الضحك في الزمن المظلم: مقابلة مع ممدوح حمادة
ليزا ودين: من هم ممثلو الكوميديا الذين كان لهم تأثير على أعمالك الكوميدية المختلفة؟
ممدوح حمادة: لا يوجد أي ممثل محدد يمكن القول إن له تأثير مباشر على اعمالي الكوميدية، ولكن في الوقت نفسه يمكنني القول إن جميع الذين شاهدتهم لهم تأثير بهذا الشكل أو ذاك على الأعمال، فأي عمل سينمائي أو مسرحي أو تلفزيوني يشاهده الشخص وخاصة العامل في هذه المهنة يتحول بشكل آلي إلى جزء من تجربته الشخصية، لأن تجربة الانسان برأيي لا تتكون فقط من النشاط الذي يقوم به شخصياً، وإنما من النشاط الذي يطلع عليه أيضاً.
يعجبني الكثير من الممثلين الذي لا احفظ أسماءهم جميعاً، ولكن إضافة إلى الأسماء الكلاسيكية مثل تشارلي شابلن و لوريل وهاردي تعجبني أعمال كوميدية روسية وايطالية، كما تعجبني كوميديا ليست لها شهرة عالمية مثل الذين ذكرتهم ولكنها كوميديا ذكية، واقصد بالتحديد الكوميديا الجورجية (جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً).
ل. و.: متى كتبت أول أعمالك الكوميدية؟ وسبب اختيارك لهذا النوع من الكتابة؟
م. ح.: قبل أن ابدأ الكتابة للتلفزيون كتبت سيناريوهات لثلاثة افلام سينمائية، ولكنها لم تنفذ، وكان ذلك في 1994، ثم بعد ذلك في عام 1995 طلب مني كتابة سيناريو لمسلسل تلفزيوني تدور أحداثه في ديكور واحد، أي ما يطلق عليه الآن على ما أعتقد تسمية “سيت كوم” وقد طلب مني كتابة هذا العمل اعتماداً على نجاح عمل سابق له يدعى “عائلة خمس نجوم” فكتبت العمل واسميته “الليدي فردوس” ولكن الشركة اطلقت عليه اسم “عيلة ست نجوم” للاستفادة من نجاح العمل السابق، وهكذا في ثلاثة مواسم متتالية كتبت “عائلة سبع نجوم” ثم “عائلة ثمان نجوم” ثم تحررت من هذه التجربة وكتبت مسلسل “بطل من هذا الزمان” وبعده “جلنار” وبعده “مبروك” وأعمالاً أخرى إلى أن تعرفت على الليث حجو في “بقعة ضوء” أولا ثم في “عالمكشوف” و “ما في أمل” وصولاً إلى “الخربة”.
أما سبب اختياري لهذا النوع فيعود على ما أعتقد إلى ميول نحو السخرية منذ الصغر، فأنا منذ المدرسة أكتب المواضيع الساخرة، وقد لاحظ المعلمون ذلك وكانوا ينتظرون موضوعات التعبير التي أكتبها لكي اقرأها في الصف، كما أنه وبسبب قلة الكتاب في هذا المجال فإن شركات الإنتاج لا تعطي لكاتب الكوميديا فرصة لكي يحاول كتابة شيء آخر، فهي تطلب منه دائماً عملاً كوميدياً، حتى قبل أن ينتهي من كتابة العمل الذي بين يديه، لأن الأعمال الأخرى كثيرة اما الأعمال الكوميدية فهي قليلة.
ل. و.: ما هي الرسائل السياسية التي أردت أن ترسلها من خلال أعمالك الأولى ؟ و كيف تغيرت هذه الرسائل مع الوقت؟ و ما أوجه الشبه أو المقارنة بين أعمالك خاصة بقعة ضوء و أمل ما في و ضايعة ضيعة و الخربة؟
م. ح.: فيما يخص الرسائل السياسية فقد كنت منذ بداية العمل في كتابة السيناريو في حالة جس نبض مستمر، فأنا اعرف أن هناك رقابة شديدة على الرسائل السياسية، وقد كنت دائماً أطرح بعض الرسائل في محاولة مني لجس نبض الرقابة وفي المرة التالية أرفع الجرعة وأختار الأسلوب الذي أظن أنه الأمثل في الالتفاف على الرقابة، ولكن ليست الرقابة الرسمية دائماً هي العائق، فأحياناً تاتي الرقابة من طاقم العمل، أذكر في أحد الأعمال أن ممثلاً رفض تمثيل أحد المشاهد لأنه اعتبر أن ذلك سيشكل خطراً على حياته كما كان يظن، أعتقد أنه كان يبالغ في خوفه ولكن هذه الحالة كانت موجودة على كل حال، وفي عمل آخر شعر أحد المخرجين بالخوف وقام بتغيير اجواء اللوحة لكي لا تفسر كما هو مطلوب في السيناريو، ومثل هذه الحالات كثيرة، ويمكن القول إنني من عمل لعمل كنت أرفع الجرعة، حيث بدأت الانتقادات بالمواضيع المعيشية وبعض التجاوزات الأمنية إلى أن وصل المستوى إلى التفاصيل التي تمس النظام السياسي، والتي كانت من المحرمات في ذلك الوقت، مثل قانون الطوارئ وغيره.
بالنسبة للفرق بين الأعمال المذكورة وأوجه الشبه فإنني اعتقد أنه لا فروق سوى تلك التي يفرضها شكل العمل ومواصفاته الدرامية، ففي “أمل مافي” كان التوجه نحو طرح افكار سياسية أو اجتماعية حادة وكان علينا أن نتمكن من تقديم الرسالة في مدة زمنية لا تتجاوز الدقيقتين كحد أقصى، في “بقعة ضوء “كان هناك حرية في اختيار الموضوع واختيار الزمن حيث أن اللوحة في “بقعة ضوء” كان يمكن أن تصل إلى 20 دقيقة وفي بعض الأحيان أكثر، في “الخربة” و”ضيعة ضايعة” كان هناك التزام بالشخصيات وبالبيئة التي تجري فيها الأحداث، أستطيع أن أقول أنه في المضمون لا فرق من حيث طرح الأفكار، فأعمق الأفكار التي طرحناها في “بقعة ضوء” عبر شخصية المثقف مثلاً، قمنا بطرحها في “ضيعة ضيعة” عبر شخصية اسعد الساذج، الفرق كان فقط فيما يفرضه شكل العمل من الناحية التقنية.
ل. و.: بوجه عام كيف يمكن أن تصف التغيرات التي طرأت على الكوميديا في سوريا عبر الزمن؟
م. ح.:الكوميديا السورية لا تمتلك تجربة كبيرة، فهي تكاد تقتصر على بعض الأسماء القليلة التي بالأصل عملت معاً في أعمال مشتركة، وتكاد تقتصر على التجربة التي كان أشهر رموزها شخصية غوار الطوشة، ويحكى كثيرا عن تجربة حكمت محسن قبل تجربة دريد لحام ونهاد قلعي، ولكنني لست مطلعاً عليها، غير أنه يمكن القول إن بدايات الكوميديا السورية ضمن فترة الستينات كانت تقليداً لتجارب مختلفة من الكوميديا العالمية، وفي الكثير منها كانت محاكاة وتقليد لهذه الكوميديا فنرى مثلاً “حمام الهنا” محاكاة لفلم مأخوذ عن قصة “12 كرسي” للكاتبين الروسيين “إيلف وبتروف”، وفلم “عمتي من المكسيك” مأخوذ عن فلم روسي يحمل عنوان “مرحبا أنا عمتكم” و فلم “الشريدان” على ما أظن مأخوذ عن فلم أمريكي عن قصة للكاتب أو هنري أظن أن اسمها “الشرطي والكورال” والكلام ينطبق على الكثير من الأعمال الآخرى المستقاة من أعمال عالمية، إلى أن بدأ التعاون مع الكاتب محمد الماغوط الذي طورت مشاركته هذه التجربة، يمكن القول إن البدايات كانت غير ناضجة بعد، ولكنها وضعت الأساس لما نحن عليه الآن، الآن تجربة الكوميديا السورية يمكن القول إنها ناضجة ولكنها تعاني من الكثير من المظاهر الطفيلية التي تسبب لها أذى كبيراً، واقصد بذلك تحديداً الممثلين الذين يعتقدون ان لديهم مواهب كبيرة في التأليف فيقدمون أعمالا ذات مستوى متدن جداً من الناحية الكوميدية وفارغة كلياً من الناحية الفكرية، في أعمالهم تغيب كلياً شخصية الكاتب وشخصية المخرج، طبعاً مستويات الأعمال تختلف من عمل إلى آخر ولكن يمكن القول إن التجربة الآن ناضجة، واقصد أن كاتب السيناريو يعرف كيف يفعل ذلك بشكل حرفي، وكذلك المخرج والممثل، ويبقى نجاح العمل متعلقاً بأمور كثيرة.
ل. و.: ملحوظة: كما تعلم لقد تعرضت للكوميديا السورية منذ السبعينات وحتى التسعينات في بعض كتاباتي الأخرى. ويكفي أن أذكر شخصية غوار الطوشة المحببة إلي وهي شخصية انسان عادي ولكنه يستطيع أن ينطق بالحق في مواجهة السلطة بشكل بليغ. في بداية الألفية الثانية كانت تجاربك في سكتشات بقعة ضؤ تطرح نفس الشخصية المضحكة من خلال شخصية أيمن رضا .
م. ح.: ربما لا اتفق معك في هذه النقطة حول الشبه بين أيمن رضا ودريد لحام في شخصية غوار، فلوحات بقعة ضوء لم تعتمد على شخصية الممثل، بالنسبة للوحاتي فقد مثل فيها معظم الممثلين، صحيح ان أيمن رضا مثل الكثير من لوحاتي ولكن لم تكن له في هذه اللوحات شخصية محددة لها مواصفات تنطبق على كل الكاركترات التي لعبها فهو مرة كان إنساناً بسيطاً ومرات كثيرة لم يكن كذلك، ربما ينطبق توصيفك بالنسبة للشبه بين شخصية ايمن رضا وشخصية غوار على بعض اللوحات فقط من حيث بساطة الشخصية ولكن ليس من حيث بناء الشخصية .
ل. و.: ولكن في الفترة 2008-2010 مثلت “ضيعة ضايعة” تحولاً عن هذه الاستراتجية الكوميدية. فبدلاً من الرجل العادي الذي ينتقد الحكومة ويطالب بأن يعامل المواطن بكرامة، فان أهالي ضيعة ضايعة ليسوا بعيدين أو منفصلين عن الظروف التي تقهرهم. فليس لديهم أحساس بالاغتراب مماثل لما يشعر به غوار. إن من ينطق بالحقيقة في “ضيعة ضايعة” هو أنت و الليث حجو، حيث تتمتعان بمسافة نقدية تمكنكما من التحليل. هل ترى أن هذا التوصيف دقيق؟
م. ح.: كما كانت “بقعة ضوء” نقلة إلى الأمام في الكوميديا السوريةـ فإن “ضيعة ضايعة” والخربة” أيضاً كانتا تمثلان الانتقال إلى مرحلة جديدة اخرى، ويمكن القول إن كل مرحلة كانت تمهد للمرحلة التي قبلها، فمشروع “ضيعة ضايعة” و”الخربة” مثلا كنت قد كتبت بعض لوحاته قبل أن يخرج مسلسل “بقعة ضوء” إلى الوجود، أي في أواسط التسعينات، ولكن في تلك الفترة لم أكن قد حصلت على الاعتراف بعد، وقد قدمت عدداً من هذه اللوحات إلى مسلسل “بقعة ضوء”، ومسلسل “عالمكشوف” ومسلسل “شو هالحكي” وهو إنتاج اردني كان فيه مشاكل في الإخراج وهكذا تم التعريف بالمشروع عن طريق “بقعة ضوء “ والأعمال الأخرى، ثم تم طرحهما كمشروع مستقل، وبهذا يمكن القول أن المشاريع الكوميدية تخدم بعضها.
فيما يخص الفرق في الطرح بين (غوار) والأعمال الحديثة بالطبع يمكن القول إن هناك فرقاً كبيراً هو نفسه الفرق بين مرحلتين زمنيتين، فيهما جمهوران مختلفان، فالجمهور الذي كان في الستينيات والسبعينيات والذي كان جهاز التلفزيون بالنسبة له شيء يشبه الأعجوبة، ولم يكن مطلعاً على التجارب العالمية استقبل غوار استقبال الأحبة، وهذا ما يفسر عدم استقبال جمهور التسعينيات لشخصية غوار والشخصيات المشابهة لها بحماس، حيث تم تصوير مسلسلات مثل “عودة غوار” و “يوميات ابو عنتر” وغيرها التي لم تلق شعبية تذكر، غوار هو جزء جميل من الذاكرة، ولكن لا مكان له كشخصية درامية في الفترة الراهنة، إننا نستمتع بشخصية غوار كما نستمتع بقراءة التاريخ، أما في “ضيعة ضايعة” فلدينا جمهور آخر، أولا ًأكثر معرفة واطلاعاً، وثانياً لديه خيارات، فجمهور غوار كان لديه محطة تلفزيونية واحدة تعمل ست إلى سبع ساعات في اليوم أما جمهور “ضيعة ضايعة” فلديه مئات المحطات، وإضافة إلى ذلك فهو مطلع وشاهد أعمال عالمية كثيرة، ويمكنني القول إن غوار جاء إلى الجمهور على سجادة حمراء، أما “ضيعة ضايعة” فكان عليه لكي يصل إلى الجمهور أن يعبر حقول الألغام.
شخصية غوار كانت غريبة لأنها لم تكن مرتبطة بالواقع، فمن الصعب أن نجد شخصية شبيهة لها في الواقع، اما شخصيات “ضيعة ضايعة” و”الخربة” فهي شخصيات مأخوذة بحذافيرها من الواقع، يمكن أن لا يلاحظها الناس بين آلاف البشر، ولكننا في العمل التلفزيوني جمعناها كلها مع بعضها وفصلناها عن بقية النماذج، بكلام آخر وضعناها تحت المجهر، كما أن الأحداث في الأعمال التي قدمت فيها شخصية غوار لم تكن مرتبطة عضوياً مع الواقع، كانت جميعها تنتمي إلى واقع مصنّع، في “ضيعة ضايعة” الأحداث مستقاة بشكل مباشر من الواقع ولم تتعرض سوى للمسات الفنية المطلوبة في أي عمل فني. بطبيعة الحال فإن أي طرح في أي عمل فني يعبر عن اصحاب العمل بلسان الشخصيات، وشخصية غوار دليل على هذا فهي مرت في مراحل مختلفة في كل مرحلة كان يقف خلفها اشخاص مختلفين، ففي البدايات كان الموضوع يقتصر على نهاد قلعي ودريد لحام، ونرى أن شخصية غوار هنا تختلف عن شخصية غوار في المرحلة التي انضم فيها لاحقا إلى الفريق الكاتب محمد الماغوط، صحيح أن الشخصية بقيت كما هي من حيث المواصفات إلا أن طرحها تغير.
