الفرات كما يرويه ذياب مشهور/ رائد وحش
ربما، لولا “يوتيوب”، لما كان هناك من يتذكّر المغنّي ذياب مشهور، صاحب “يا بو ردين” و”طولي يا ليلة”. الفنان السوري المولود عام 1946 في مدينة دير الزور، التي صارت ركاماً الآن، سطع نجمه بعد مشاركته في مسلسلي “صح النوم” و”ملح وسكّر”.
وبفضل الشّهرة التي حقّقها من ورائهما، وُلد لديه حلمٌ، تحوّل إلى مسؤولية مع الوقت، وهو نشر اللون الفراتي السوري، الذي ظلّ يعمل عليه إلى أن قرّر الانسحاب والاعتزال في التسعينيات.
الفنان الأُمي كلياً، اعتمد على قدرته السمعية وعلى أستاذ عثر عليه في منطقته وعلّمه المقامات الشرقية وفنون الأداء؛ استطاع أن يؤلف كلمات أغنياته ويضع ألحانها بنفسه. مشروعه في نشر الأغنية الفراتية السورية، الذي عمل عليه منذ السبعينيات، على نفقته الخاصة، من دون أي دعم من الدولة؛ يكاد يكون من المشاريع الغنائية السورية القليلة التي تتمتّع بهوية واضحة فكراً ومعنى في سوريا ما قبل الثورة. ذلك أن الواقع السوري، لأسباب تحتاج إلى بحث واسع، لم يبلور أغنية سوريةً خاصة، إلا باستثناءات قليلة، مثل صباح فخري (القادم بطبيعة الحال من مدرسة القدود الحلبية)، وفهد بلان الذي غرف من بيئة سهل حوران.
أهمية مشروع مشهور أنه أدرك أن ثمة ما هو خاص في بيئة الفرات السوري، يختلف كثيراً عن اللون العراقي، وإن بدا قريباً منه. الغريب حقاً أن السلطة كانت تدعم، وبشكل غير محدود، قسماً كبيراً من فناني لبنان، لمجرد أنهم يغنون في تمجيد “الأب القائد”، من دون اكتراث بالأغنية السورية وحاملي همّها.
غاب ذياب مشهور قبل زمن الحرب. كان الفنان قد قرّر أن يغيب، إذ شعر باليأس من الاستمرار في الحلم. لكنّ أغانيه كانت تجد طريقاً إلى الحضور على الدوام، إما باستعادات فنية، أو حتى عن طريق سرقاتٍ فجّة، كما حدث مع الأنشودة الدينية “يا طيبة”، التي ظهرت قبل عدة سنوات، ولم يكن لحنها إلا لحن أغنيته الشهيرة “يا بو ردين”.
لم تثر السرقة أي صدى على الإطلاق. هل لأن من يُنشد للدين يحق له أن يسطو على اللحن الذي يريده؟ في المناسبة، تعيش بعض فرق الإنشاد الديني على السرقات الفنية، حتى وصل الأمر بفرقة معروفة أن استبدلت منذ سنوات كلمات أغنية “التنورة”، لفارس كرم، بكلمات أخرى في مديح نبوي، لكن باللحن نفسه.
غاب ذياب مشهور قبل زمن الحرب. شعر الرجل أنه هزم كفنان وحالم، فانزوى. لم نعد نعرف شيئاً عن أخباره، وربما لم يعد مهماً أن نعرفها. لكنّ المهم أن غيابه عن المشهد الفني يشبه إلى حدّ كبير غياب مدينته دير الزور عن المشهد السياسي. فرغم أن سكانها نزحوا بنسبة شبه كاملة، وأنها دمّرت قبل المدن الأخرى، إلا أنها ظلت مغيّبة عن الإعلام. شيء يجعلنا نتساءل حول قفلة أغنيته “عالماية عالماية” التي تقول: “والله لأتبع أثرها/ مهما تكون النهاية”، إن كانت عن امرأة أم مدينة.
العربي الجديد