صفحات سورية

الصناديق أنجبت الدستور السوري المنتظر: ممنوع اللمس.. للعرض فقط


أحمد عمر

أخيرا تمخض الجبل.. بعد حمل طال أربعة أهلة. تمخض رحم النظام المنضم الصخري (الذي تبيّن أنّ له رحما) فولد دستورا يظن أكثر المتفائلين انه دستور خديج ستقطع عنه الكهرباء في الحاضنة فيموت شهيدا. والدستور، في سورية، بوعزيزي القارئ، هو من الكائنات التي تنتمي إلى عائلة الديناصورات التي تحولت بعد تفاعلات تاريخية وجيولوجية لملايين السنين إلى علف.. للحمار. خرجت لجنة إعداد الدستور السوري غير الفلكسبل وغير المطاطي (الدستور التاسع الدائم – المحدود، سوى وجه الله – منذ الاستقلال) بمسودته ‘البيضاء’ أي ‘النهائية’ حيث ظهر كما ظننا آثمين أو مثابين، أنّ نتيجة الاستفتاءات ستكون بنسبة كبيرة بالموافقة.

وقد أنفقت ساعات من عمري- المهدور أصلا – أمام الفضائيات السورية في الأيام الثلاث الأخيرة (ثلاث فضائيات بسروال واحد) وهي تكيل المدائح للدستور الجديد وكأنها تعرضه للبيع وراحت تشرحه لجماهير النظارة وتطمئنهم انه سيكون مثالا يحتذى في كل العالم، كما كان القذافي يبشر بالثورة الثالثة في العالم! لكني لم اعرف تفسير المادة الخاصة بالمدة الرئاسية إلى أن وضحّها الأكاديمي جمال المحمود، الذي كان يقف عند كل مادة من مواد المشروع ويصفها قائلا: و’هي مادة في غاية الأهمية’، في قناة الدنيا، فالدستور، يجبّ ما قبله، وليس له اثر رجعي، أي أن العداد الرئاسي سيصفّر، أي أن الرئيس الحالي يحق له الترشح لمدتين رئاستين جديدتين، مدة كل منها سبع سنوات، سيفوز فيها حتما، والسبعة رقم مقدس – يعني في احد معانيه ‘الأبدية’- انقرض من دساتير العالم كلها.

حددت فترة الرئاسة لمدة خمس سنوات، في حوالي 60 ‘ من الأقطار التي تطبق نظام الرئاسة المحدود، وفي فرنسا كانت محددة بسبعة أعوام ثم نزلت إلى خمسة. بينما حددت فترة الرئاسة في حوالي 22 ‘ من هذه الدول بأربع سنوات، وفي 16 ‘ بستة أعوام. أما أعمار الرؤساء فمتباينة تتبع ثقافات الشعوب السياسية.

ففي الفلبين حدد العمر الرئاسي بأربعين سنة، وهو العمر الرئاسي في سورية سابقا، والمقتبس عن عمر البعثة النبوية كما نعتقد، والذي تم تخفيضه إلى أربعة وثلاثين سنة ليناسب عمر الرئيس الحالي في الدستور السابق، بينما حددت في الولايات المتحدة بخمس وثلاثين سنة، أما في كوريا الشمالية فقد أصبح 27 سنة، وقد يصبح ذات يوم 27 يوما ما دامت العائلة ‘الكيماوية’ على عرش السياسة!

لم يشرح لنا احد من الضيوف – في البرامج المارتونية الطويلة – سبب اختيار هذه ‘التأبيدة’ الرئاسية، في عصر السرعة وحب التغيير، و’الديسبوزل’. نذكرّ بأن الدستور السابق كان ينص في احد مواده على أنّ ‘الحرية مقدسة’ ويكفلها الدستور، في حين أن المقدّس كان هو العبودية، لكن السؤال هو: من يكفل الدستور؟ وقد نعى احد الضيوف الشجعان بعض مواد الدستور السابق ووصفها بالمبهمة، ووصف قدري جميل الموصوف ‘بالمعارض’ الوصف أصبح مدحا – الاقتصاد البعثي الاشتراكي، بأنه كان اقتصادا رأسماليا مشوها! بل انه اعترف بالربيع العربي ضمنيا من غير أن يسميه باسمه الحقيقي ، فهناك خطوط حمراء وبرتقالية يراعيها الضيوف في فضائيات التبن، واقرّ الرجل بأنّ السياسة عادت الى بلاد العرب (يعني مصر وتونس وليبيا..)، وانّ ‘النظام’ تأخر في الإصلاح ، كما انه لم يفرج عن المتظاهرين، وأثنى على الدستور الحالي، خاصة تلك المادة ‘التي في غاية الاهمية’ والتي تلحظ حق الإضراب عن العمل لكنه لم يشف غليلا، فالأخطاء السابقة، سببها كائنات هلامية اسمها ‘الفريق الاقتصادي’ واللبرلة، وفيروس اسمه: ضعف ارتباط القاعدة – ‘القاعدة’ البعثية وليس السلفية – مع القيادة في الحزب (والثورة) كما ترى كندة الشماط، الأخطاء كلها تبدو وكأنها نتيجة نيزك هبط على الأرض! المصارحة غائبة، ولا مصالحة بالإيماء والإشارة والتلميح. والغمزة لا تنجب أولادا.

لعل التلفزيون يريد من وراء استضافة سيدة محجبة في اللجنة على مدار أسبوع الاعتراف بالتنوع الثقافي ‘للأقلية’ المحجبة في البلد، أما كلمة الفسيفساء فأصبحت مشاعا في الفضاء السوري وهي إحدى الكلمات التي حبس عليها رياض سيف ردحا من الزمن. يبقى أن نقول ‘جملة في غاية الأهمية’: وهي أنّ الشعار في سورية الحالية كان ‘اسود’ من الدستور، وأنّ وحش الشعار؛ كان يفطر بالدستور ويتغدى بالقانون ويتعشى بالشريعة في المذود، وهناك معجزة سورية يجب تحقيقها هي: كيف سنحيي عظام الدستور وهو رميم . وإذا تم إحياؤه كيف سينزل على الأرض وكيف سنعلمه المشي بعد أن تم تحريره من قيود وأغلال أربعين سنة.

غرندايزر قنديل

تابعت الفضائيات السورية أيضا استضافة إلاعلامي اللبناني المعجزة ناصر قنديل دوريا، فالرجل يتمتع بمواهب خارقة في الثرثرة المتصلة. وهو قادر على شحن الموالين بالمهدئات من صداع الثورة، لكنه للمرة الأولى عمد إلى التهديد، وهو يحدّق في عين الكاميرا ثم توعد (حتى إنني اختبأت وراء اللحاف) مذيعين اثنين هما نجوى قاسم في العربية التي هددها باحتمال منعها من دخول لبنان، والثاني هو حسن جمول الذي حاول إثارة وجدانه وربما حثّّه على الانشقاق عن الجزيرة. كما واظبت الفضائيات من خلال ضيوفها على التهوين من التصويت في الجمعية العامة، فالقرار غير ملزم، والفيتو الروسي بالمرصاد، والأمم المتحدة أمم صعاليك .. لنتذكر إسرائيل التي كانت تصف أصوات الأمم لصالح فلسطين بالقول أنها منتدى الدول إسلامية والعربية؟ المهم هو القوة.

الفرق بين التاء والدال

يصرّ مذيعو قناة الجزيرة على مناداة الإعلامي السوري الأخير، والصامد الأخير، بعد أن سكت معظم زملائه، بالسيد ‘شحاتة’، حتى مواطنه فيصل قاسم يفعل ذلك. وهو بدوره يخاطبها بلهجة التفخيم والتبجيل مداهنا. وقد خشيت أن يزعم أن مظاهرة المزة وجنازاتها هي للفرح بالثلج ‘الملطخ بالدم’ لولا انه كان احذق من ذلك، لكن إعلاميي النظام المنضم يصرّون على حل المشاكل بطريقة الرهينة: لن ندع رجال سورية يقودون مصيرهم إلا إذا نالت المرأة السعودية حق قيادة السيارة. لن نعدل هنا حتى تعدلوا في البحرين والقطيف. لن نترك ثدي السلطة الحلوب حتى تحلبوا الثور…

جورج صبرة

برنامج بلا حدود مصري المزاج والاتجاه المعاكس سوري المزاج، بحكم جنسية ربان البرنامج. وقد قدرت اني ساستمتع بحوار راق بين المناضل جورج صبرة و’المشرع الدستوري’ قدري جميل (الذي اختار مخرج البرنامج ظهره للخصم) في برنامج ‘ساعة مع مرسال غانم’، لولا أن الأثير الفضائي صفيح ساخن والدنيا تؤخذ غلابا و.. شتاما.

حكمة اليوم ‘وهي في غاية الأهمية’ :الاستفتاءات على الدستور ستكون فرصة لدفن الشهداء في.. حدائق الصندوق الانتخابي.

كاتب من كوكب الأرض

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى