صفحات العالم

الطائف ام الخريف الروسي؟


    نبيل بومنصف

يثير حديث نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الى “الفيغارو” الفرنسية، ومن باريس تحديدا، عن “طائف سوري” مفارقات قد تكون مذهلة في مقارنات مفترضة بين مآل الحرب اللبنانية والحرب السورية.

واذا كان بوغدانوف يحذر من خطر “صوملة سوريا”، فان مقاربته لطائف سوري قد تسقط ولا تستقيم كخيار واقعي لان الطائف يستلزم “لبننة”، واللبننة بمعناها الحربي لم تكن ثورة على نظام قمعي وديكتاتوري ولو انها اتسعت لكل اهوال الحرب الاهلية والحروب الخارجية على لبنان.

مع ذلك لا يقلل كلام بوغدانوف رمزية المفارقات التي يثيرها بصرف النظر عن الشكوك العميقة في موقف بلاده المنحاز انحيازا اعمى الى النظام السوري. فثمة مفارقة اساسية تتصل اولا بان الكلام عن “طائف” سوري يأتي عقب تولي الاخضر الابرهيمي مهمة الوسيط الجديد في الازمة السورية. والابرهيمي كان من جملة اللاعبين الاساسيين في التحضير لطبخة الطائف اللبناني منذ تولى وضع ورقة “النقاط العشر”، في اواخر الثمانينات، على وقع “حرب التحرير” التي قادها العماد ميشال عون على القوات السورية في لبنان.

وثمة مفارقة ثانية لا تقل اهمية في دلالتها الرمزية والمعنوية وهي ان الكلام الروسي عن الطائف تصاعد عقب لقاء بوغدانوف مع الرئيس سعد الحريري في باريس. فهل تراها موسكو تستعين بموقع الحريري الابن ومكانته بازاء دعمه للثوار السوريين بعدما كان الحريري الاب الرمز الاساسي للطائف اللبناني واضطلع بدور الرافعة الكبيرة في التوصل اليه؟

هاتان المفارقتان تتصلان في واقع الحال بعامل الوساطات والادوار السياسية والديبلوماسية التي تبدو اقرب الى مشاريع تجريبية في ازمة لا يعلو فيها صوت على صوت التدمير وحمامات الدم المرعبة. ولكن في مقارنة مع الحرب اللبنانية، فان مستوى العنف والتدمير الذي بلغه لبنان عشية الطائف لم يكن في مستوى ما تشهده سوريا اليوم علما ان الحرب اللبنانية كانت استهلكت آنذاك 15 عاما، فيما لم تمر على الازمة السورية سوى سنة وستة اشهر.

ولا بأس والحال هذه من اضافة مفارقة ثالثة شكلية هذه المرة، هي ان الطائف اللبناني حصل في خريف عام 1989 ما بين ايلول وتشرين الاول. فهل تراها رياح الخريف الباريسي البارد لفحت ذاكرة بوغدانوف بالتجربة اللبنانية ليسقطها على ازمة البلد شبه اليتيم في الشرق الاوسط الذي لا يزال مرتع نفوذ لموسكو فيما هو يكابد خطر “الصوملة”؟ ام انها علامات خريف الدور الروسي بذاته الذي بدأ يكابد خطر الحسابات الباردة حيال اليأس من تعويم النظام على رغم مواجهة روسيا للعالم باسره سعيا الى انقاذه؟ ومن قال ان طائفا يشكل وصفة مجدية بعد كل هذا التراكم الدموي الكارثي؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى