الفدرالية السورية… تقسيم مقنع/ ميسرة بكور
هل الفدرالية التي أعلنتها مجموعات كردية انفصالية ضيقة في مدينة الرميلان في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، ترسيخاً لمقولة الأسد «سوريا المفيدة» ويصبان في نفس الكأس المر، تفتيت سوريا من أجل المصلحة الفئوية الضيقة.
سبق وأن طرحت روسيا مقترحاً يتم بموجبة تحول سوريا إلى دولة «فدرالية « كبديل للدولة المركزية الحالية، ومدخل لحل سياسي وسط بين فرقاء الصراع السوري. ربما لقناعة باتت تترسخ لدى الروس مفادها عدم تمكن حليفهم الأسد من استعادة حكم سوريا مركزية كما كانت وعدم قدرته استعادة السيطرة على المناطق التي خرجت من قبضته.
المقترح الروسي لم يأت من فراغ، حتى وزير الخارجية الأمريكي قد لوح بسيناريو أشد خطورة من الفيدرالية، حينما قال أمام الكونغرس «ربما فات الأوان لإبقاء سوريا موحدة» في حال فشل العملية السياسية.
الفدرالية بالمفهوم السياسي ليست شيئا سيئا، بل هي نظام حكم منتشر في العالم أجمع؛ والكثير من دول العالم تتّبع هذا النوع من أنواع الحكم. لكن السؤال المطروح اليوم هل يصلح هذا المفهوم في سوريا وهل هو قابل للتطبيق خاصة في ظل هذا التفتت والتشرذم على الساحة السورية وفي ظل تنامي المشاعر القومية عند بعض الأكراد السوريين، وطوائف أخرى كانت شريكة لنظام الأسد في ذبح بقية المكونات السورية الرافضة لحكم عائلة الأسد، وعدم توافق لشعب السوري على هذا المبدأ «الفدرالية»؟
بالنظر إلى واقعنا على الأرض السورية، لا نجد أن الهدف من الفدرالية هو ذلك المعنى السياسي الذي تعرف به الفدرالية، وطرحها في سوريا لن يشكل حلا أو مدخلا لحل مستدام في سوريا.
الفدرالية المطروحة في سوريا، هي شكل من أشكال التقسيم، بعبارة أخرى «التقسيم المقنع» فالفدرالية التي تطرح على أساس تقسيم الجغرافيا السورية على أساس عرقي وطائفي وليس سياسيا وطنيا، هو عنوان واضح للتقسيم.
بالنظر للجهات التي تطرح فكرة التقسيم المقنع «الفدرالية « نجد أن أكثر المتحمسين لها هم فئات عنصرية تابعة لحزب العمال الكردستاني، الذي يدعو بوضوح لتشكيل دولة يطلق عليها أسم «كردستان « ويعمل على ذلك منذ عقود طويلة، فهدفه الرئيسي هو «كردستان» مستقلة.
مستغلةً الثورة السورية، مجموعات ما يسمونها وحدات حماية الشعب الكردستاني، قامت بتوفير كل أسباب ومقومات الانفصال عن سوريا، من خلال تشكيل ميليشيات عنصرية وإعلان حكم ذاتي وارتكاب عمليات تطهير عرقي بحق المكونات الأخرى من عرب وتركمان وحرقت قراهم وأجبرتهم على ترك مواطنهم الأصلية والتشرد في البراري والقفار نتيجة تصرفات هذه الفئة الباغية الحالمة بدولة كردية لا تعيش إلا في مخيلاتهم العنصرية.مدفوعين بالسلاح الأمريكي وتحالفهم مع روسيا التي تبنت طرح (الفدرالية) وروجت له، وافتتحت في موسكو 10 فبراير /شباط ممثلية أكراد سوريا.
وتبني ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا السيد ستيفان دي مستورا، الذي صرح أنه من الممكن طرح هذه الفكرة على طاولة المفاوضات في جنيف.
تندفع هذه الميليشيا العنصرية المارقة الخارجة عن مطالب الثورة السورية مُجِيره مأساة السوريين لخدمة مأربها الانفصالية.
لكن وفد الهيئة العليا للتفاوض الممثلة لمطالب الثوار رفضت هذا الطرح جملةً وتفصيلاً، كذلك خرجت مظاهرات في عديد من المناطق السورية بما فيها تلك المناطق التي يدعون تمثيلها بفدراليتهم المزعومة.ترفض فكرة الفدرالية وأي شكل من أشكال التقسيم المقنع.
وحدها منظمة حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني الإرهابي هي من تبنت الفكرة بل أعلنت فدراليتها من طرف واحد وفرضته على الواقع بقوة سلاح ميليشياتها.
هل من الممكن أن يستمر هذا الانفصال «الفدرالية»؟
لن يكون لمثل هذا الطرح أي مستقبل في سوريا لأنه مبني على أساس عنصري عرقي لا يهدف إلى وحدة سوريا الوطن والإنسان، بل هو مشروع ملوك الطوائف والعرقيات،التي ستكون متناحرة متقاتلة في ما بينها بحثاً عن النفوذ ومقومات الصمود حيث أن الأقاليم الطائفية المقترحة ليست كلها على سوية واحدة من حيث توزع الثروات النفطية أو الزراعية وكذلك السياحية، ولا يمكنها أن تصمد بمفردها وتستطيع تلبية متطلبات مواطنيها بسبب شح الموارد وضعفها ولا تتمتع بأغلبية ساحقة من العناصر الانفصالية المؤيدة للفدرالية. وأراضيها غير متواصلة أو مترابطة، بل الأغلبية الكاسحة في عموم أرض سوريا، من الرافضين لفكرة تقسيم سوريا تحت عناوين مزخرفة «فدرالية» لجعل سوريا مجموعة من الدول الطائفية، تتقاتل في ما بينها ولا تلتفت لبناء الوطن والإنسان.
ولا أعتقد أن المجتمع الدولي يرحب بمزيد من القلق والتطرف في منطقتنا، رغم رغبتهم بوجود دويلات ضعيفة لكن مشاكل الأمن والهجرة والتطرف،ستجعلهم يعيدون النظر في دعم التقسيم المقنع في سوريا «الفدرالية».
ثم أن الفدرالية بهذا المعنى ليست حلاً وهي غير مقبولة من عموم السوريين المخلصين لوطنهم، فالفدرالية لا تعني قيام مجموعة إرهابية عنصرية بتهجير السكان الأصليين وضم مناطقهم إلى إقليمها العرقي المزعوم.
وكيف لنا ان نصدق أن من يقوم بتهجير المواطنين من قراهم ومناطقهم بهدف ربط تجمعات سكانية لا تمت لهم بصلة بقوة السلاح إلى ارض الميعاد الكردية.
ثم من قال أن الفدرالية، تعني أن تقوم حكومة الإقليم بالسيطرة على الحدود والثروات الباطنية وتغيير أسماء المناطق وأسماء المحافظات إلى أسماء غريبة عن الواقع وليس لها أي صلة بتاريخ المنطقة. وأي فدرالية تلك التي تسمح بتشكيل جيش «البيشمركه» داخل الدولة ولا يتبع لوزارة الدفاع وكذلك قوات الأمن الداخلي التي لا تتبع للحكومة المركزية، بل مجموعة من عناصر انفصالية متطرفة ومن عرقية معينة.
لا يمكن لمثل هذا المشروع «التقسيم» المقنع تحت عنوان الفدرالية، أن يستمر لأن مكونات تلك الأقاليم الطائفية لن تنسجم في ما بينها لأسباب طائفية وعرقية، ومن ثم ضعف موارد معظم تلك الأقاليم، كون الثروة النفطية تتركز في مناطق شرق وشمال سوريا.
كيف نتوقع من هذه الفئة أن لا تعلن انفصالها عن سوريا في المستقبل، ألم نتعلم من الدرس العراقي.؟
وكيف لنا أن نثق بهم وهم يتعاملون بشكل كامل مع الاحتلال الروسي، كما أن العديد من عناصرهم تدربوا في معسكرات نظام الأسد، ومعظمهم يتلقى تعليماته من حزب العمال الكردستاني الإرهابي الانفصالي.
– كاتب وباحث سوري
القدس العربي