صفحات العالم

العنف في سوريا يُسابق عمل المراقبين الدوليين


ربى كبّارة

تُسابق أعمال العنف المستمرة في سوريا عمل المراقبين الدوليين الذين لم يتعدَّ عددهم بعد أصابع اليدين الاثنتين. وتهدد مواصلة النظام عملياته العسكرية مستقبل مهمتهم حتى لا يتعرضوا للخطر، خصوصا أن استكمال عديدهم ليصل الى ثلاثمئة سيكون بطيئا مع ضرورة موافقة النظام مثلا على جنسياتهم وقيامه بمراقبة تحركاتهم. فبروتوكول التفاهم يربط التنفيذ بالتراضي بين الطرفين: ما يوافق عليه النظام ينفّذ وما يرفضه يخضع للتشاور وصولا الى مخرج.

لكن صور الاقمار الاصطناعية فضحت مخطط النظام المستهتر بالضغوط الدولية التي تحثه على تلبية الجهود المشتركة للامم المتحدة والجامعة العربية لحل الازمة، رغم ان حماية المراقبين ومرافقة مندوبين عن النظام لتنقلاتهم توفر له فرصة تهيئة مشاهد تصب في مصلحة التزامه تنفيذ بنود الخطة السداسية.

فقد نفى الناطق باسم المبعوث الاممي احمد فوزي كلام وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن سحب النظام اسلحته الثقيلة وقواته من الاماكن السكنية بقوله “هذا لم يتحقق بعد. تصلنا تقارير من مصادر موثوقة بينها الاقمار الاصطناعية”.

كما أعلم المبعوث الاممي كوفي أنان أول من امس مجلس الامن الدولي، أن الرئيس بشار الاسد لم ينفذ بعد وعده بوقف العنف، وان ذلك “خطير وغير مقبول”، مشيرا الى تقارير تفيد أن القوات النظامية تعود الى بعض المدن بعد خروج المراقبين وتقتل بعض من التقوهم.

ويعزو ديبلوماسي لبناني سابق تلكؤ أنان في حسم موقفه من استمرار العنف الى عدم رغبته في اعلان فشل مهمته كمهمات سابقة مثل تلك التي قام بها في يوغوسلافيا مثلا. ويتوقع المصدر ان يضطر في النهاية الى حسم موقفه لانه لا يجوز أن ينجح النظام في الالتفاف على بروتوكول مع المراقبين الدوليين كما فعل مع المراقبين العرب.

كما ان نشر كامل عديد المراقبين سيكون شديد البطء رغم مهلة الثلاثة أشهر لعملهم التي حددها القرار 2043. فقد توقع مسؤول دولي ان يستغرق نشر مئة مراقب، من اصل ثلاثمئة، شهراً على الاقل رغم الاستعانة بعناصر من قوات حفظ السلام المنتشرة في المنطقة ومنها على سبيل المثال الناطق باسم قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان نيراج سينغ. يضاف الى ذلك اشتراط سوريا موافقتها المسبقة على جنسيات المراقبين ورفضها مثلا انتماءهم الى دول شاركت في “مؤتمر اصدقاء الشعب السوري” والتي بلغ عددها نحو ثمانين دولة.

ويتضافر بطء الانتشار مع مواصلة العنف ليضعا مصير مهمة المراقبين الدوليين في خطر التوقف. وبالتالي يصبح مشروعاً طرح سؤال عن امكان التحاقهم فعلياً بمهامهم، خصوصا أن قرار نشرهم ترك بين يديّ الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون تحديد ما اذا كان وقف النار يسمح بذلك. لكن القرار المذكور ترك، كسابقه، الباب مفتوحا بطريقة ملتبسة على احتمال اتخاذ مجلس الامن خطوات لاحقة، لم يحدد طبيعتها، اذا لم يلتزم النظام السوري.

في هذا الوقت يواصل النظام قمعه الدموي الذي ما زال يحصد العشرات يوميا منذ دخول وقف اطلاق النار مبدئيا حيز التنفيذ قبل اسبوعين، رغم “الاحاطة” التي يقدمها كوفي انان الى مجلس الامن كل خمسة عشر يوما، ورغم الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي ينعقد اليوم في القاهرة وعلى جدول اعماله متابعة جهود المبعوث الاممي العربي وآخر تطورات الوضع في سوريا، اضافة الى زيارة الرئيس احمدي نجاد لجزيرة ابو موسى التي ضمتها طهران وتطالب الإمارات بسيادتها عليها، ومناقشة القتال في السودان الذي ينعقد الاجتماع بناء على طلبه.

وفي ظل تلكؤ المجتمع الدولي عن تسليح المعارضة لتدافع عن شعبها، يبقى الرهان على مدى تصميم الثوار على متابعة نضالهم وخصوصا عبر التظاهرات السلمية التي لا تزال تحتشد يوميا في مئات من النقاط على الاراضي السورية. فتصميمهم وحدهم سيحول دون نجاح النظام باعتماد المراوغة ومحاولة الاستفادة من ظروف دولية مؤاتية.

ففرنسا مشغولة بانتخاباتها الرئاسية التي تجري دورتها النهائية بعد عشرة ايام. والاتحاد لاوروبي، الاكثر تشددا ضد النظام السوري، مشغول بانعكاسات نتائج هذه الانتخابات على دوره في المنطقة اذا فاز مرشح لا ينخرط في سياسته. أما الولايات المتحدة، فرئيسها باراك اوباما يأمل الفوز بولاية ثانية في الانتخابات التي ستجري في تشرين الثاني المقبل ولا يرغب في المخاطرة في اتخاذ اية خطوة قد تؤدي الى إضعاف رصيده الداخلي. وتركيا الدولة الوحيدة المؤهلة جغرافياً لتنفيذ خطوات عملية مثل اقامة مناطق عازلة او ممرات انسانية ما زالت، ورغم تشددها اللفظي، بانتظار تغطية دولية لم تتوفر بعد. وحدها روسيا، داعمة النظام الاسدي في مجلس الامن الدولي، أنجزت قبل اشهر انتخاباتها الرئاسية وباتت متفرغة لحماية النظام السوري كسبيل لتكريس نفسها قوة دولية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى