الشعب السوري: أضاليل نظام الأسد/ فايز ساره
يحلو لرجالات نظام الاسد في دمشق التكلم عن الشعب السوري والتكلم باسمه. ولا يوفر هؤلاء مناسبة الا ويفعلون ذلك، وكان بين آخر تلك المناسبات، ماقاله وزير اعلام النظام حول ابرز مايشغل بالهم من قضايا بينها مصير بشار الاسد ومؤتمر جنيف2، والابرز في ذلك قوله، ان الشعب السوري مصمم على استمرار بشار الأسد في رئاسة الدولة!
ويعيد كلام وزير اعلام النظام طرح سؤال يحتاج الى جواب، وهو عن أي شعب يتحدث الوزير وغيره من مسؤولي النظام في دمشق. ليس في ضوء ما طبقه النظام من سياسات في سوريا منذ ان استولى آل الاسد على السلطة قبل أكثر من اربعين عاماً، بل على الاقل في ضوء ما قام به النظام في اطار حربه على الشعب السوري والمتواصلة منذ نحو ثلاث سنوات، والتي اوصلت السوريين الى عمق الكارثة، بعد ان عاش الشعب السوري على ضفاف كارثة خلفها نظام البعث في الخمسين عاماً، حكمت فيها عائلة الاسد ثلاثة واربعين عاماً امضاها الاب والابن في سدة الرئاسة السورية.
ان مسار نظام البعث ورئيسه في التعامل مع الشعب السوري، انه وضع نفسه فوق الشعب عندما عين نفسه حاكما وقائداً للدولة والمجتمع طبقاً للدستور الذي توج بصدوره عام 1973 مساراً عملياً من السياسة في التعامل مع الشعب السوري، اساسه مصادرة فكرة الشعب لصالح الجيش، حيث جعل المؤسسة العسكرية – الامنية القوة القابضة على المجتمع والسلطة، واطلق يد رجالها في اخضاع الشعب السوري عبر مجموعة من الهيئات والتنظيمات التسلسلية، التي تتولى عملية اخضاع وتدجين السوريين في مختلف مراحل حياتهم من طلائع البعث الى الشبيبة ثم الطلاب، قبل ان تتنوع تلك التنظيمات حسب التخصصات المهنية والانتماءات الاجتماعية، التي لابد لكل سوري من ان يكون في واحدة ومنها، وعبرها يتم اخضاعه وضبطه، وصولاً الى السيطرة المطلقة على الشعب والغائه من سياسة النظام فعلياً وتحويله الى مجرد لفظ لا معنى له عند اركان النظام ومؤسساته.
وكرس حكم الاسد الاب والابن تلك الوقائع وعمقها بحيث صار الحديث عن الشعب والدولة هو حديث عن النظام ورأس النظام فقط، ولعل تعبير “سوريا الاسد” الذي طالما رفعه وردده النظام ورجاله، هو تعبير واضح عن التغييب المتعمد للشعب السوري في رؤية وممارسة النظام، وبدا من الطبيعي، ان ثورة السوريين في آذار 2011، جاءت لتعيد مجدداً طرح فكرة الشعب السوري في الواقع والسياسة وفقاً لمعطيات جديدة.
لعل اول المعطيات وابرزها، ان قطاعات من الشعب السوري وفي مختلف المحافظات، انخرطت في حركة احتجاج وتظاهر واسعتين ضد النظام وسياساته بعد الشرارة التي اطلقتها درعا، والتي سبقتها ارهاصات حدثت في انحاء اخرى من سوريا ولاسيما في دمشق. وثاني المعطيات ان حركة الاحتجاج السلمي وبعد مضي سته اشهر، بدأت تفرز تعبيراً شعبياً آخراً في مواجهة سياسات النظام في قتل وجرح واعتقال السوريين وتدمير ممتلكاتهم ومصادر عيشهم، فظهرت تشكيلات الجيش الحر، التي تكونت في اساسها من ثوار مدنيين وعسكريين منشقين، كان هدفهم حماية التظاهرات والحواضن الاجتماعية للثورة، وثالت المعطيات، ان مزيد من السوريين انضموا الى حركة الدعم والمساندة لفعاليات الثورة ضد النظام وما لحق بمناطق الثورة في المدن والقرى والاحياء من خسائر بشرية ومادية نتيجة عنف النظام وسياسة القتل والتدمير والتهجير التي تابعها على مدار السنوات الثلاث الماضية، فظهر جيش كبير من الشعب السوري يعمل في قطاعات الخدمة الشعبية وبينها الاغاثة في الاسكان والغذاء والصحة وفي الاعلام والتوثيق والدعم النفسي غيرها.
لقد شكلت تلك الفعاليات خروجاً للشعب وللقسم الاكبر منه من تحت سيطرة النظام، ونزوع من السوريين للتعبير عن انفسهم ورغباتهم في الخروج من تحت سيطرة النظام، وسعيهم لاقامة نظام جديد يقوم على الديمقراطية، ويسعى الى توفير الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، وهذا التغيير دفع النظام الى الذهاب الى الابعد في التعامل مع الشعب السوري او أكثريته لجهة تصعيد العنف من جهة، وفي تحشيد اقلية من اصحاب المصالح مع النظام والمنحبكجية، وتحويلهم الى آلة قمع وارهاب تساعد في لجم طموحات السوريين وتعزيز الجهود المبذولة لاعادة السيطرة على السوريين.
ولان عجز النظام وتلك البطانة في تحقيق الاهداف المطلوبة عبر القوة الذاتية، قام باستدعاء قوى خارجية للمشاركة باشكال مختلفة في الحرب على الشعب السوري، وكان الابرز في ذلك خبراء ومستشارين من روسيا وايران وكوريا الشمالية، قبل ان ينخرط جنود روس وجنود من الحرس الثوري الايراني، ومليشيات حزب الله اللبناني ولواء ابو الفضل العباس العراقي وغيرهم في عمليات قتل وتهجير السوريين وتدمير بلدهم على نحو واسع.
ان نتائج الحرب اصعب من ان تحصى من الناحيتين البشرية والمادية. غير ان في قائمة الخلاصات، ان نحو مليون سوري كانوا ضحايا عمليات القتل والاصابات، التي ادت الى عاهات دائمة، وعمليات الاختفاء القسري والاعتقال، وهناك أكثر من اثني عشر مليون سوري شردوا من بيوتهم، منهم اكثر من سبع ملايين نسمة مشردين في الداخل السوري وقرابة خمسة ملايين اغلبهم لاجئ في بلدان الجوار، وتسببت حرب النظام في تدمير تعليم السوريين، حيث ثلاثة ملايين طفل تخلف عن الدراسة، وترك متابعة الدارسة أكثر من مليوني سوري، وتسببت حرب النظام بمفاقمة الفقر السوري، حيث اصبح ثمانية عشر مليون سوري حسب الامم المتحدة، وصار السوريون يموتون من الجوع لاول مرة منذ الحرب العالمية الاولى.
وسط تلك اللوحة القاتمة، التي تحيط بالشعب السوري، يتحدث النظام عن الشعب السوري، وتصميمه “على استمرار بشار الأسد في رئاسة الدولة”، والسؤال هل هناك كذب وتضليل اكثر من ذلك؟
المستقبل