العرب في “مؤشّر الرأي العام” الصادر عن معهد الدوحة
19 في المئة فقط يرون أن بلدانهم تطبّق القانون
رستم محمود
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات في الدوحة تقرير لقياس الرأي العام في العالم العربي، سمي بـ”المؤشر العربي، حيث يعتبر المشروع الأكبر لقياس الرأي العام العربي حالياً، فقد تناول 12 دولة تشمل 85 بالمئة من سكان الوطن العربي. بدأت المؤسسة بإجراء المقابلات بدءاً من ربيع العام المنصرم، حيث شكلت عينة مكونة من قرابة 16 ألف مواطن عربي، في 12 دولة عربية هي اليمن، السعودية، مصر، فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، لبنان، موريتانيا، اليمن، تونس، السعودية، السودان، الجزائر، المغرب. يُلاحظ أن بيئة إجراء الاستطلاع متنوعة وشاملة، وأن الأغلبية المطلقة من البلدان التي أجريت فيها المقابلات، يستطيع مواطنوه التعبير الشفاف إلى حد بعيد عن آرائهم وتطلعاتهم. وهذا مؤشر على صدقية ودقة المعطيات والمعلومات التي أتى بها التقرير.
التقرير الذي صدر بحجم قارب 100 صفحة كملخص تنفيذي، حيث من المتوقع أن يصدر بشكل موسع في كتاب سنوي يصدر كل عام عقب انتهاء الاستطلاعات التي تود المؤسسة أن تجريها بشكل دوري. وقد قصد التقرير معرفة رأي المواطنين العرب في ما يخص ست من القضايا الرئيسية التي تحيط بهم: تقييم الأوضاع العامة، الرأي العام والثورات العربية، الرأي العام العربي والديموقراطية، الثقة في المؤسسات الرئيسية في البلدان العربية، دور الدين في الحياة العامة والحياة السياسية، التصورات عن المحيط العربي… بحيث يمكن لمجمل تلك المواقف، التي يستطيع المواطن العربي التعبير عنها، أن تشكل دلالة مناسبة بمجل رؤيته ورأيه العام.
في الجانب الأول “تقييم الأوضاع العامة” عبّر مواطنو المنطقة العربية بصفة عامة- عن رضاهم عن حياتهم؛ إذ أفاد 73% بأنهم “راضون جداً” أو “راضون” عن حياتهم، مقابل 27% أفادوا بعدم رضاهم عن حياتهم (15% غير راضٍ إلى حد ما، و12% “غير راضٍ على الإطلاق”؟ وتباينت أراء المستفتين بحسب مجتمعاتهم في مدى رضاهم عن حياتهم، وبرزت أعلى نسبة للذين أفادوا بأنهم راضون في دول: السعودية، موريتانيا، السودان، وقد تجاوزت نسبتهم 85% في تلك الدول (وكان أكثر من نصف هؤلاء “راضين جداً”)، بينما جاءت نسب الراضين عن حياتهم بين ثلثي وثلاثة أرباع مستفتي البدان الأخرى، ما عدا العراق، حيث أفاد أغلبية العراقيين بعدم رضاهم عن حياتهم العامة. وقد بلغت نسبة المستجيبين العراقيين الذين أفادوا بأنهم راضون عن حياتهم فقط 2%. فيما بلغت نسبة الذين أفادوا بأنهم غير راضين عن حياتهم 35% من الفلسطينيين، 30% من اليمنين والمغربيين واللبنانيين.
هذا وينقسم مواطنو المنطقة العربية في تقييم وضع أسرهم الاقتصادي، ففي حين أبدى 53% من المستجيبين في الدول كافة رضاهم عن الوضع الاقتصادي لأسرهم، فإن 46% أفادوا بأنهم غير راضين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة الراضين جداً عن وضع أسرهم الاقتصادي بلغت 13% من كافة العينة المستجيبة، في حين أفاد 19% بأنهم غير راضين إطلاقاً. بينما كان تقييم أكثرية المستجيبين وسطياً لأوضاع أسرهم الاقتصادية؛ إذ أفاد 40% أنهم راضون إلى حد ما، و27% بأنهم غير راضين إلى حد ما. حيث كان هناك تباين واضح في تقييم المستجيبين لأوضاع أسرهم الاقتصادية من بلد لآخر، ففي حين كانت أكثرية المستجيبين راضية عن أوضاع أسرها الاقتصادية في: السعودية (75%)، والأردن (64%)، والجزائر (62%)، والسودان (60%)، ومصر(60 %)، فإن أكثرية مستجيبي موريتانيا (51%)، وفلسطين (58%)، واليمن (64%) والعراق (69%)، قالوا إنهم غير راضين عن أوضاع أسرهم الاقتصادية.
في الحقل الثاني (تقييم الأوضاع العامة للبلدان العربية)، لم يكن التقييم العام للمستجيبين بنفس درجة الإيجابية التي أتسم بها تقييم المستجيبين لأوضاعهم وأوضاع أسرهم. ففي حين عبر 48% من مجموع المستجيبين عن رضاهم لمستوى الأمان العام في بلدانهم (21% راضون جداً، 27% راضون لحد ما). مقابل 49 أفادوا بأنهم غير راضين عن مستوى الأمان في بلدانهم (24% غير راضين إلى حد ما، و25% غير راضين على الإطلاق). فقد قيّم مواطنو المنطقة العربية بالمجل الأوضاع السياسية في بلدانهم بالسلبية، إذ عبر أقل من ثلث المستجيبين (29%) عن رضاهم عن الوضع السياسي في بلدانهم مقابل 60% عبروا عن عدم رضاهم عن الوضع السياسي في بلدانهم. فمقابل أكثرية مستجيبي السعودية والأردن التي عبرت عن رضاها عن الوضع السياسي في بلديهما، فإن أكثرية المستجيبين في البلدان الأخرى عبرت عن عدم رضاها عن الأوضاع السياسية في دولها. لبنان (91%)، العراق (87 %)، فلسطين (76%). والأمر نفسه ينطبق على تونس ومصر واليمن. لكن مقابل ذلك، واتساقاً مع رضاهم العام عن أوضاع دخل أسرهم الاقتصادي، فإن 28% فقط من المواطنين العرب عبرت بشكل سلبي عن تقيّيمها السلبي لأوضاع بلدانها الاقتصادية، فيما أفاد 72% عن رضاهم عن أوضاع بلدانهم الاقتصادية. والجدير بالملاحظة، أن التقرير أشار إلى أن 26% من المستجيبين غير مهتمين بالسياسة على الإطلاق، مقابل 40% أفادوا بأنهم إما مهتمون أو مهتمون جداً بالسياسة، وقال ثلث المستجيبين بأنهم يهتمون بالسياسة إلى حد ما. حيث كانت تلك النسب متوازنة التوزيع بين مجمل الدول التي شملها الاستقصاء. وقد اعتبرت الرغبة بالهجرة خارج البلدان كمؤشر على مدى الرضا العام للأوضاع السياسية والاقتصادية في هذه البلدان (فقد عبر 24% من المستقصين عن رغبتهم بالهجرة إلى خارج بلدانهم، مقابل 74% عبروا عن عدم رغبتهم بذلك).
لكن مصدر ثقة الرأي العام العربي بالمعلومات السياسية الصادرة عن الوسائل الإعلامية التي يحصل من خلالها على المعطيات السياسية كانت بالغة الغرابة، حيث عبرت الأغلبية المطلقة منهم (69%) عن ثقتهم بالتلفزيونات كمصدر للمعلومات السياسية، يليها الراديو فالأنترنت، وأخيراً الصحف اليومية، وقد أستثني من ذلك مواطنو الجزائر والمغرب، إذ عبروا عن ثقتهم بالوسائل المختلفة للأخبار بشكل شبه متوازن.
في الحقل الثالث (مصادر تهديد أمن المواطن) حيث تضمن هذا المؤشر الدول الأكثر تهديداً للأمن الشخصي لمواطني المنطقة العربية والتي تمثل تهديداً لأمن بلدانهم. فبالنسبة للدول التي يرى الرأي العام بأنها الأكثر تهديداً لأمن الأفراد، كانت إسرائيل وبشكل شبه متوافق بين مجمل المستجيبين تحتل المرتبة الأولى (28%) فيما جاءت الولايات المتحدة بنسبة اعتقاد بلغت (8%) من المستجيبين، فيما عبّر 7% من المستجيبين عن تخوفهم من بلدان عربية مجاورة لبلدانهم، فإن إيران حلت في المرتبة الرابعة (4%). وكان هناك شبه أجماع بين الفلسطينيين على أن إسرائيل هي الأكثر تهديداً لأمنهم الشخصي، كان هذا رأي ثلثي المصريين واللبنانيين ونحو ثلث السودانيين والأردنيين.
في حقل رابع تعرض التقرير إلى موقف “الشارع العربي” من الثورات المندلعة في المنطقة العربية، وركز على الموقف من الثورتين التونسية والمصرية، حين كانتا الأكثر وضوحاً وتحققاً في وقت إعداد الأسئلة التي عرضت على المستفتيين. أيدت (71%) منهم الإطاحة بالرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي عن طريق الاحتجاجات الشعبية، مقابل معارضة 8%. وكانت النسبة بين المستطلعين التونسيين قد قاربت 96% من المؤيدين للإطاحة برئيسهم الأسبق، مقابل 2% عارضوا تلك الإطاحة به. وعلى نفس المنوال، أيد 87% من الجزائريين و71% من المغاربة الإطاحة ببن علي، بينما لم تصل النسبة في موريتانيا سوى لـ65% تقريباً. وقد عبر 16% من الأردنيين و13% من السعوديين و12% من اللبنانيين عن معارضتهم للإطاحة بالرئيس التونسي بتلك الطريقة.
لكن بالمقابل، فإن 43% من التونسيين عبروا عن أن أوضاعهم باتت أسوأ مما كانت عليه في زمن بن علي، وعبر 25% منهم بأن أوضاعهم لم تتغير، وفقط عبر 11% بأن حياتهم باتت أفضل مما كانت عليه في زمن بن علي. لكن عبر 83% من التونسيين عن أملهم بأن مستقبل بلادهم سيكون أفضل لأنه تمت الإطاحة ببن علي فيما عبر 4% بأنه سوف يبقى كما كان أثناء وجود بن علي، فيما عبر 2% فقط بأن مستقبل بلادهم سيكون أسوأ لغياب بن علي.
في ما يخص الثورة المصرية، فإن 80% من المستجيبين عبروا عن تأييدهم الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وكانت الأردن وموريتانيا من أقل الدول تأييداً للإطاحة بالرئيس مبارك، حيث رفض تلك الإطاحة نحو ثلث الموريتانيين و18% في الأردن، و14% في فلسطين، و12% في لبنان. كانت تلك الأرقام متعارضة تماماً مع النسب المصرية نفسها، حيث عبرت الأغلبية المطلقة من المصريين عن تأييدها للإطاحة بمبارك، وشارك نصفهم في المظاهرات التي اندلعت في القاهرة أو المدن الأخرى.
وقد أشار التقرير، إلى أن المواطنين المصريين حددوا أسباباً مقنعة وذات محتوى ودلالة ومتقاربة لأسباب اندلاع الثورات العربية. ففي حين عبر 82% منهم بأن مستقبل مصر سيكون أفضل في غياب نظام مبارك، فإن 13% من المصريين عبروا عن عدم معرفتهم بالشكل المستقبلي الذي يمكن أن تكون عليه مصر بغياب نظام مبارك، كما أن 2% فقط عبروا عن عدم اعتقادهم بتغير شيء في مستقبل مصر المنظور، فيما أفاد 3% بأنه سيكون أسوأ مما كان عليه في عهد مبارك.
أما القسم الأهم من التقرير، فقد اتجه لمعرفة الرأي العام العربي نحو الديموقراطية. حيث هدف المؤشر العربي للتعرف على مفهوم المواطن العربي للديموقراطية؛ من خلال سؤاله عن أهم الشروط التي يجب أن تتوافر ليعتبر البلد ديموقراطياً، وقد أجابت الأغلبية المطلقة من المستقصين بـ”إجابات ذات محتوى” في التعبير عن ذلك (81%).
وقد جاءت الإجابات عن ذلك بالترتيب التالي: ضمان الحريات والحقوق المدنية والسياسية (35%). العدالة والمساواة (21%). نظام حكم ديموقراطي “أن يكون الشعب مصدر السلطات” (8%). تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين (6%). الأمن والاستقرار (6%). فيما كانت 1,2% من إجابات المستقصين ذات طبيعة أخلاقية، التعاون، المحبة بين أفراد المجتمع والصدق.. فيما أشار 11% من المستقصين اللبنانيين عن اشتراط إلغاء الطائفية السياسية لتحقيق الديموقراطية في بلدهم. وتؤشر مجمل أرقام هذا المؤشر إلى وضوح رؤية المواطن العربي للديموقراطية وإلى تراجع نسبة توجسه من التغيير السياسي الذي ساد عقب الحرب الأميركية على العراق.
