العنصرية المعادية للسوريين و العنصرية المضادة… وموت الأوهام/ مازن كم الماز
أصبح السوريون اليوم ، خاصة في أماكن لجوئهم ، الهدف الأسهل لعنصرية البلاد التي استضافتهم ، و أيضا لألاعيب الساسة وتوهيمات المثقفين ، بمن فيهم السوريين أنفسهم .. كحال الفلسطينيين على مدى عشرات السنين ، توفر آلامهم و دماءهم مادة خصبة للخيال ، للتحريض ، و للتلاعب بمشاعر الناس ، سواء معهم أو ضدهم، لقد أنتج المخيال المعادي للسوريين ، الرسمي والسائد ، السياسي والثقافي ، في بلدان اللجوء ، كما هائلا من الأوهام و الأساطير عنهم ، و صنفهم في نماذج تقوم على التعميم و التبسيط تنسب إليهم أنماط سلوك متخلفة أو إجرامية متأصلة الخ .. و النتيجة المنطقية لهذا التنميط هو تبرير المجزرة التي يتعرض لها بسطاءهم على يد النظام.
و في مواجهة هذه العنصرية ظهرت عنصرية مضادة ، أنتجت هي الأخرى أوهامها و أساطيرها عن السوريين، كحالة فوق إنسانية الخ ، خاصة عند مقارنتهم «بالشعوب» التي استضافتهم ، تستخدم نفس التنميطات و الأفكار المسبقة المهينة لهم بعد أن توجهها ضد «الآخر» .. بعد فترة انقطاع تخللها نقد قاس ، عادت مفردات ثقافة البعث للتداول و بنفس الحماسة الممانعجية ، لكن من قبل «منظري» الثورة هذه المرة ، و عاد السوري من جديد إلى مكانته التي حددتها له ثقافة البعث التي دبت فيها الحياة من جديد : مجرد لا شيء أمام الحضور الطاغي للوطن أو الطائفة أو الأمة أو القضية الخ، كان فعل الثورة الذي قام به السوريون أجرأ خطوة ممكنة نحو تحطيم أوهام الثقافة السلطوية السائدة ، و خاصة تهميشها للأفراد و تشييئهم (تحويلهم إلى أشياء) كتبرير لواقع استعبادهم.
لقد فرضت الحرب الدائرة اليوم في سوريا، ونتائجها الكارثية ، خاصة نزوح ملايين السوريين عن ديارهم ، و شهوة السلطة عند النخب ، فرضت منطقها المعاكس، تقوم ثقافة الحرب ، خاصة الحروب الأهلية ، على تنميط الخصم بهدف نزع إنسانيته، وتخلق ثقافة الحرب الأهلية أوهامها و أساطيرها عن «الأنا» و»الآخر» ، و رغم منطقية وجود رد فعل على أي فعل ، فالمشكلة في الأوهام الجديدة ، كما القديمة ، ليس فقط في كونها مجرد أوهام أو تزييف للواقع .. ليس للأوهام و الأساطير من هذا النوع ، أو أي نوع ، أية سمة تحررية ، مهما حاولت : الأوهام أيا كانت ليست في النهاية إلا سلاحا لخداع الجماهير ، أو وسيلة دفاعية تقوم على خداع النفس .. عندما يرددها «الطيبون» لن تكون تلك الأوهام أكثر من خداع للنفس بحثا عن عزاء ما ، و عندما يرددها المهووسون بالسلطة ، فإنهم يريدون خداع الآخرين.
على الصعيد النفسي المرضي ، من المعروف أن جنون العظمة يترافق دوما مع جنون الاضطهاد .. ليس هذا فقط ، بل إن الآلية أو الميكانيزم الأهم لهذه العملية النفسية العقلية المعقدة هي إلغاء أنا الفرد : لا تقوم فكرة «تفوق» مجموعة ما على سواها على احتقار الآخر فقط ، بل أساسا على احتقار أنا الفرد و إلغائها ، الأنا الخاصة بكل أفراد الجماعة ، و تحويل كل فرد من أفرادها إلى رقم ، مجرد صورة مكررة عن نموذج محدد سلفا ، أي باختصار إلى شيء ، أو في الواقع ، إلى لا شيء، كل فرد من هذه المجموعة إذا أخذ بمفرده ليس إلا صفرا كبيرا ، لا شيء ، كحال أو كحكم كل من يوجد خارجها، و يستمد كل فرد «أهميته» فقط من استسلامه الكامل للجماعة ، للصورة النمطية التي تلقنه إياها عن «هويتها» و عن «الآخر»، و استسلامه الكامل لهرميتها ، و كلما اقترب سلوكه و تفكيره من مستوى سلوك و تفكير الروبوت أو الببغاء كلما زاد تقمصه لفكرة تفوق جماعته على من سواها .. دون أن يفقد فرديته و يصبح مجرد رقم من أعداد لا حصر لها عن نموذج واحد يفترض تكراره بكل غباء ، لن يمكنه أو يحق له أن يتقمص ذلك الشعور باحتقار و امتهان الآخرين، باختصار، لم يتغير شيء : الوهم أو الوعي الزائف لن ينتج إلا تحررا زائفا، و ما زال تحطيم الأوهام شرط لا بد منه ليحرر الإنسان نفسه.