العالم وسوريا
زياد ماجد
يتدخّل “الخارج” منذ مدّة طويلة في الشأن السوري. لكن تدخّله، وعلى عكس ما يردّد كثرٌ، يصبّ في محصّلته المادية حتى الآن في صالح نظام الأسد. فمقابل مدّه بمليارات الدولارات وبالسلاح الثقيل والمستشارين والضباط من قبل روسيا وإيران بخاصة، تكتفي بعض الدول العربية ومعها تركيا بتأمين تغطية إعلامية للثورة تمنع التعمية النظامية على الجرائم والمجازر، وترسل مساعدات مالية محدودة وأسلحة خفيفة لبعض كتائب الثوار في مناطق شمال البلاد ووسطها.
أما أميركا ودول الاتحاد الأوروبي فتفرض دورياً مجموعة عقوبات اقتصادية وديبلوماسية ضد النظام وتتعهّد بالسعي لإسقاطه. لكن تداعيات إجراءاتها تبقى، رغم أهمّيتها السياسية، بطيئة في أثرها الميداني المباشر، ولا تنتج، بسبب الانقسام في مجلس الأمن إرادة دولية جامعة تفرض على النظام الرحيل وتقطع عنه كل ما يُعينه على الاستمرار.
والسؤال الذي يُطرح هنا، هو لماذا لا تساعد الدول الأوروبية وأميركا (وحلفاؤها) الثوارَ السوريين بالمقدار نفسه الذي تساعد فيه روسيا وإيران (والصين) نظام الأسد طالما أن الصراع صار مفتوحاً ولا يبدو أن حلاً سياسياً أو مساراً تفاوضياً سيضع حدّاً له، وطالما أن لا قدرة للعمل العسكري الدولي المباشر تحت مظلّة الأمم المتحدة ولا نيّة لذلك من خارجها، إلى يومنا على الأقل؟
تبدو الأسباب التي تحول دون ذلك مستندةً إلى عوامل ثلاثة أساسيّة: الأول عدم استعجال أميركي، إذ تظنّ واشنطن أن الوضع السوري محكوم في نهاية المطاف بسقوط الأسد، وهو يستنزف طهران اقتصادياً ويبدّد كل فترة المزيد من أوهام موسكو بحسمه لصالحها. وهو فوق ذلك لا يزعج إسرائيل المهووسة بالملف النووي الإيراني. كما أنه لم يتسبّب بعد بإحراج داخلي لإدارة أوباما، فلا مؤشّرات على كون الرأي العام الأميركي و”كتل الضغط” البارزة مشغولة به وبسوء التعاطي الحكومي معه. وهذا من شأنه توفير أي “مجازفة” خارجية في مرحلة إنتخابية. الثاني، إنشغال أوروبي بمواجهة الأزمات الاقتصادية الحادة وريبة من نتائج الانتخابات الأولى التي تلت الثورات على الحُكمين التونسي والمصري والأوضاع الليبية اللاحقة على إطاحة القذافي. والثالث، ارتباك دولي (وتركي) تجاه سبل إدارة الوضع الناجم عن الانهيار المرتقب للنظام إن لجهة وحدة الأراضي السورية أو لجهة المسألتين الطائفية والقومية أو لشكل التعامل الروسي – الإيراني المحتمل مع ما قد يذهب إليه آل الأسد من محاولة الارتداد المناطقي-الأهلي لإطالة الصراع وتحويله حرباً مذهبية.
هل هذا يعني أن المقاربات والارتباكات وما أملته من أشكال مساعدة للثورة غير قابلة للتبدّل؟ بالطبع لا، والأشهر المقبلة واستحقاقاتها قد تبدّل في الكثير من المعطيات…
لكن في انتظار ذلك، وبمعزل عنه، يبقى تماسك الثورة السورية في الداخل بشقّيها المدني والعسكري رغم ضعف الإمكانات، الفيصل في حسم الأمور في المدى المنظور.
لبنان الآن