صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

الطريق الى حلب… مجدداً/ محمد سيد رصاص

 

 

رئيس «الائتلاف الوطني السوري» الشيخ معاذ الخطيب أعلن أمام «المؤتمر الرابع لأصدقاء الشعب السوري» في 12/12/2012 في مراكش، رفضه القرار الأميركي الصادر قبل أيام من ذلك باعتبار «جبهة النصرة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية»، ودعا إلى «إعادة النظر فيه»، وتبعه في ذلك نائب رئيس «الائتلاف» جورج صبرة في حديث لشبكة «سي إن إن» عندما قال إن «الشعب السوري يعتبر جبهة النصرة جزءاً من الثورة» («الحياة» 13/12/2012). كانت الولايات المتحدة عاشت 11 سبتمبر آخر قبل ثلاثة أشهر في بنغازي، عندما قتل إسلاميون مرتبطون بتنظيم القاعدة السفير الأميركي في ليبيا، وقد دفع هذا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى سحب الغطاء الأميركي عن «المجلس الوطني السوري»، الذي كان منذ تأسيسه تحت مظلة أميركية- تركية- قطرية، في خطابها الذي ألقته بزغرب عاصمة كرواتيا في 31 تشرين الأول (أكتوبر)، وهو ما كان السبب المباشر لمحاولة تأسيس الجسم الجديد، أي «الائتلاف»، من أجل أن يكون منزوع السيطرة الإسلامية، وقد استطاع فاروق طيفور أن يساوم على ذلك (وعاونه في ذلك رياض الترك) عندما اشترطا مقابل السماح بولادة الجسم الجديد أن تتضمن وثيقة الدوحة التي أعلن فيها قيام «الائتلاف»، فقرة «عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم».

بالتأكيد، كان ما جرى في مراكش صدمة للأميركيين عندما اكتشفوا مدى استمرار سيطرة الإسلاميين على «الائتلاف»، وهو ما دفع لاحقاً المسؤول عن الملف السوري في الإدارة الأميركية روبرت فورد والعاصمة السعودية، الى الإصرار على توسعة أيار (مايو) 2013، عندما تمت إضافة عناصر من غير الإسلاميين إلى «الائتلاف». على الأرجح كان الاستنتاج الأميركي أعمق من ذلك، عندما أصرت قيادة «الائتلاف» على ربط نفسها بتنظيم مرتبط عضوياً بـ «القاعدة» واعتباره «جزءاً من الثورة». وليس بعيداً من هذا، تسليم واشنطن الملف السوري إلى موسكو منذ اتفاق 7 أيار 2013 ونزع الأتراك منه، بكل ما يعني هذا للإسلاميين، وما يعنيه كذلك لسورية، عندما تتسلم موسكو -الحليفة الرئيسية للنظام- الملف، وهو ما كان رسالة في طيّ كلام باراك أوباما في 18 آب (أغسطس) 2011 «بضرورة رحيل الرئيس السوري»، الذي ترافق مع التولية الأميركية للأتراك ومع تحالف واشنطن مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي ترجم لاحقاً من خلال راشد الغنوشي ومحمد بديع في تونس والقاهرة.

عملياً: قادت العسكرة عند المعارضة السورية بدءاً من خريف 2011 إلى الأسلمة (أي سيطرة الإسلاميين) وقادت الأسلمة إلى سيطرة الرايات السود في «النصرة» ثم «داعش» على العمل العسكري المعارض.

كان هذا الطريقَ الأول نحو حلب كانون الأول (ديسمبر) 2016.

أما الطريق الثاني، فهو وقوع المعارضة السورية في حفرة تدويل المجابهة مع السلطة السورية وأقلمتها: في مقابلة مع جريدة «وول ستريت جورنال» في 3/12/2011، أبدى رئيس «المجلس الوطني السوري» برهان غليون موقفاً عدائياً تجاه روسيا وإيران و «حزب الله»، مع تموضع مضاد في واشنطن وأنقرة والخليج، وأمام أول وفد ترسله «هيئة التنسيق الوطنية» السورية المعارضة إلى موسكو في نيسان (أبريل) 2012، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العبارة التالية: «نحن ندافع عن موسكو في دمشق». عملياً، عندما دفعت إيران حزب الله في نيسان 2013 للانخراط في النزاع السوري كانت تعني أن خامنئي يردد عبارة لافروف بلسان إيراني.

في شباط (فبراير) 2016 مع الهدنة التي رعتها واشنطن وموسكو في بدء مفاوضات مؤتمر «جنيف 3»، كان هناك فرصة لمنع الطريقين من أن يشكلا طريقاً يقود إلى حلب كانون الأول 2016: منع الروس السقوط العسكري لشرق حلب عندما كانت الوقائع الميدانية تقول بذلك عشية تلك الهدنة. كان شرط موسكو على المعارضة السورية العسكرية هو «فك الارتباط مع جبهة النصرة»، وكان هذا الطلب مرفوقاً بتعهد الروس تأهيل تلك المعارضة للمشاركة في المفاوضات ثم في العملية السياسية الانتقالية التي تعقب المفاوضات.

بدلاً من تلبية ذلك، وكان واضحاً مدى تنسيق الروس مع الأميركان في ترتيب تلك الهدنة، قام المعارضون العسكريون الذين توجد فصائلهم في قوام «الهيئة العليا للمفاوضات»، بالاشتراك مع «جبهة النصرة»، بأول خرق نوعي للهدنة عبر الهجوم على جنوب حلب عند تلة العيس وخان طومان في آذار (مارس) ونيسان. كان قطع طريق الكاستيلو وحصار شرق حلب في 17 تموز (يوليو) عبر جهد موسكو العسكري أساساً وكان تعبيراً عن يأس الروس من فك ارتباط المعارضة العسكرية السورية بـ «جبهة النصرة». تأكدت هواجس الروس حين تم تهليل معارضين سوريين مدنيين وعسكريين (ما عدا هيئة التنسيق) لعملية «فك الارتباط الرضائي» بين «النصرة» و «القاعدة» عبر تغيير الاسم، ثم بدأ في نهاية تموز الهجوم لفك الحصار عن شرق حلب من خلال «جيش الفتح» الذي كان واضحاً أن «النصرة» أو فتح الشام» تمثل الثقل الرئيسي فيه. في 4 أيلول (سبتمبر) أعيد حصار شرق حلب، وكان اتفاق جنيف في 9 أيلول بين كيري ولافروف بمثابة إعادة لتلك المظلة الدولية التي كانت تطلب ما طلبته هدنة شباط، خصوصاً حين ظهر أن وضع زعيم «النصرة» في حلب ليس بعيداً من حيث السيطرة عن وضع أبو بكر البغدادي في الموصل.

في أيلول طرح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مشروعاً لإخراج «النصرة» وحدها من شرق حلب نحو إدلب، ولكن لم يتجرأ أحد من المعارضين، عسكريين ومدنيين، سوى «هيئة التنسيق»، على تأييد اقتراح دي ميستورا، وكان واضحاً أن اقتراح المبعوث الدولي هو الخشبة الأخيرة، وإلا ستكون هناك مظلة دولية لعملية في حلب مثل تلك التي في الموصل، مع إضافة عن شباط 2016، هي الموافقة التركية، إذ عادت أنقرة منذ 24 آب إلى الملف السوري بقطار روسي، ليس فقط عبر مدينة الباب عسكرياً، وإنما أيضاً سياسياً، عبر «إعلان موسكو» الذي ترافق مع سقوط شرق حلب.

في فترة «ما بعد حلب» تحدث دي ميستورا عن إدلب بوصفها «حلب الجديدة»، أليس من الواضح أن فك الارتباط مع «النصرة» («فتح الشام») هو المطلوب دولياً وإقليمياً في إدلب من المعارضة السورية العسكرية مثلما كان مطلوباً في حلب شباط- كانون الأول 2016؟

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى