الشعب السوري قادر على تخطي المأساة
عبد الحميد درويش *
مضت سنتان وشهران منذ أن بدأ أبناء درعا الباسلة انتفاضتهم من أجل الحرية والديموقراطية، وكان التجاوب سريعاً من أبناء بقية محافظات سورية مع إخوانهم في درعا. وفي محافظة الحسكة في شمال شرقي البلاد، كان التجاوب أسرع، حيث خرج أبناء القامشلي من الكُرد بعد ثلاثة أيام لينادوا «فداك يا درعا». وكان لهم كل الحق أن يتجاوبوا مع انتفاضة إخوانهم، فهم الذين عانوا الأمرين من أجهزة الأمن وممارساتها المشينة ضد كل من رفع صوته ونادى بالحرية أو الحقوق القومية من أبناء الكُرد.
بدأت التظاهرات سلمية في كل أنحاء سورية. وبدلاً من أن تطرح السلطات وأجهزة الأمن مبادرة إصلاحية من شأنها إخراج البلاد من هذه الأزمة واجهت التظاهرات والاحتجاجات بالرصاص الحي وأقسى أنواع التعامل اللاإنساني.
عندها بدأت المخاوف تتسرب إلى الأوساط السياسية والثقافية خشية أن تلجأ بعض الأوساط الشعبية إلى حمل السلاح، وكان لهذه المخاوف أسبابها لمواجهة أعمال النظام الذي لم يراعِ سلمية التظاهرات والاحتجاجات أولاً، وثانيها امتداد أيدي جهات خارجية تريد العبث بأمن البلاد ودفعها إلى حافة الهاوية وإشعال فتيل نار حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
وحقاً حصل ما كنا نتوقعه، فأصبحت سورية تعيش حرباً أهلية بكل ما في الكلمة من معنى، وفي بعض جوانبها حرباً طائفية. وللأسف الشديد، وبعد مضي أكثر من سنتين على هذه الحرب التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من السوريين ودمرت عشرات البلدات وجوانب كبيرة من المدن، يحدث من الأعمال المشينة ما يندى له الجبين من وحشية قل مثيلها، وهي غريبة عن ثقافة وقيم السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والعرقية والمذهبية. فوصلت أجهزة النظام إلى حد لا سابق له من بشاعة التعامل والتنكيل والتعذيب للمواطنين، ووصل بعض أطراف المعارضة إلى حد أكل اللحم البشري.
إن أبناء الشعب السوري عرباً وكُرداً وآشوريين وأرمنيين وتركماناً، ابرياء من هؤلاء الذين لا يُمثلون وإن بأدنى مقاييس المواطنة قيم وأخلاق السوريين. وعلى الجميع رفع أصواتهم والعمل الدؤوب لإنهاء الحرب المجنونة التي تخالف بمضمونها وما يحدث فيها، كل قوانين البشر وشرائع حقوق الإنسان. وهي بالتالي تدفع بلدنا سورية الجميلة إلى الدمار الشامل وإلى تمزيق الوحدة الوطنية.
إن المجتمع الدولي والدول الكبرى والدول الإقليمية لم تفعل حتى الآن ما من شأنه إنهاء الحرب. بل إن البعض منها يتفرج ويتلذذ بآلام المواطنين السوريين.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة المرة التي يدركها المواطنون تماماً، علينا أن لا نعتمد على جهات خارجية لحل هذا النزاع، بل أن تبادر الأطراف المعنية إلى الحوار. ورغم المآسي والآلام، فأن شعبنا قادر في النهاية على تخطي هذه المأساة والوصول إلى نظام حر وديموقراطي لا مكان فيه للدكتاتورية والمتطرفين الذين يصطادون في الماء العكر، وإلى ذلك اليوم نحن نتطلع.
* الأمين العام لـ «الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي»
الحياة