الطائفية والثورة السورية … إيران أم الشيعة؟
زين الشامي
تعتبر بلدة «الفوعة» اكبر تجمع شيعي في محافظة ادلب شمال سوريا حيث يسكنها ما بين عشرين الى خمسة وعشرين الف نسمة، بجوارها تقع بلدة «كفريا» وهي تضم خليطا من الشيعة والسنة ، كذلك يوجد في شمال ادلب نحو ثلاث عشرة قرية وبلدة يدين اهلها جميعا بمذهب «الموحدين» الدروز. وإضافة الى الشيعة والدروز تعيش في المحافظة أقلية مسيحية منذ آلاف السنين غالبيتهم في مدينة ادلب نفسها وبعضهم ينتشر في قرى في منطقة جسر الشغور مثل «الغسانية» تلك البلدة التي تقع على سفح جبل اخضر وتحيط بها الأشجار من كل اتجاه. ما زلت اذكر ان اجمل غروب شمس رأيته كان منذ خمسة عشر عاما حين كنت في طريقي من ادلب الى اللاذقية ومرت بنا السيارة قرب «الغسانية» وقت المساء، كانت الشمس قرصا احمر تعلو قليلا واجهة كنيسة البلدة وكانت ثمة خيوط ضوء تتسلل من بين تلك الأشجار والمباني الحجرية.
ورغم ان غالبية سكان بلدتي «الفوعة» و«كفريا» الشيعيتين ما زالت متوجسة من الثورة السورية ومعروف عنها ولاءها للنظام الحالي الا ان ذلك التوجس وذلك الولاء يعود الى سياسة النظام الطائفية والتمييزية حين فتحت المؤسسات الامنية والعسكرية أبوابها امام شبان البلدتين للتطوع والانخراط في صفوفها واشاعت ثقافة فيما بينهم تشعرهم بالانتماء للنظام وليس للمحيط المجتمعي الذي يعيشون معه منذ آلاف السنين. لكن رغم ذلك لم تسجل الى اليوم ولا من قبل اي حادثة او جريمة مروعة ارتكبت بحق ابناء الطائفة الشيعية في البلدتين رغم انهما محاطتان بقرى وتجمعات سكانية سنية. على العكس تماماً من ذلك، كان ابناء مدينة «بنش» الملاصقة للفوعة يدرسون مع إخوانهم الشيعة في مدرسة ثانوية واحدة واستطاعوا تشكيل صداقات مميزة وكانوا يتزاورون في غالبية المناسبات. كذلك يلتقي اهالي البلدتين في اراضيهم الزراعية المتاخمة.
لكن رغم ذلك لا بد من الاعتراف ان مناخا طائفيا حادا وانقساما كبيرا حصل بين ابناء تلك المناطق على خلفية الثورة السورية وما رافقها من اعمال عنف وقمع . فنحو ثلاثين شخصا من اهالي بنش سقطوا على ايدي قوات النظام واعتقل العشرات منهم، كذلك قتل العديد من ابناء بلدة الفوعة ممن هم منخرطون في المؤسسة العسكرية والأمنية السورية على ايدي قوات الجيش الحر. هذه الحوادث زادت من حدة الطائفية والخوف والتوجس من الآخر، ومع الوقت انتشرت حواجز عسكرية على مشارف البلدتين جاهزة للتعامل بالنار مع الطرف الآخر. ومع كل مجزرة او جريمة ترتكب في مكان ما كان منسوب الشعور الطائفي لدى ابناء «بنش» يسجل ارتفاعا ملحوظا حتى أني قرأت تعليقا على مواقع التواصل الاجتماعي لاحد أبنائها يشكك في اسلام اهل الشيعة ويعبر عن كراهية شديدة لهم لدرجة انه اقترح حلا نازيا للتعامل معهم؟؟؟ أيضاً لا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي لابناء بلدة الفوعة من عبارات طائفية مؤسفة ضد اهل السنة.
هذا الواقع وهذه التطورات تنذر بخطر كبير ما لم يتدارك عقلاء المعارضة السورية وناشطو التنسيقيات بالانتباه اليه والتعامل معه، ليس في ادلب فقط لكن في كل المحافظات السورية، حيث يمكننا ملاحظة نمو خطير في التفكير واللغة الطائفية بين اهل السنة والشيعة رغم آلاف السنين من العيش المشترك.
للأسف لقد بات بعض المنخرطين في الثورة السورية لا يميزون بين النظام وما بين الطائفة الشيعية او الطائفة العلوية وما بين الشيعة وحزب الله اللبناني وما بين الشيعة وإيران وما بين شيعي مؤيد لمطالب الشعب السوري المحقة وما بين شيعي مؤيد لبقاء النظام. هذا مؤسف ويجعل الثورة السورية تخسر متعاطفين معها.
في هذا الصدد لا بأس ان يركز ناشطو التنسيقيات وكتاب الثورة والمعارضين على تلك المواقف النبيلة للكثير من مثقفي وكتاب ونخب الطائفة الشيعية في كل مكان، أولئك الذين ناصروا الثورة السورية ووقفوا مع الشعب السوري في كل مراحل انتفاضته منذ التظاهرات الاولى في درعا وسوق الحميدية في دمشق.
لا اريد ان اقول واجدد قولي ان افضل من كتب من الصحافيين عن الثورة السورية وناصرها بقلبه وروحه وعقله هم صحافيون وكتاب شيعة من لبنان على سبيل المثال لا الحصر علي الرز والراحل نصير الاسعد وحازم الامين وعلي الامين ويوسف بزي وعمر حرقوص، من دون ان ننسى العالمين الكبيرين محمد حسن الامين وهاني فحص وبيانهما المؤيد للثورة قلبا وقالبا او مئات المثقفين الذين وقعوا بيان الشيعة العرب. كما لا ننسى ان كتابا ايرانيين مثل عطا الله مهاجراني وزير الثقافة السابق والمثقف اللامع الذي انحاز للحق من اللحظة الاولى.
وفيما لو قلبنا صفحات الرأي في الصحف العربية هنا وهناك سنجد كل يوم مقالات وأعمدة رأي لكتاب وصحافيين شيعة تنتصر للشعب السوري في معركته ضد الاستبداد . على الشعب السوري كله ان يدرك ذلك وبالأخص منهم من باتوا مسعورين طائفيا.
صحيح ان البعض صار يحاكم الشيعة منطلقا من موقف حزب الله اللبناني والنظام الايراني لكن يجب ان نعرف ان حزب الله لا يمثل كل شيعة لبنان ولا نظام احمدي نجاد يمثل كل الشعب الايراني. في هذا الصدد كلنا تابع كيف ان اثنين من كبار المراجع الشيعية في لبنان وهما العلامة السيد هاني فحص والسيد محمد حسن الأمين أصدرا بيانا منذ ايام يعلنان فيه تأييدهما التام للثورة السورية وقضية الشعب السوري ومعركته لنيل حريته. وعلينا ان نعرف ان هذا الموقف يعتبر في قمة الشجاعة والنبل بسبب الضغوطات والمخاوف المترتبة على هذين الرجلين جراء موقفهما هذا من قبل حزب الله ومجموعات تؤيد النظام السوري.
ان الثورة التي لا تعرف ولا تميز بين أصدقائها أعداءها، ينتظرها مستقبل غائم ولا تبشر بالخير كله وربما تقع في اخطاء تاريخية قاتلة.