في “ضيعة ضايعة” نحن (أنا والليث حجو) ننتمي إلى جيل أحدث، اكتسب تجربة أكبر وبين يديه تكنولوجيا أكثر تطوراً، وحصل على معرفة أكبر في مجال صناعة العمل التلفزيوني، والظرف السياسي والاجتماعي يختلف، يمكن القول جيل أكثر نضجاً وبالتالي فإن الهم الذي تعبر عنه شخصيات عملنا ستكون أكثر عمقا من الهم الذي عبرت عنه الأعمال القديمة التي انتجت في سنوات سابقة، ذلك أن الشخصيات هي في كافة الأحوال لسان صانعيها.
ل. و.: ما هي الحلقة المفضلة لديك في “ضيعة ضايعة” ؟ ولماذا؟
م. ح.: في الأعمال التلفزيونية أنا ملزم أن أقدم ثلاثين حلقة، وبطبيعة الحال فإنني غير مبرمج على ذلك، ولهذا السبب فإنني أكتب بعض الحلقات بصعوبة لكي يكتمل عدد الحلقات، ولكن هناك حلقات أكتبها بسلاسة وبتفاعل كبير مع احداثها تكون عادة هي الحلقات التي احبها، ولا يمكن الحديث هنا عن حلقة واحدة، بل عن عدة حلقات، فمن الجزء الأول تعجبني على سبيل المثال حلقة (يأس) التي يقوم فيها اسعد وجودي بمحاولة ارتكاب جريمة سرقة لكي لا يقدم الشرطي طلب نقله إلى منطقة أخرى، وتعجبني حلقة ( الحمير) التي يعملون فيها بالتهريب على الحمير، وفي الجزء الثاني تعجبني مثلا حلقة (في الليلة الظلماء يفتقد البدر) وهناك حلقات اخرى ايضاً أحبها. أما لماذا تعجبني فالسبب يعود إلى أنني أشعر أنني فتحت فكرة جديدة غير مألوفة في الكوميديا، فجميع الأفكار تقريباً مطروقة بأشكال مختلفة، ولكن هناك أفكار قليل جدا تكون غير مطروقة وهذا ما يجعلني اشعر بالسعادة عندما اكتشفها، ففي حلقة (ياس) مثلاً نرى أن الفكرة معاكسة للمألوف، ففي جميع الأعمال نرى الناس يريدون التخلص من الشرطي، أما في هذه الحلقة فالناس يتمسكون به وعلى استعداد لارتكاب جريمة من أجله، في حلقة (في الليلة الظلماء يفتقد البدر) أيضاً الفكرة مقلوبة، فالمخبر في المجتمعات التي تخضع لسلطات استبدادية يعتبر مصدر خطر على المحيط الموجود فيه، ولكننا في أم الطنافس نرى أن الناس ارتبكت بعد اختفائه فهو في السابق وإن كان مصدراً للخطر إلا أنه ايضا كان مصدراً للأمان فالناس كانوا يعرفون بماذا يتحدثون وأمام من يتحدثون، أما بعد اختفائه فقد أصبح كل واحد منهم مشروع مخبر ولذلك أصبح له قيمة، بشكل عام تعجبني ألأفكار المقلوبة مثل لوحة (عبد اللطيف سندريلا) في “بقعة ضوء” التي تحاكي قصة سندريلا .بشكل عام كل الحلقات التي تكتب بسهولة ولا أتعذب في كتابتها تكون محببة إلى قلبي فيما بعد.
ل. و.: ما هي الرسائل المشتركة بين أعمالك الكوميدية ؟ وهل تعتقد أنه يجب على العمل التلفزيوني أن يكون له رسالة؟ بمعنى أخر هل ترى أنه يجب أن يكون له رسالة توجيهية أو تعليمية؟
م. ح.: كان همي في معظم الأعمال التي كتبتها، لفت نظر المشاهد إلى مظاهر الاستبداد والفساد في المجتمع، وكان ذلك بأشكال ومستويات مختلفة فبينها ما فيه إشارة إلى الاستبداد الاقتصادي وصولاً الى الاستبداد السياسي، طرحت كثيراً شخصية المعتقل السياسي، وتحدثت كثيراً عن الخوف الذي يولده الاستبداد، وفي الحقيقة طرحت المسائل التي كانت تشكل همي الشخصي، فأنا لدي قناعة مثلا بأنني بسبب هذا الاستبداد والفساد لم أتمكن من تحقيق أهم مشاريعي التي كنت أحلم بتحقيقها يوماً ما، كما أنني تعرضت للمعاناة الشخصية في تأمين حياتي المعيشية لفترة طويلة، ولدي الكثير من الأصدقاء الذين خسروا جزءاً مهما من شبابهم في المعتقلات بسبب آرائهم السياسية، واحيانا بدون سبب، وتعرضوا بسبب ذلك للتعذيب والأذى النفسي والجسدي، تقلقني قضية المراة التي تناولتها في عدد من لوحات بقعة ضوء، وفي بعض حلقات ضيعة ضايعة والخربة.
بشكل عام الرسالة في العمل الكوميدي مرتبطة عضوياً بالمجتمع الذي نتحدث عنه، ففي بلدان فيها انتخابات ديمقراطية لا معنى لرسالة متعلقة بالانتخابات الديمقراطية في العمل الكوميدي، وفي بلدان لا تعاني من الفساد يصبح انتقاد الفساد نوع من الغباء، كل شيء مرتبط بالمجتمع الذي تولد فيه هذه الكوميديا، وأظن أنه ليس من الضروري أن تحمل الكوميديا رسائل، إذا لم يكن المجتمع بحاجة إلى ذلك، فالـ (مستر بن) مثلا لا يحمل رسائل، ولكنه يضحك الكثيرين فهل هذا سيء؟ لا أظن ذلك فعلمية الاضحاك بحد ذاتها لها سمة إيجابية، إذا تمكن العمل فقط من تقديم الفرح للمشاهد فهذا يكفي، والمهرج الذي يقدم استعراضاته في السيرك هل هو بحاجة للرسائل؟ أعتقد أن ضحكات الأطفال التي يولدها تكفي لكي نرفع له القبعة، طبعاً أنا لا أتحدث عن أعمال تعاني من الابتذال، هناك اعمال تلجأ إلى البذاءة سواء في الحركة أو في الحوار في محاولة لاستجداء ضحك الجمهور، مثل هذه الأعمال أعتبرها ليست فقط خالية من الرسالة وإنما مدمرة للذوق العام ولمستوى التذوق الفني لدى الجمهور وتساهم في تخريبه. كما أنه ليس من الضروري أن يكون في العمل رسائل تعلمية وتوجيهية، هذا مرتبط بالجمهور المتلقي الذي نقدم له العمل، وبالخطة التي نضعها للعمل عند اتخاذ القرار بإنجازه، ونحن تضمنت أعمالنا كل هذه الرسائل ربما لأننا وجدنا في هذا الوسط وهذا المجتمع، ولو كنا في مجتمع آخر لكانت رسائلنا مختلفة.
