الطفولة المقتولة
عناية جابر
الثابت الوحيد في صور المجازر العربية هم الأطفال. لا أرى سواهم. لا يتعذر عليّ تعيين نقيض هذا الموت الوفير في بلادنا. فكل الميتات التي تحدث في العالم هي نقيض الموت العربي. لا أقصد اننا نحتكر الموت لأنفسنا، فهذا أكثر الأقدار شيوعاً لبني البشر جميعاً. مع ذلك لنا موتنا الخاص، ومبرزون فيه ونسابق العالم أجمع.
القتل هو إرادة. هو نية. وهو انك تريد ان تقتل. العرب يريدون ان يتقاتلوا ويقتلوا وينهشهم جوع إلى القتل، ورغبة فيه. في الرغبة ثمة ديناميكية تحول دون قبول القاتل بالكف عن القتل. القتل فعل إرادة ليس في طاقة الحكام العرب احتمال مقاومتها. لا أحد يدري لماذا يولد البعض قاتلاً فيما يولد البعض الآخر مقاوماً. انه يا نصيب، والعرب ربحوا الجائزة الكبرى في القتل. الملوك والرؤساء والزعماء العرب وبعض مريديهم النخبويين أعان بعضهم البعض الآخر على صقل كفاءاته الإجرامية، وحفز شهية ممتازة على قتل الأطفال، العملية التي تتحدى أي منافسة لسواها على الإطلاق.
عصر موت الطفولة النموذجي. عوض التفاخر إلى أقصى الحدود بالبراءة التي تطبع الأطفال، يأتي القتل «ليقتل» هذا التفاخر. العربية التي يتم محوها بشهية قتل عريقة. ذلك ان من يعاني جوعاً فادحاً إلى القتل تتنوع شهياته وتتزايد صعوبتها المرضية في رغبتها إلى الأعمار الطرية.
ثمة سلّم للقيم الآن في العالم حيث الأقوى هو الأفضل. مشاهير القتلة يعرفون هذه المعادلة المهينة، ويتقنها الحكام العرب المهجوسون بدوام حكمهم، وما كان لغضاضة الطفولة ان تنطلي على نباهة القتل عندهم، بل تزيده سعاراً.
إذا كان الحزن مرضاً حميداً يفضي إلى الشعر، فما هي القصيدة الرائعة التي إذا كتبتها شفتني من الحزن؟ ما سر مرضي الدفين وأي لغز يتعين على السماء حله لكي أبرأ من تدهور قلبي في ظلمات ساحقة؟
هناك صنف من صنوف الكلام يقوله هذا الحاكم العربي وذاك، مستغلقاً عليّ، لا أفقه فيه شيئاً. يعجزني استكشاف هذه البقاع اللغوية المرعبة التي يقولونها، ثم إن العذوبة البادية على وجوههم ليست سوى خيانة إضافية، ومقتلة جديدة لأطفالنا.
لم أفقد شهيتي لعالم عادل، ولكني في قرارتي اشعر بتصدعه. حين يغدو قتل الأطفال وجبة يومية، ينطق صوت جديد في داخلي، صوت هو محدثي المعتمد عن عالم بلا رحمة، ودليلي إلى فظاعة الأشياء.
السفير