صفحات سورية

العلويون ينشقّون “رغم ضريبة الدم”


فادي سعد

لا شك أن حافظ الأسد أعاد بناء الجيش السوري ليكون جيشاً لنظامه كحال بقية جيوش الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، ومن ثم جيشاً لحمايته شخصياً، فهو “الأب الأعلى، الفرد المُلهَم، والقائد إلى الأبد”. يشهد على ذلك إعادة بنائه للحرس الجمهوري وتجهيزه بأحدث أنواع الأسلحة التي يتفرّد بها من دون بقية وحدات الجيش السوري.

العديد من القوى والشخصيات المُعارضة تعتبر هذا الجيش لاوطنياً، بينما يسمّيه إعلام النظام وأدبيات حزب البعث “جيشاً عقائدياً”. والحقيقة أنه لا عقيدة لجيش الأسد سوى عقيدة حماية الأسد وعائلته ومحاسيبهم وحلفائهم من كبار اللصوص والفاسدين في النظام. لكن على الرغم من محاولاتٍ لم تتوقف لتطهير الجيش من كافة عناصره الوطنية عبر قتلهم أو تسريحهم أو تهميشهم، بقي فيه عناصر وأفراد يحملون قيماً وأخلاقاً إنسانية ووطنية، سرعان ما ظهرت بعد تفجّر الثورة السورية، وهم من اصُطلِح على تسميتهم بـ”المنشقّين”.

انشقاقات تنتهي بالموت

تمّت تصفية الكثير من ضباط وصفّ ضباط الجيش السوري الذين رفضوا قتل المتظاهرين السوريين، أو رفضوا اجتياح المدن وقصف القرى والبلدات والأحياء السكنية. من بين هؤلاء تمّت تصفية العشرات من الضباط، وصف الضباط العلويين في الجيش لأنّهم رفضوا إطلاق الرصاص على المدنيين، بدليل أنّه في حالات كثيرة لم يتم السماح للأهل بمعاينة جثامين أولادهم قبل دفنها، وباعترافات العديد من الذين ألقى الجيش السوري الحر القبض عليهم، ممّن كلفوا بتصفية من يعصون أوامر إطلاق النار على المتظاهرين.

وكانت المعلومات تحدثت عن إعفاء العماد علي حبيب من مهامه كوزير للدفاع وتكليف العماد داوود راجحة، بعدما رفض حبيب اجتياح حماه، الأمر الذي دفع النظام إلى تشديد الحراسة عليه ومراقبة تحركاته بأمر مباشر من ماهر الأسد وآصف شوكت. بعدها اختفى حبيب لتعلن وفاته المفاجئة التي قيل إنها حدثت بواسطة حقنة من السم. ودُفنت جُثّته في قريته بصمتٍ في آب 2011 إضافة إلى وضع أولاده وبينهم عميد في الجيش، في الإقامة الجبرية.

كذلك، فإن موقف العقيد محمد أحمد سليمان من قرية أرزونة في طرطوس ليس سوى عيّنة من مواقف عديدة لضباط علويين في الجيش ستتكشّف مستقبلاً، إذ تمّ نقل العقيد محمد إلى عربين في بداية العام 2012، لكنّه رفض قتل أي متظاهر، وتقدم بطلبات متكرّرة إلى رؤسائه لنقله إلى مكان بعيد عن الأحداث كتعبير عن رفضه للقتل. لم يستجب له اللواء المسؤول عنه وهو من قريته نفسها، إلى أن تمّ قتله في كمين رتّبه النظام بسبب مواقفه الإنسانية من الثورة.

بداية الإنشقاقات المعلنة

بعد أربعة أشهر من بدء الثورة السورية انشقّ آفاق أحمد وهو مدير المكتب الخاص في المخابرات الجوية. كانت تلك أول ضربة تتلقاها المخابرات الأسدية بعد بدء الثورة. يقول آفاق إنّه أرسل تقريراً عن حال الشارع السوري الى جميل حسن، رئيسه المباشر، قبل أشهر من اندلاع الثورة السورية، حذّره فيه من انفجار الشارع السوري ونصح باتخاذ إجراءات تحد من تدخّل أجهزة المخابرات في حياة الناس. لكن العميد جميل حسن رفض اقتراحاته وفنّدها واحدة بعد الأخرى. فما كان من آفاق إلا أن انشق عن المخابرات السورية.

ويقول آفاق وهو من منطقة صافيتا موجّهاً كلامه للطائفة العلوية: هناك خمسة آلاف جندي غالبيتهم من العلويين قُتلوا خلال مواجهات مع الجيش الحر أو الثوار، وهؤلاء قتلوا في معركة ليست معركة العلويين. وطائرة بشار الأسد لن تحمل معها ثلاثة ملايين علوي. وهو يورطكم يومياً أكثر فأكثر بدماء وبحرب ليست حربنا.

يعاني آفاق وضعاً أمنياً ومعيشياً صعباً بسبب محاولة النظام إرسال مجموعة لاغتياله في الأردن، في حين باءت بالفشل محاولات إخراجه من الأردن إلى بلد آخر آمن.

 إلى ذلك انشقّ المقدّم ركن تيسير علي ديب من القرداحة، عن القوى الجوية، في 17 أيار، يوم ظهر في فيديو وهو يشارك في التدريب في صفوف الجيش الحر، ويقول: “لما قامت الثورة ظننا ان هناك عصابات مسلحة، لكنّني عندما تعرفت على الجيش الحر اكتشفت أنه يتألف من جنود وضباط منشقين عن الجيش، لأنّهم شعروا بالظلم. وجدتُهم زملائي وإخوتي ونتعامل كمجموعة. لا أحد منهم يحب القتل، لا أحد منهم ترك منزله إلا نتيجة تهديم البيوت وردّ الظلم وحماية العرض، ووجدت معاملة جيدة بينهم ولا فرق بين واحد وآخر”.

في 14 أيلول أعلن العقيد الطيار الركن يوسف الأسد، رئيس الاستطلاع في قيادة الفرقة 20 جوية، وهو من طرطوس، انشقاقه عن الجيش النظامي. وقال في بيان انشقاقه “عن العصابة المجرمة وانضمامي إلى ثورة الشعب السوري”، إنه فعل ذلك “لِما قامت به هذه العصابة من قتل وتشريد واستعباد وظلم، وما قام به النظام من استخدام جائر للطيران بصنوفه كافة، في تدمير هذا الوطن وتدمير القرى والبلدات…”.

مسلسل انشقاقات الضباط العلويين سيستمر بسبب شعور هؤلاء الضباط والعناصر أن لا أمل في بشار الأسد وأركان حكمه وعائلته. فهو استغلّ الطائفة كوالده، ولا سيما شبابها في الجيش، ودفع بهم إلى المحرقة، لأجل استمراره في الحكم شهوراً إضافية. كان الأسد العامل الأكبر في تشويه صورة العلويين عند الشعب السوري والعالم.

على هذا فإن الإنشقاقات العسكرية للضباط وصف الضباط العلويين هي الوسيلة الأسرع والأقل كلفة، مادياً ووطنياً، لسقوط النظام، وهو ما يعيد صورة العلويين ناصعة عند الشعب السوري، الأمر الضروري لبناء سورية المستقبل، حرة واحدة مستقلة”.

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى