العراق واسطة العقد بين إيران وسوريا؟
فايز سارة
تبدو سياسة العراق السورية، أكثر سياسات دول الجوار التباساً. ففي الظاهر، يتخذ العراق موقفاً هو الاقرب الى سياسة «النأي» بالنفس اللبنانية إزاء الوضع السوري، لكنه في المسار الواقعي وفي المحصلة، يقف الى جانب نظام دمشق الحالي، بل هو يذهب الى الأبعد في دعم النظام عبر كثير من الممارسات الواقعية، سواء في ما يتعلق بعلاقته مع السلطات السورية أو في موقفه في موضوع اللاجئين السوريين الذين أغلق أبواب العراق في وجههم خلافاً لما تفرضه التزاماته الدولية، ان لم نقل التزامات الجوار القومي، وأقلها الالتزام برد الجميل للشعب السوري الذي استضاف ملايين اللاجئين العراقيين، كان بينهم كبار رجال الدولة والنخبة العراقية طوال عقود من السنوات بمن فيهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
ومسارات سياسة العراق السورية، لا يمكن فصلها عن العلاقات التي ربطت العراق بإيران في السنوات الاخيرة، والتي شهدت ترجمة لتصاعد النفوذ الايراني في العراق الى حد جعل نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي ينتقل من صف أصحاب الملاحظات والاختلاف مع ايران حول بعض سياساتها الى صف التوافق معها بعد ان حسمت الأخيرة موقفها، وجيّرت حضورها في العراق لدعم بقاء المالكي وتحالفه على رأس السلطة العراقية في مواجهة خصومه داخل الطائفة من جهة، وداخل كتل النخبة السياسية العراقية من جهة اخرى.
لقد ترتب على هذا التحول في الخيارات السياسية للسلطة العراقية وفي توجهات رئيسها نوري المالكي ميل متصاعد داخل السلطة العراقية للتوافق مع سياسة ايران وشبكة تحالفاتها في المحيط الاقليمي والدولي، وهو تحول يكاد يكون معلناً في ضوء زيارة المالكي لموسكو والتي تضمنت توافقات عراقية ـ روسية تتجاوز صفقة الاسلحة الروسية للعراق التي تم الاتفاق عليها والبالغة قيمتها أكثر من أربعة مليارات دولار.
واذا كانت صفقة الاسلحة العراقية ـ الروسية في أحد جوانبها، تشكل استجابة لطموح ايراني بإرضاء موسكو ومكافأتها على مواقفها الداعمة للسياستين الايرانية والسورية في مواجهة تحديات ما يحيط بإيران في موضوع الملف النووي، وما يحيط بموضوع مستقبل النظام في سوريا، فإن هذه الصفقة جزء من منظومة سياسات عراقية، تتجسد عملياً في تقديم دعم عراقي لإيران وسياساتها، سواء تعلقت تلك السياسات بإيران ذاتها، أم كانت تتصل بدعم عراقي لسياسات حلفاء ايران ولا سيما سوريا، التي تبدو حالياً النقطة الاهم في سياسة ايران الخارجية.
ان دور العراق في دعم ومساندة سياسة طهران وخاصة في موضوع الملف النووي ومواجهة العقوبات الدولية، يبدو واضحاً وعلنياً، وقد تحدثت تقارير ذات مصداقية دولية عن دور عراقي في بيع نفط ايراني، ودور آخر في توفير عملات صعبة لتمويل مشتريات ايرانية ضرورية في مواجهة العقوبات الدولية، إضافة الى التعاون في ميدان العلاقات الدفاعية والامنية بين البلدين طبقاً لنتائج زيارة وزير الدفاع الايراني الجنرال أحمد وحيدي للعراق التي تمت في أوائل تشرين الأول الحالي، والتي استبق وحيدي نتائجها بالقول «ان للعراق موقعا خاصاً في السياسة الخارجية الايرانية وديبلوماسيتها الدفاعية.».
أما في ما يتصل بموضوع دعم العراق لسياسات حلفاء ايران ولا سيما سوريا، فإن ذلك ظاهر في منظومة السياسة العراقية، والابرز في تعبيراته خطوات إجرائية وخدمات، قامت بها الحكومة العراقية لدعم السلطات السورية، جاء في سياقها إفساح المجال أمام مرور المساعدات الايرانية نحو سوريا، وهو الامر الذي كشفت عنه المطالبة بتفتيش الطائرات الايرانية العابرة للاجواء العراقية، والتأكد من محتويات شحناتها، وهو مماثل لما كانت تقوم به طائرات كورية شمالية اضطر العراق الى إرجاع إحداها بعد تفتيشها في مطار بغداد، كما جاء في السياق ذاته، قيام سلطات بغداد بتقديم مشتقات بترولية لسوريا بأسعار مخفضة لتلبية الاحتياجات المتنامية في ظل العمليات العسكرية الواسعة في سوريا، وأضافت السلطات العراقية الى ما سبق، السماح بمرور «متطوعين» من ميليشيات عراقية الى الاراضي السورية، قيل انهم معنيون بالمشاركة في الدفاع عن النظام في دمشق في مواجهة معارضيه، فيما كان العراق يغلق حدوده في وجه اللاجئين السوريين الهاربين من القصف والاجتياح في دير الزور والمناطق الحدودية، الامر الذي زاد من معاناة السوريين في تلك المناطق.
ولا يمكن فصل الاجراءات السابقة عن منظومة سياسة العراق في الموضوع السوري، والتي يكثفها موقف العراق من الازمة السورية القريب من الموقف الايراني والقائل بأنها مؤامرة دولية، وانها تجعل من سوريا بؤرة للتطرف ومعقلا لتنظيم القاعدة، وان الطريق لحلها هو اعتماد حل سياسي داخلي (لا يتحقق بفعل تشدد النظام) بعيداً عن التدخل الدولي. ولا يغير من جوهر الموقف العراقي حول الوضع السوري قيام السلطات بدعوة أطراف المعارضة لزيارة بغداد لإجراء حوار حول الوضع السوري وآفاق حله، وهي زيارات لم تتم.
الخلاصة في سياسة العراق السورية، انها غير منفصلة عن علاقات بغداد بإيران، بل هي أحد تعبيرات العلاقة، وهي اليوم تربط تلك السياسة بعلاقات بغداد مع روسيا، ما يعني دخول العراق في سياق تحالف اقليمي ـ دولي، يضم الاطراف الثلاثة، إضافة الى سوريا، التي تعتبر اليوم الجبهة التي ولد هذا التحالف وتعزز في أتون أزمتها الداخلية، وانعكاساتها الاقليمية والدولية.
السفير