ل. و.: ما هو الدور الذي يمكن للكوميديا أن تلعبه في الظروف الحالية العصيبة؟ هل يمكن أن تتخيل أن تخرج (تكتب) أعمالاً كوميدية الآن أم أن هناك عقبات في طريق ذلك؟
م. ح.: العقبة الأساسية بالنسبة لي ككاتب الآن هو عدم توفر المزاج للكتابة الكوميدية، فالكوميديا تحتاج إلى مزاج، أما تقديم عمل كوميدي فهذا بالطبع ممكن، وفي مثل هذه الأوضاع العصيبة لا أرى ما يمنع من الكتابة، فهناك نوع من الكوميديا يلائم هذه الأوضاع، وهو ما يمكن أن نسميه (السخرية المرة)، وانا الآن أنجز عملاً كنت قد بدأت بكتابته في بداية الأحداث ولم يكن متوقعاً وقتها أنها ستتطور إلى هذه المرحلة الدموية، وقد وجدت أنه يمكن جعل زمن العمل في هذه الفترة وسيتم التطرق للأحداث فيه بالشكل الذي لا يؤثر على الفكرة الرئيسية. أما بالنسبة للدور الذي يمكن أن تلعبه الكوميديا في هذه الفترة بالذات فهو ما لا يمكن التكهن به، فلانقسام الحاد في المجتمع يجعل بعض الناس يصنفون هذا الشخص أو ذاك كعدو لا يقبلونه مهما كانت رسالة العمل، ولأن الفنان والممثل النجم بالدرجة الأولى له تأثير على الناس فإن الأطراف المنخرطة في الصراع تطمح لكي يكون هذا الفنان أو الكاتب أو المخرج أو أياً كان من أوساط المشاهير، أن يكون في صفها، وعندما يكون العكس فإن الجماهير التي في الصف الآخر ترفضه وترفض عمله، على سبيل المثال، هناك من دعى لمقاطعة مسلسل “الخربة” بسبب مواقف عدد من الفنانين مما يجري، ولهذا فإنه يمكن القول أنه من الصعب أن تلعب الكوميديا دوراً فعالاً في هذه المرحلة، ولكن بكل تأكيد فإنها ربما تخفف من معاناة الناس وهذا وحدة يكفي لكي نحاول تقديم الفرح في زمن الحزن.
ل. و.: أحيانا تنطوي الكوميديا الجيدة على مخاطر. شابلن، على سبيل المثال، سعى لاظهار الكوميديا من خلال الأخبار السيئة وهو امر لم يكن سهلا. والى حد ما فان اعمالك الكوميدية أعتمدت علي الأخبار السيئة- أو على الأقل على الناس و مشاكلهم. كيف توصف هذه المشاكل و ما الحكمة من السخرية منها؟
م. ح.: إذا عدنا إلى التاريخ فإننا سنجد أن الكوميديا بدأت عند الإغريق بشكل يشبه مباريات في الشتائم بين شاعرين بذيئين، وبشكل عام فإن الكوميديا لا يمكن أن تعتمد إلاّ على المظاهر السلبية، لا يمكن أن نعثر على جانب مضحك إذا ركب الانسان في المصعد وفتح هذا المصعد على الطابق المطلوب في المبنى، ولكنا سنعثر على الكثير من الجوانب التي تثير الضحك إذا تعطل المصعد وبقي الشخص وحيداً في هذا المصعد، وسيكون الأمر أكثر تشويقاً إذا كان هذا الشخص مصابا بفوبيا الأماكن المغلقة، أو إذا كان في المصعد رجل وامرأة، فالمصعد الذي يعمل بشكل جيد لا يمكن أن يولد في خيالنا صورا كثيرة ويمكن القول أنه ربما لا يولد اي صورة، أما المصعد المتعطل ( أمر سلبي أو خبر سيئ) فإنه يحرض الخيال، إذا كان كل شيء يسير على ما يرام فإنه لا شيء يضحك الناس، الضحك يتولد فقط عندما يحدث خلل ما، عندما ينتهي الطبيب من العملية الجراحية ويقول :“نجحت العملية” فليس هناك ما يضحك، أما إذا سألت الممرضة : “أين المقص؟” فنظر الطبيب إلى بطن المريض فإن ذلك ربما يؤدي إلى الضحك رغم أنه في الواقع أمر مأساوي أن ينسى الطبيب مقصه في بطن المريض، باختصار أنا أظن أنه لا يمكن بناء كوميديا على أخبار جيدة او على ظاهرة إيجابية، الكوميديا لا تأخذ الخبر السيء فقط، الكوميديا تقوم بتضخيم هذا الخبر والمبالغة فيه.
ولكن السخرية من الواقع من أجل نقد ظاهرة سلبية ولفت النظر إليها يختلف كلياً عن السخرية من الأشخاص الذين يعيشون هذا الواقع، أو السخرية من التشوهات الجسدية إن السخرية من واقع الفقير أمر مشروع أما السخرية من الفقير فهو أمر غير مشروع بنظري، في ضيعة ضايعة أو في الخربة أو في غيرها من الأعمال لم نكن نسخر من الأبطال وإنما من الواقع المحيط بهم، لم يكن يضحكنا شكل أسعد بالدرجة الأولى، بل تصرفاته، ولم نضحك منه بل مما يحدث معه، وأنا أعتقد مثلا أن استخدام العاهات الجسدية كمادة للكوميديا أمر يجب أن يصنف كجريمة أخلاقية، أنا يصادفني أحياناً عبارات مثيرة للضحك يمكن أن استخدمها في الحوار، ولكنني أتراجع عنها لأنني ارى أنها يمكن أن تسبب الأذى النفسي أو الإهانة لفئة من الناس، وبالتحديد الناس الضعفاء، أعتقد اننا يجب أن نكون حذرين إلى أبعد درجة هنا، يجب أن نعلم جيداً مم نسخر ونضحك.
ل. و.: كان هناك ازدهار لاعمال الكوميديا التهريجية خلال الفترة من 1990- 2000 مثل أفلام:
ARIZONA, BEETLEJUICE, THE FISHER KING GROUNDHOG DAY, THE MASK فهل شاهدت هذه الأعمال؟ و هل كان أي منها أو أي من أعمال هوليوود مهماً لأعمالك الفنية؟
م. ح.: مع الأسف، بسبب عدم معرفتي للغة الانكليزية فإنني لم اشاهد الكثير من هذه الأعمال، ومن هذه الأعمال فقد شاهدت بشكل جزئي (THE MASK) وفقط لأنه مترجم إلى الروسية، وشاهدت أعمالاً مترجمة إلى الروسية أو العربية مثل “أكاديمية الشرطة” ولكنني شاهدت الكثير من الأعمال السينمائية الأمريكية عندما كنت مراهقاً وكانت تنتشر وقتها في بلادنا موجة الأفلام الأمريكية (الكاوبوي) وكان بينها عدد لا بأس به من الأفلام الكوميدية التي لا استطيع تذكر تفاصيلها الآن ولكنني اذكر فلماً بعنوان “الرجل الذي لا يقهر” ولا ادري إن كانت التسمية قد ترجمت إلى العربية بشكل دقيق، أما عن أهميتها بالنسبة لي فأكرر نفس الاجابة السابقة، وهي أن أي عمل يشاهده الانسان يشكل له درساً عملياً فإن كان العمل ناجحاً يشكل قدوة، وإن كان فاشلاً نتعلم من أخطائه. ولكن رغم ان ذاكرتي الآن لا تساعدني في تسمية الأفلام أو ابطالها إلا أنني بشكل عام معجب بالحرفية العالية في مدرسة السيناريو الأمريكية، وهي تختلف كثيرا عن الطريقة التي نعمل بها، فعندنا لا يوجد كاتب سيناريو بالمعنى الدقيق للكلمة.