أما أعمق دلالات التقرير في ما يخص موقف المواطنين العرب من شكل الديموقراطية، فإن (45%) عبروا عن تأييدهم لحكم حزب يؤمن بفصل الدين عن السياسة، وعبر (41%) منهم عن رغبته بوصول حزب لا يفصل الدين عن الدولة، في ما عبّر البقية عن عدم تمييزهم في ذلك. فيما عارضت أغلبية الأردنيين والفلسطينيين والسودانيين ذلك الوصول لحزب يفصل السياسة عن الدين.
في ما يخص ثقة المواطنين العرب بمؤسساتهم الحكومية، أظهر التقرير عن ثقة 77% من المواطنين بمؤسسة الجيش في بلدانهم، فيما أظهر 55% فقط ثقتهم بمؤسسات الأمن العام، وعبر نصف المستقصين عن ثقتهم بالمؤسسة القضائية و47% عبرت عن التقة بالمؤسسات الحكومية المدنية، بينما لم تتجاوز نسبة المواطنين الذين عبروا عن ثقتهم بالمؤسسات التشريعية 36% من المستقصين. فيما عبر 61% عن عدم ثقتهم بالأحزاب السياسية في بلدانهم. حيث تطرق التقرير بالتفصيل إلى الجوانب التي نالت ثقة المواطنين العرب بتلك المؤسسات، مقابل الجزئيات التي لم تنل رضاهم.
أما في مؤشر علاقة المواطن العربي بالتدين، الجانب الأهم الذي بقي غير مدروس لفترة زمنية طويلة، فإن المؤشر أشار إلى أن (85%) من مواطني المنطقة العربية يصفون أنفسهم بالمتدينين (19% متدينون جداً، 66% أفادوا بأنهم متدينون إلى حد ما) مقابل 11% فقط أشاروا إلى أنهم غير متدينين. وتراوحت تلك النسبة بين بلد وآخر، ففي حين وصف 28% من التونسيين و20% من العراقيين أنفسهم بأنهم غير متدينين، مقابل 2% من الموريتانيين. في حين أشار 44% من الموريتانيين ونحو 25% من اللبنانيين والسودانيين والسعوديين والفلسطينيين بأنهم متدينون جداً.
أما عن موقف المستجيبين عن الممارسات الدينية هل هي ممارسات خاصة ويجب فصلها عن الحياة العامة والسياسية، فتشير الأرقام إلى انقسام الرأي العام العربي، فيوافق على ذلك الفصل 47% من العرب، ويرفضه 38% منهم. وقد انحازت أغلبية اللبنانيين لذلك الفصل (83%) وفي العراق كانت النتيجة (71%) وفي تونس (63%) وفي مصر (55%) وفي فلسطين والسعودية والأردن كانت النسبة منقسمة بالضبط بين الراغبين في فصل الحياة والعبادات الدينية عن الحياة العامة والسياسية، فيما رفض ذلك الفصل النصف الآخر. لكن بالعموم فإن الأغلبية المطلقة (71%) عبرت عن عدم تمييزها في تعاملاتها العامة بين المتدينين وغير المتدينين. باستثناء موريتانيا، حيث أشار 66% منهم إلى تفضيلهم التعامل مع أشخاص متدينين.
يعج التقرير بعشرات الآلاف من الأرقام والنسب لكافة تفاصيل الحياة الشخصية (أسباب اختيار الشريك والدوافع الدينية.. إلخ) والعامة، حيث بذل لسبيل انتاج ذلك جهد علمي وعملي مضنٍ في سبيل الكشف عن بعض الجوانب غير الواضحة من حياة وآراء المواطن العربي، لكن السؤال الأهم يبقى دائماً في ما يخص هذه الأعمال المعرفية العميقة: هل ستلقى طريقها في أجندة متخذي القرار في العالم العربي؟ أم ستلقى طريقها الطبيعي، مثل غيرها، لرفوف المكتبات العامة فقط!!
المستقبل