العفو في سوريا/ محمد كريشان
العفو الأكثر شمولا منذ بدء الأزمة… هكذا وصف العفو العام الذي أصدره أمس الأول الرئيس السوري بشار الأسد عن الجرائم المرتكبة قبل التاسع من هذا الشهر ويشمل للمرة الأولى جرائم متعلقة بقانون «الإرهاب» وبالأجانب الذين دخلوا البلاد للقيام باعمال «إرهابية» في حال تسليم انفسهم. كما يشمل العفو الجرائم الأخطر سواء المتعلقة بـــ «المؤامرة التي يقصد منها تغيير كيان الدولة» أو «الانضمام إلى منظمة إرهابية» أو «إضعاف الشعور القومي» أو العصيان» وغيرها من التهم التي تصدر فيها عادة أحكام قاسية تصل في الغالب إلى الإعدام.
عفو لو جاء قبل أن تتدحرج سوريا إلى هذا المستنقع لاعتبر حدثا بارزا يمهد الطريق نحو تسوية كبرى متفق عليها بين النظام والمقاتلين ضده، أما الآن فهو يكاد لا يعني شيئا ليس فقط لأن الوضع في البلد تجاوز خطوات من هذا القبيل، بل كذلك لأن لا أحد يعلم على وجه اليقين ما الذي حصل في مبادرات «العفو» التي أصدرها بشار في مناسبات سابقة في ايار/مايو وحزيران/يونيو 2011 وكانون الثاني/يناير 2012 ونيسان/أبريل 2013 وما إذا كان أفرج عن أحد أصلا. كما أنه ولاعتبارات أخلاقية صرفة، قبل أي اعتبار آخر، ليس الأسد هو المؤهل للعفو عن أي كان لأنه مدان قبل غيره لما وصلت إليه الأمور وبالتالي فهم من يحتاج لمن يعفو عن كل جرائمه في حق البلد، بدءا بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين وصولا إلى القصف بالبراميل المتفجرة مرورا باستعمال الكيمياوي وكل أنواع الإذلال والتعذيب، لا سيما وأنه، وهو من هو في منصبه، يفترض أن يكون حامي البلاد وأبناءها.
من جهة أخرى، الكثير من المعارضين المسلحين، لا سيما تلك المنظمات المتناسلة يوميا، ليسوا أهلا للعفو عنهم فقد أدخلوا البلاد في دوامة عبثية مرعبة بعد أن استولوا على الثروة من أهلها وأبعدوها عن شعارات الحرية والكرامة وأدخلوها في متاهات لا أول لها ولا آخر وجلبوا المزيد من الدمار لمن يفترض أنهم جاؤوا لنجدتهم . لقد أمعنوا في ممارسات موغلة في التخلف والتطرف فباتوا الوجه الآخر لمحنة الناس مع نظام الأسد، متحكمين في رقاب الأهالي وضمائرهم أينما حلوا فكانوا أشبه بالذباب الذي زاد الجرح المفتوح تعفنا.
ومهما يكن من أمر فإنه لا مجال لإغفال العنصر الخارجي في الأزمة السورية فقد هرعت دول وأطراف مختلفة في شد أزر النظام أو مخالفيه. وبغض النظر عن الاختلاف بين صوابية من يهب لنجدة الظالم ومن يهب لنجدة المظلوم، إلا أن النتيجة النهائية أن مأساة السوريين زادت بفعل هؤلاء وأولئك. لا الأولون كانوا قادرين على حسم الأمور نهائيا لمصلحة الأسد ولا غيرهم كان قادرا على تغليب كفة المعارضين له رغم كثرة الوعود التي اتضح أن أغلبها عاجز أو كاذب أو مضلل.
لا أحد غير الشعب السوري في اليوم الذي يقرر فيه مصيره بكل حرية دون وصاية من أحد، لا من نظام أهانه وقتله وشرده ولا من جزء من معارضة أغرقته في الوحل عوض نجدته… لا أحد غير هذا الشعب يقرر متى يعفو وعلى من. في انتظار ذلك، ها هو يقول للجميع في الداخل والخارج: منكم لله!
القدس العربي