ل. و.: هل يمكن للخبرات التلفزيونية أن تكون ملهمة لأعمال للكوميديا؟ الممثل آدم ساندلر أعتبر أن تجربته في برنامج (SATURDAY NIGHT LIVE) بمثابة معسكر تدريبي لأعماله السينمائية. فهل شاهدت أو سمعت عن هذا البرنامج؟ هل هناك مثيل لما يعرف بالـ (stand-up comedy) أو سكيتشات قصيرة باللغة العربية؟ أو هل هناك أعمال ألهمتك في “أمل ما في” أو الفصول الأولى من “بقعة ضوء”؟
م. ح.: أنا أعتبر أن كل تجربة يخوضها الإنسان ستشكل له بالتأكيد مصدر إلهام، أنا عملت في الكثير من المهن، من أدنى مهنة في التصنيف الاجتماعي مثل (التنظيفات) مروراً بالمهن الشاقة (مثل الحدادة والبناء ومقالع الحجارة البازلتية) مروراً بالأفران في صناعة الخبز، عملت مترجماً ومصوراً فوتوغرافياً ورسام كاريكاتير ومدرساً في الجامعة وصحفياً وفي الكثير من المهن الأخرى لفترات مختلفة، ولا أترفع الآن عن العمل في اي مهنة، وفي الكثير من هذه المهن عملت ليس من اجل الحصول على دخل عال، فقد كان الدخل في معظمها منخفضا، عملت فيها فقط لخوض التجربة، كما أنني خضت تجارب أخرى كان الهدف منها مراقبة الناس والتعرف عليهم وفي سبيل ذلك مثلا عشت شهرا كاملا في محطة القطار راقبت خلالها سلوك مجموعة من الغجر، وعشت اياماً في المطار لمراقبة سلوك المسافرين والقادمين، كما جربت الوقوف أمام الكاميرا كممثل، حيث مثلت عدداً من الأدوار الصغيرة، وجربت التمثيل في المسرح الجامعي، أنا أعتقد أن هذه التجارب والأعمال التي خضت فيها شكلت وتشكل مصدر إلهام كبير لي، الكثير من الشخصيات التي أكتب عنها أعرفها، اعرف كيف تفكر وكيف تتصرف وما هي مشاكلها في الحياة، ومن هنا فإنني اقول أن اي تجربة تشكل مصدر إلهام، وأظن أن الأمر بالنسبة للمثل لا يختلف كثيرا، ولكن التجارب التلفزيونية مثل الدوبلاج وتقديم البرامج كما أظن تقدم للممثل تحديداً خبرة مهمة.
بالنسبة لي أعتقد أن التجارب الحياتية هي التي تقدم لي الإلهام في أي عمل أكتبه، أما إذا كان عمل تلفزيوني ما قد الهمني فلا اعتقد ذلك، وكما قلت سابقاً كل ما أشاهده يساهم في بنائي، ولكن لا يمكنني الحديث عن عمل بالتحديد، بالنسبة للعمل الذي تحدثت عنه “مساء السبت على الهواء” لم أشاهده سابقاً ولكنني اطلعت على بعض الحلقات في اليوتوب بعد أن سألتني عنه، لا شك أنه يساهم في تطوير الممثل بشكل كبير كونه في كل مرة يقدم شخصية مختلفة، ولكن بالنسبة للكاتب أعتقد أن التجربة الحياتية تقدم له أكثر، أنا ككاتب أو حتى كمخرج عندما اشاهد عملاً تلفزيونياً فإنني اخسر فكرة ما، كان يمكن أن أكتبها ولكن أحداً ما سبقني إليها، مما يحرضني على البحث عن شكل آخر وفكرة غيرها لكي لا أقع في فخ التقليد، بشكل ما يمكن القول أنها تساعدني. وبصفتي كاتب فإني تأثرت بشكل أكبر بالكتاب من مثل الكلاسيكيين الروس (تشيخوف وغوغول) وقرأت كثيرا للكاتب الأمريكي أو هنري الذي ترجمت له عشر قصص إلى العربية، وهو كاتب قدمت الكثير من قصصه تلفزيونياً، وأنا شخصيا حولت ثلاث من قصص أو هنري إلى التلفزيون:
1- “أقرباء الروح” وقدمتها بعنوان “رفاق الداء”
2- “تربيع الدائرة” وقدمتها بعنوان “الثأر”
3- “تراجيديا في حي هارلم” وهي غير موجودة على اليوتوب.
ل. و.: هناك أيضا أعمال ساخرة تعود للفترة من 1910-1960. البعض رأى أن هناك تشابهاً بين جودة وأسعد على سبيل المثال و لوريل وهاردي. ما مدى أهمية كلاسيكيات هوليوود هذه للبناء الدرامي لثنائي “ضيعة ضايعة”؟ ولتوجهاتك؟ وما أهمية شخصيات مثل Buster Keaton, Chaplin و Arbuckle؟
م. ح.: كل الشخصيات والأعمال التي ذكرتها أعمال مهمة بالنسبة لنا تربينا عليها كأطفال نحن وبقية أبناء الكرة الارضية، وهي اعمال مهمة وملهمة، وأنا أرى في الكثير منها افكاراً يمكن اعتبارها افكاراً عصرية صالحة حتى لزمننا، ولها تأثير كبير على كل من يعمل في هذه المهنة، ولكن مع ذلك فهي ليس لها تأثير مباشر على “ضيعة ضايعة” أو “الخربة”، تأثيرها يكمن في أنها اثرت في ثقافتي أنا كشخص كتب “ضايعة ضايعة” وفي الليث حجو كشخص أخرج العمل، أما بشكل مباشر فأنا عندما كتبت العمل فإنني لم افكر في هذه الشخصيات ولم اكن أطمح إلى محاكاتها، عندما أكتب أتحرر من كل شيء لكي لا أحاصر خيالي، أما الذين يرون شبها مع لوريل وهاردي فإنهم ينطلقون من أن العمل هو بطولة ثنائية (أسعد وجودي) وهنا ربما يكون هناك بعض الشبه بين تركيب الشخصيات في كلا العملين، ولكن “ضيعة ضايعة” ليس بطولة ثنائية، فهناك شخصيات أخرى ثابتة ومتكررة وهي تمثل كاراكترات ليست أقل أهمة من أسعد وجودي، كل شخصيات “ضيعة ضايعة” و”الخربة” هم ابطال اصليون في العمل، وفي الجزء الثاني مثلا تحتل بعض الشخصيات مساحة أكبر في بعض الحلقات من اسعد وجودي، ويكون الحدث مبنياً عليها، اي أنهم ابطال العمل أكثر من أسعد وجودي، وفي الخربة كان لكل شخصية بطولة حلقة أو أكثر، ولكن البعض تعامل معها على أنها ثنائي بين دريد لحام ورشيد عساف.
ل. و.: هل يملك المخرج الليث حجو نفس احساسك بالكوميديا؟ و كيف تصف الأختلاف بينكما؟
م. ح.: النص الكوميدي بحاجة لقارئ يستطيع فهمه، والمخرج هو أهم قراء النص الكوميدي، فإذا كان المخرج لا يتمتع بحس كوميدي فإن ذلك مأساة للعمل الكوميدي، أنا سبق لي أن تعاملت مع عدد من المخرجين قبل أن أعمل مع اللليث حجو، كانت درجات فهمهم للنص مختلفة، اثنان منهم كان لهم دور تدميري بالنسبة للنص، لسببين الأول أنهما لم يفهما الكوميديا واظن أنه ليس لديهما حس كوميدي على الإطلاق، والثاني أنهما لا يتمتعان بمستوى ثقافي يخولهما بالعمل في الإخراج من وجهة نظري، فهما كانا عاجزين عن فهم بعض الأشياء البديهية، وبعد تلك التجارب المأساوية اصبح لدي شرط للعمل ان يكون المخرج الذي اثق به، اي الليث حجو، لا أدري إن كان الليث يملك نفس الإحساس أم لا، ولكنه كان دائما قادر على فهم النص وترجمته إلى الشاشة بشكل صحيح أو على الأقل بالشكل الذي كنت أتصوره، كما أنه وهذا هو الأهم يستطيع قراءة ما بين السطور، ففي العمل الكوميدي هناك الكثير من الأفكار المطروحة التي لا يتم الحديث عنها بشكل مباشر في النص، وإنما نستطيع ان نفهم أنها المقصودة، الليث حجو كان دائماً عنده القدرة على اكتشاف هذه الأشياء المخباة بين السطور، وهذا يعني ان بيننا لغة مشتركة تشير إلى وجه للشبه.
بشكل عام في الأعمال التي جمعتني بالليث حجو هناك دائماً صراع غير تناحري يدور بيني وبينه أثناء العمل، وهذا في الحقيقة يلعب دوراً تحريضياً، قبل ذلك عملت مع مخرجين كان يفهمون النص ويقرأون ما بين السطور ولكن لم يكن لديهم دور تحريضي في العمل، أنا شخصيا افضل النقاش حتى وإن لم يعجبني رأي الطرف الآخر، الذي حتى ربما أنزعج منه ولكن ذلك يكون مفعوله مؤقتاً وقصيراً، ولكنه يساعد في نهاية المطاف على انتاج عمل بالمواصفات الأفضل.
ل. و.: يرى بعض الدارسين أن جوهر الكوميديا التهريجية هو الاعتداء البدني على كرامة البطل. ليست كل مسلسلاتك التلفزيونية كوميديا تهريجية وحتى “ضيعة ضايعة” أقل اهتماما بالبدن من معظم المسلسلات الساخرة ومع ذلك فان مسألة الكرامة- فقدانها واستعادتها – أمر مهم للكوميديا التي تقدمها. البعض يرى أن جاذبية السخرية تنبع من قدرتها على جعلنا نضحك عند فقداننا لكرامتنا – وهو الأمر الذي يجعلنا نتحمل فقدانا المتكرر لها، فنحن نفقد كرامتنا كل يوم من خلال أمور صغيرة. سؤالي هنا: إلى أي مدى يضحك الجمهور مع جودة و أسعد و إلى أي مدى يضحك عليهما؟ هل هذا الأمر الثاني يمثل مشكلة بالنسبة لك؟
م. ح.: الكوميديا كما ذكرت في مكان سابق تعتمد على تصوير الأشياء السلبية التي من بينها فقدان الكرامة أو الاعتداء البدني، وإذا أخذنا نماذج من حلقات “ضيعة ضايعة” على سبيل المثال نرى أنه في حلقات كثيرة يفقد الأبطال كرامتهم أما بالنسبة للاعتداء البدني فأظن أننا لم نتقصد ذلك في اي مكان من العمل أو في غيرها من الأعمال، أما بالنسبة لجودي واسعد فقد كان الجمهور يضحك معهما على ما أظن أو هكذا أردنا على الأقل، فنحن لم نتقصد فيما قدمناه السخرية من اسعد وجودي وإنما مما يحدث معهما، وأعتقد اننا نجحنا في ذلك لأن شخصيات العمل حازت على محبة الجمهور لدرجة وصلت بالبعض إلى المطالبة بمحاكمتنا أنا والليث بتهمة الخيانة العظمى لأننا قمنا بالاعتداء على شخصيات وطنية من خلال النهاية المأساوية التي اخترناها لـ”ضيعة ضايعة”، لقد بكى الكثيرون على نهاية هذه الشخصيات كما لو انها حدثت على أرض الواقع وهذا يدل على أن الناس كانت تضحك معهما وليس منهما.
ل. و.: زميلتي لورين بيرلنت تعتقد أن التراجيديا تسجل انكسار أو تحلل نظام كان يعمل بكفاءة وأن الكوميديا هي الإقرار المرح بأن النظام لم يعمل أبداً بكفاءة. هنا أود أن أضيف أن الأحتمالات السياسية الموجودة في هذا الإقرار – ” لو الافتراضية، البدائل الطامحة” – هي ما يدعونا لأن نقدر امكانيات الكوميديا وقدراتها علي بناء العالم. هذا لا يعني الوقوع في أسر سكتشات الكوميديا المسموح بها ولا يعني أيضاً نفي قدرتها على أن تصبح أداة للتنفيس بحيث تمكن المواطن والموظف الرسمي من تحمل كأّبة الأوضاع الموجودة. ولكنها تؤكد قدرة الكوميديا على تصوير ما نعلمه بالفعل ومن ثم تدعونا لكي ننفصل عن جوانب الحياة العادية التي أصبحت لا تساعدنا على الاقبال على الحياة. فأنا أدعي أن الكوميديا تكشف لنا عن بعض الامور التي تعوق الازدهار البشري ولها خواص ابداعية تجعلنا نقبل على الحياة رغم مشاكلها– فهي تبعث الأمل النابع من شعور مشترك بما هو خطأ وتؤكد على التوجه المفتوح نحو تحسين الاوضاع. في هذا الاطار يمكن رؤية الجوانب المبالغ فيها في “ضيعة ضايعة “باعتبارها مواجهات مع النفس للحقائق العادية وطريقة للفت النظر لمدى تعودنا عليها. هل توافق على هذه الرؤية؟ و لماذا توافق عليها أو تختلف معها؟
م. ح.: أنا كباحث في مجال السخرية قبل أن اكون كاتب سيناريو، وأثناء عملي على كتابي “فن الكاريكاتير من جدران الكهوف إلى أعمدة الصحافة” وكتابي “الكاريكاتير في الصحافة الدورية” قمت بدراسة هذا الموضوع بشكل مفصل، أعتقد أن تصنيف السيدة لورين بيرلنت ربما يكون صحيحاً بشكل نسبي، ينطبق على حالات كثيرة ولكنه لا ينطبق على جميع الحالات وخاصة فيما يتعلق بالكوميديا حيث أننا نرى أنواع تختلف وظائفها، ففي بعض أنواع الكوميديا يتم الاقتصار على الإشارة للظاهرة السلبية من أجل إصلاحها، وفي أماكن أخرى تكون وظيفة السخرية تدمير النظام القائم، مروراً بوظائف متدرجة بين الأولى والأخيرة. إضافة إلى ذلك نرى أنه في الكثير من الأحيان تكون السخرية مأجورة وموظفة لأغراض دعائية وتحريضية، وهي سلاح يمكن أن يستخدمه الجميع بما في ذلك (النظام الذي لا يعمل بكفاءة) ضد الإصلاح مثلاً، ولنأخذ على سبيل المثال في الكثير من الدول (المحافظة) يتم السخرية ( في الدراما التلفزيونية الساخرة والكاريكاتير وغيره) من المطالب التي تنادي بحرية المرأة، أو يتم السخرية من ظاهرة مثل الدفاع عن حقوق الحيوان، في هذا المثال نرى نموذجاً ساطعاً على إمكانية استخدام الكوميديا من قبل النظام الذي لا يعمل بكفاءة ضد التغيير والتطور.
يمكن للعمل أن يلعب دوراً تنفيسياً كما ذكرت ويمكن أن يلعب دوراً تحريضياً، أنا أعتقد أن السلطة في أي بلد وخاصة دول العالم الثالث التي تعاني من النماذج الاستبدادية للسلطة تريد دائماً أن يكون للكوميديا دور تنفيسي، والكثير من النقاد (في نفس الدول) يتهمون معظم الأعمال الكوميدية بأنها تلعب دور تنفيسي وفي كثير من الأحيان يتحدثون عن ذلك كتهمة للعمل الكوميدي وأعتقد أن ذلك يعود إلى ضحالتهم فكريا، أولا لأن ذلك ليس تهمة وثانيا لأنه لكي نعتبر العمل تنفيسياً أو تحريضاً يجب أن تكون هناك أسس، أنا أعتقد أن الأعمال الكوميدية ذات النهايات السعيدة يتغلب فيها التنفيس على التحريض، ولكن الأعمال ذات النهايات المفتوحة التي تترك للمشاهد أن يختار النهاية وتجعله يفكر يكون لها دور تحريضي، لنأخذ مثلاً على ذلك لوحة من بقعة ضوء اسمها “صحوة” لا يمكن أن نعتبر أن لها دوراً تنفيسياً، لأنه بعد مشاهدتها لا يمكن للمشاهد ألا يشعر بالحقد على “رجل الأمن الجلاد”، وفي لوحة أخرى بعنوان “جدول الجمع” نرى أن الحاكم المستبد يمكن أن يقدم أي شيء لشعبه إلا الحرية، وهذا ما حدث عملياً في فترة أعقبت كتابة هذه اللوحة بأكثر من خمس سنوات، فيما أقدمه أسعى بقدر ما استطيع ألا اترك المشاهد مرتاحاً، لا اريد له أن يتآلف مع مصيبته أريده أن يراها ويفكر بالتخلص منها، فيما أكتبه كنت اسعى دائماً للتحريض، للتعاطف مع المظلوم وإثارة الاشمئزاز من الظلم والظالم، في بعض الأماكن نجحت في بعضها لم أنجح وفي أمكنة أخرى تدخل المخرجون فأفرغوا النص من شحنته التحريضية وجعلوا منه تنفيسيا، في النهاية اقول أن كل ما يمكن أن نقدمه من توصيفات هو نسبي، قد يصح هنا ولا يصح في مكان آخر.
ل. و.: لماذا اخترت العيش خارج سوريا؟ و هل سمح لك هذا بايجاد مساحة نقدية أكبر؟
م. ح.: أنا لم اختر العيش خارج سوريا بشكل طوعي، لقد كنت أدرس في كلية الصحافة في جامعة بيلاروس، وبعد عشر سنوات دراسة عدت إلى سوريا وكل مخططاتي كانت مرتبة على الاستقرار هناك، ولكنني مع الأسف لم أتمكن من العثور على فرصة عمل، فعشت ما يقارب السنتين عملت خلالهما كمراسل صحفي جوال غير متفرغ، وكنت أحصل على أجر لم يكف حتى للمعيشة اليومية أو استئجار منزل، ووجدت نفسي مثل اي مشرد حقيقي عندما يشعر بالنعاس ليلاً ليس أمامه كسرير غير مقاعد الحديقة، مما جعلني بعد عامين مما يمكن أن نسميه حياة تشرد دون بيت ودون مصدر دخل ثابت أجد نفسي مضطرًا للرحيل والعيش في بيلاروس التي كانت ظروفي فيها أفضل بكثير من ظروفي في سوريا، ثم قررت الاستقرار في هذا البلد بشكل نهائي.
الإقامة هنا بطبيعة الحال منحتني مساحة من الاطمئنان، والشعور بالأمان جعلني حراً اكثر فيما اريد قوله، ولكن أظن أن الأمر لم يكن ليتغير لو كنت مقيماً في سوريا، فالكثير من لوحات “بقعة ضوء” كتبتها وعرضت وأنا موجود هناك، كما أنني نشرت الكثير من القصص التي كانت جرعة السخرية والنقد فيها أعلى بكثير مما كنت أطرحه في “بقعة ضوء” أو في الأعمال الأخرى، وكان ذلك عندما كنت أعيش في سوريا.
ل. و.: هل يمكن أن تتنبأ بمستقبل الدراما في سوريا؟ أو حتى تستشرفه؟
م. ح.: بسبب الازدهار الذي كانت تتمتع به الدراما السورية قبل الأحداث، والتي صنعت مكانة مهمة لدى الجمهور السوري فقد كان كلا الطرفين، المعارضة والسلطة، يعولان على وقوف صناع هذه الدراما وخاصة الممثلين إلى جانبهم وإعلان ذلك بشكل واضح، ولهذا فإن صناع الدراما يتمتعون بقدر كبير من الحقد عليهم بناء على موقفهم، ويتعرضون لحرب تخلو من الرحمة فمن هم مع المعارضة يعانون الأمرين من السلطة، ومن هم من انصار السلطة لا يقل مصيرهم سوادا إن وقعوا في يد المعارضة، ولهذا فإن المرحلة المقبلة ستشهد تصفية حسابات يكون ضحيتها أنصار الطرف الخاسر، ولهذا السبب سنشهد خروج شخصيات لها وزنها في الدراما من الساحة، وسنشهد صعود أسماء لا تتمتع بالكفاءة، فقط لأن موقفها كان مع الطرف المنتصر، ويمكن القول أن تصفية الحسابات قد بدأت ففي البداية تم منع الفنانين المتعاطفين مع الاحتجاجات في بداياتها من العمل، وتمت مهاجمتهم في الإعلام بدون رحمة لدرجة وصلت إلى حد تشويه السمعة والتخوين بطبيعة الحال، وها نحن نرى مهرجان دبي السينمائي يرفض الأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما في سوريا وهي مؤسسة رسمية، والسبب أن مخرجي هذه الأعمال وقعوا على بيان لم يرض المعارضة التي يتعاطف معها مهرجان دبي، سنرى اعمالا فنية تافهة تمجد انتصارات الطرف الرابح، وستعيش الدراما فترة ارتباك قد تنتهي عندما يستقر الوضع، إذا انتقلنا إلى سلطة مدنية بطبيعة الحال، ولكن إذا استلمت السلطة قوى دينية على سبيل المثال فهذه القوى عندما تستلم السلطة لا يكون لديها أدنى نية في التخلي عنها، لا عبر صناديق الانتخاب ولا غيرها، وستحاول تكريس فهمها للحياة وللسياسة وستبدأ بقطع الطريق تدريجياً على حرية التعبير. كحد أدنى يمكن القول إن الدراما ستمر بمرحلة ارتباك في المرحلة القادمة.
ل. و.: هل لديك مشاريع مستقبلية أخرى – كوميدية أو غير كوميدية؟ و بم تنشغل اذا لم تكن تكتب السيناريوهات؟ و كيف بدأت طريق الكتابة وامتهنتها؟
م. ح.: في الفترة المقبلة يوجد عمل بيني وبين الليث حجو أقوم بكتابته الآن وهو يتحدث عن نموذج من ضحايا الحرب الدائرة حالياً، وهناك عمل مع مخرج تونسي ربما سأبدأ بكتابته بعد بداية العام القادم إذا تم الاتفاق مع الجهات المنتجة، ويدور الحديث فيه عن نتائج الثورات التي حصلت. كما لدي مشاريع سينمائية أخرى، كل شي مرتبط بقضية التمويل، ففي جيمعها يقوم المخرجون بالتفاوض مع جهات الانتاج، ولكن خارج الدراما أنا أمارس الكتابة القصصية، ومعظم اللوحات التي قدمتها في “بقعة ضوء” أو “ضيعة ضايعة” أو الأعمال الأخرى كنت قد كتبتها على شكل قصص قبل ذلك ونشرت منها في الصحافة قصص كثيرة، كما أنني أدير موقعاً في الانترنيت لا زال في بداياته هو مشروع مجلة الكترونية.
بالنسبة لكتابة القصة فأنا أكتب القصة والشعر منذ مرحلة المراهقة، وقد نشرت مجموعة من هذه القصص ، ولي قصتان منشورتا في كتابين هما “المحطة الأخيرة” التي سيتم تحويلها إلى فلم سينمائي، و “جلنار” التي حولتها إلى مسلسل تلفزيوني، كما لدي مسرحية للأطفال “صانع الفراء” منشورة في كتاب، ولدي مجموعات قصصية سأقوم بنشرها قريبا بالعربية والروسية وأقوم الآن بالبحث عن ناشر يقوم بذلك.هذا بالنسبة لكتابة القصة، لدي هواية كذلك برسم الكاريكاتير وقد عملت كرسام كاريكاتير في عدة مجلات لمدة تزيد على خمس سنوات، ويمكن الاطلاع على بعض من رسومي على هذا الرابط. كما أنني أمارس الرسم احيانا كهواية، ويمكن الاطلاع على بعض رسومي على الرابط هنا. وكذلك على الرسوم المنفذة بالقهوة.
بالنسبة للرسم فهو مجرد هواية وينقصني الاحتراف، أما فيما يخص الكتابة للدراما فقد بدا عن طريق الصدفة، فقد كنت قد كتبت ثلاثة افلام سينما لم تر النور وهي التي ذكرتها سابقاً وكان بطل أحد هذه الأفلام الممثل السوري خالد تاجا الذي ربطتني به علاقة صداقة فيما بعد، وهو عرفني على الممثل ايمن زيدان الذي كان يعمل مديراً لشركة اسمها الشام الدولية وكان يبحث عن كاتب سيناريو ليكتب له عملاً كوميدياً، وهكذا كتبت أول عمل تلفزيوني كان اسمه “عائلة ست نجوم” ثم تتالت الأعمال.
ل. و.: هل تفكر في نوعية معينة من الجمهور حين تكتب؟ و ماذا يمكن أن تقول عن الجمهور الذي يشاهد أعمالك – كما تتخيله- من حيث الجنسية والطبقة و العمر والعنصر والنوع ونسبة التحضر؟
م. ح.: التلفزيون ضيف على كل فئات الجمهور، النساء والرجال، الكبار والصغار، العرب والأكراد والأرمن، المسلمون والمسيحيون وغيرهم، وحين أكتب لا يمكنني ان استثني أياً منهم، في الأعمال الكوميدية الجميع لديهم الرغبة بالمشاهدة، ويمكن القول أن العمل الكوميدي بشكل عام موجه للكبار، ولكن الكل يعرف تماما أن الأطفال يتابعونه بنفس القوة، ولذلك فعندما أكتب آخذ بعين الاعتبار أن الجميع سيشاهدون، لأنني لا أملك الخيار في انتقاء جمهور العمل، ولذلك اجد نفسي مضطرا لمخاطبة عقل المثقف عبر رسائل داخلية يفهمها هو ولا يفهمها الشخص العادي الذي يتضمن العمل نواحي تخاطبه هو، وفي نفس الوقت فإنني دائما أتوقع ردود الأفعال السلبية من فئة من الجمهور، في مسلسل “الخربة” مثلاً الذي أحبته الغالبية الساحقة من سكان المنطقة التي يعبر عن بيئتهم، اعتبره البعض هناك إنه يشكل إساءة لهم ولتقاليدهم، وتم توجيه الكثير من الشتائم لي على الانترنيت، وتلقيت عدداً من الرسائل التي حاول مرسلوها الإساءة لي، ولكن هذه الفئة من الجمهور عادة ما لا آخذها بعين الاعتبار، لأنني أعتبر أن النقد يجب دائماً أن يزعج أحداً، وهؤلاء شعروا بالإهانة لأن العمل تحدث عن جوانب من شخصياتهم، وبالتالي فإن انزعاجهم يعني أن الرسالة وصلت. أما في الأعمال التي قدمناها للأطفال فقد كنا ندرس الجمهور المتلقي بدقة متناهية، وكان يرافقنا أثناء كتابة هذه الأعمال مختصون في كافة المجالات.
ل. و.: هل تغير هذا الجمهور المتخيل عبر الزمن؟
م. ح.: بطبيعة الحال، فقد تم التعامل معي في بداية الأمر كما يتم التعامل مع الغريب الدخيل، قوبلت بنوع من الازدراء من الوسط المثقف لم يكن لديهم الاستعداد للاعتراف بي، قليلون هم الذين تقبلوا أعمالي الأولى واقصد من المثقفين، وتم توجيه النقد لها، ولكنها بشكل عام نجحت على المستوى الجماهيري، طبعاً لذلك أسباب أتفهمها أهمها انني ظهرت فجأة ليس لي في ذاكرتهم تاريخ ولا رصيد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد ساهم الأداء الذي قدمه بعض الممثلين، والظروف التي أحاطت الأعمال الأولى بشكل لا باس به في هذا النفور، فقد احتوى الأداء على بعض الابتذال من قبل عدد من أبطال بعض الأعمال، كما أن الأعمال الثلاثة الأولى كانت تعتمد على شهرة عمل سابق ليس من تأليفي الأمر الذي اعتبره البعض غير أخلاقي، وأنا ايضا بعد تقييم تجربتي أعتقد أنه كان دخولاً خاطئاً إلى هذا المجال من قبلي، وهي تجربة رفضت تكريرها لاحقا.
بعد هذه الأعمال الثلاثة (عائلة ست نجوم وسبع نجوم وثمان نجوم) بدا الموقف يتغير، ففي مسلسل “بطل من هذا الزمان” الذي لاقى شعبية كبيرة وكان نقطة انعطاف بالنسبة للكثير من الممثلين، اتسعت دائرة الجمهور فشملت جزءاً من المثقفين، او من يحسبون أنفسهم كذلك، واستمر توسع الدائرة ببطء مع كل عمل إلى الأمام، إلى ان تحققت أكبر قفزة في “بقعة ضوء” (الجزء الرابع) حيث احدثت اللوحات التي قدمتها في ذلك العمل ضجة ويمكن القول أنني حصلت على الاعتراف، ومع “ضيعة ضايعة” بلغ هذا الاعتراف ذروته.
ل. و.: كيف ترى تأثير الأزمة الحالية على نوعية جمهورك؟ أوعلى استقباله لأعمالك؟
م. ح.: للأزمة تأثير كبير فبالإضافة إلى تأثير مواقف الفنانين على تفاعل الجمهور مع العمل، فقط انخفض الانتاج واصبح صعباً بسبب عدم توفر الأمن، وعدم حرية التنقل وصعوبة الأمر من الناحية التقنية، هناك كتاب وفنانون في السجن، كتاب ومخرجون وفنانون غادروا البلد، وبشكل عام ارتباك كبير في هذا المجال.
من ناحية أخرى نشهد ظهور وسط ضيق حتى الآن من الجمهور يقع تحت تأثير معتقدات متشددة تنظر إلى الفن على أنه إثم ورجس من عمل الشيطان، وهذه فئة لم تكن موجودة في سوريا. ولا ننسى هنا أن الكثير من المحطات تقاطع الأعمال ذات الانتاج السوري مما يسهم في الحد من الانتشار وبالتالي تقليص المردود المادي وتأثير ذلك على الانتاج. وبسبب كل ما ذكرناه يتم ازدهار ذات الديكور الواحد أو المواقع القليلة. وربما هناك نواح أخرى لم ألحظها.
موقع جدلية