَاق لا يأتي مع الولادة كما اللغة بل يظهر لاحقاً، وكلَّما تقدم الطفل في مضمار اللغة تعمق الشقَاق أَكثر فأكثر. حيث اللغة، كما هو معروف للجميع، منظومة ومؤسسة، وجملة من القواعد والأسس والعلامات. بمعنى آخر هي نسيج وغلالة، وليست فقط أداة تواصل وتعبير. ودخولنا في عالمها، يكون عنوةً وليس خياراً، بل إن أثر اللغة على الإنسان كأثر الختان. ولأن الكلمات ليست هي الأشياء، غدونا نحيا في عالم موازٍ للواقع بدل أن نعيش الواقع كما هو، وننزلق على سطحه كما حبات المطر على زجاج النوافذ، من هنا منشأ الاغتراب والقلق وكل الحروب والفظاعات التي نرتكبها بعد تبريرها باستخدام اللغة عينها. فمن دون اللغة ليس هنالك أنا وأنت، وليس هنالك نحن وأنتم، وليس هنالك شر ولا خير. فالإنسان، على حد تعبير هايدغر، يسكن في اللغة وليس في «الواقع».
* كاتب سوري
الحياة