العاصي يودع الأسد
حسين شبكشي
المدن التي تقع على ضفتي نهر تكون رمزا لشريان الحياة الذي يجري فيها، كما في النيل الذي يجري بين القاهرة والجيزة ونفس النهر الذي يجري بين الخرطوم وأم درمان، والدانوب الذي يجري في بودابست بالمجر، وطبعا في سوريا ينطبق القول على أيقونتي الثورة حمص وحماه المطلتين على نهر العاصي. مع كتابة هذه السطور تتعرض هاتان المدينتان لدك منظم ومقنن والقتلى في الشوارع بالعشرات والمباني تدك وتهدم على من فيها بشكل عشوائي وموتور ورغبة سوداء في الانتقام من أهل المدينتين الشرفاء الرافضين للذل والخوف بعد عشرة أشهر من انطلاق الثورة السورية المباركة على نظام أهان شعبه وأرعبه لأكثر من أربعة عقود من الزمن. لم يشفع لأهل حمص أن يكون رئيسهم مصاهرا لإحدى أسرهم ولم يشفع لأهل حمص أن يعرفوا بالوداعة وخفة الدم لأن كل ذلك اختفى وعرف سر تسمية أشهر أنديتها الكروية باسم «الكرامة» لأنها تبدو سر ما يسري في دماء هؤلاء الأحرار من حفدة سيف الله المسلول خالد بن الوليد المدفون هناك.
أصدر الرئيس السوري أوامره المشددة لفرق جيشه بقيادة الفرقة الرابعة الشرسة التي يقودها شقيقه ماهر الأسد المعروف بدمويته وعنفه ورغم ذلك لم يستطع «حسم» ما يحدث في حمص وحماه لصالح النظام، ولكن الثوار وعناصر الجيش السوري الحر «المنشقين» تمكنوا من إلحاق خسائر مادية هائلة في عتاد قوات الأسد والاستيلاء على مقر الأمن الرئيسي بحمص وتحرير العشرات من المعتقلين الأبرياء. بشار الأسد لديه ابن صغير اسمه حافظ لن يكون لدى بشار هم أن يورث الحكم له كما ورثه هو من والده، فيبدو أن نظامه سيتهاوى على ضفاف العاصي بين حمص وحماه كما تهاوى نابليون على ضفاف ووترلو وكما تهاوى هتلر على مشارف لينينغراد وكما تهاوى صدام والقذافي كل في موقعه وفي «حفرته».
مشاهد الاغتيال والاغتصاب والاختطاف والابتزاز بحق أبناء وبنات الأسر الجارية في كافة مناطق سوريا لم تعد سرا ولكنها باتت آخر أسلحة قوات الأسد الأمنية المعروفة شعبيا باسمها المرعب «الشبيحة» وإذا لم يتم الانصياع لطلباتها وأمرها يتم إحراق وتدمير المنشآت الاقتصادية للأسر الرافضة لذلك. القضية السورية تتجه بقوة الآن لمجلس الأمن برعاية مجلس جامعة الدول العربية على الرغم من التحفظ الروسي، ويجب عدم إساءة فهم الموقف الروسي بأنه «غيرة على النظام السوري» أو دفاع عن مبادئ وقيم، ولكن المسألة بالنسبة للروس ببساطة هي أنهم خرجوا من «حفلة» ثورة تونس ومصر وليبيا وقبل ذلك من العراق بلا أي استفادة لا على الصعيد السياسي وطبعا ولا على الصعيد الاقتصادي، وروسيا اليوم تشترط بشكل رفضها ورفع سقف موقفها الممانع لأي تدخل عسكري في سوريا أن يكون لها موضع قدم «كبير» في المسألة السورية سياسيا واقتصاديا وهو ما يحاول أن يتعلق به النظام السوري فقام «برشوة» روسيا في الوقت الضائع بإعلانه عن صفقة طائرات تدريب كبيرة تبلغ قيمتها 550 مليون دولار ولكن غير معروف كيف سيتم سدادها، وطبعا هذه الطائرات ستكون بمثابة هياكل معدنية لن تستخدم لا على إسرائيل ولا على حدود الجولان مثل ما سبقها من عتاد عسكري مهول.
كما ارتبط اسم حافظ الأسد وشقيقه رفعت للأبد باسم مجزرة حماه المروعة التي راح ضحيتها 45 ألف بريء، سيكون لبشار الأسد نصيب من ذلك المجد الأسود حين يربط اسمه بالمجازر التي طالت كافة الأنحاء ببلاده ولم يسلم منها أحد. «الجيش السوري الحر» يزداد قوة وضراوة وثقة وكذلك الأمر بالنسبة للثوار وهناك عد تنازلي يدركه الجميع ويراه الكل. إن حبات الرمل في الساعة الزمنية للنظام السوري نفدت ولم يبق إلا الإعلان عن ذلك.
الشرق الأوسط