الفساد السياسي في الوطن العربي/ عرض/ محمود الفطافطة
يستعرض كتاب “الفساد السياسي في الوطن العربي” واقع ومظاهر وأبعاد الفساد السياسي في ست دول عربية هي: تونس وفلسطين ولبنان ومصر والمغرب واليمن. ويبين أن مظاهر الفساد السياسي في هذه البلدان تكاد تكون متشابهة، ما دامت الآليات التي اتُبعت في تسلم السلطة في معظم الدول العربية، لم تكن خياراً ديمقراطياً.
ويذكر الكتاب أن الدول التي يتفشى فيها الفساد السياسي يُطلق عليها “دولة الحرامية”، حيث يتم من خلال هذا الفساد زيادة ثروة المسؤولين والطبقة الحاكمة على حساب الشعب بأكمله، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال نهب المال العام. ويشتمل الكتاب على العديد من العناوين، إلى جانب المقدمة والنتائج والتوصيات.
في المقدمة يُعرف الكتاب الفساد السياسي بأنه “فساد طبقة الساسة والحكام وقادة الأحزاب وأعضاء الحكومة (النخب الحاكمة) -أياً كان موقعهم أو انتماءاتهم السياسية- حين يقومون بالتواطؤ باستغلال النفوذ السياسي لتوجيه القرارات والسياسات والتشريعات؛ لتحقيق مصالح خاصة بهذه الطبقة، أو أحد أطرافها أو الموالين لها، والإثراء غير المشروع من السلطة، أو الحصول على أموال غير قانونية لزيادة النفوذ المالي والاجتماعي، أو لتمويل حملاتهم الانتخابية وغيرها من الممارسات التي تتجاوز الشفافية”
ويشير الكتاب إلى أنه غالبا ما تنجح هذه الطبقة في بناء القطاع الأمني، وتشكيله على شكل أجهزة قوية تدافع عن النظام الحاكم والمتحكم، وعن الموالين له باعتبارهم رمزا للدولة، مقابل ضمانات وامتيازات لمسؤولي هذه الأجهزة، وغالبا ما ينخرط هؤلاء في إطار هذه الطبقة كشركاء أساسيين.
بعد ذلك، ينتقل الكتاب ليستعرض جذور الفساد السياسي في الأنظمة السياسية العربية كما أظهرتها الأوراق البحثية، حيث يبين أن هذه الأنظمة اعتمدت وسائل ومقومات متشابهة لضمان بقائها، تقوم على التحكم في القرارات الهامة المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الخاصة بشعوبها التي أُجبرت على الابتعاد عن المشاركة في إدارة الشأن العام، وتم إشغالها طوال الوقت في البحث عن تأمين لقمة العيش.
ويؤكد الكتاب أنه برزت في العالم العربي بيئة وفرص فساد غير مرتبطة بشخص معين، بل بجماعة أو شريحة كالحزب أو العائلة أو الطائفة، وأنه لم تتم مساءلة أو محاسبة المسؤولين عنها؛ بسبب ضعف السلطتين التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني.
وأدى فساد هؤلاء -وفق الكتاب- إلى انتشار حالة من الإحباط في أوساط العامة التي لم تجد حلا لهذه المعضلة سوى الثورة على هذا النظام لإنهائه والعمل على بلورة عقد اجتماعي جديد، يحقق للمواطن العربي طموحاته في الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية والكرامة ومكافحة الفساد.
ويرى معدو الكتاب أن معظم هذه الدول ما زالت في مخاض مفتوح لإعادة بناء عقد اجتماعي جديد، يعزز مفهوم الفصل بين السلطات وضمان عدم إتاحة الفرصة لإعادة توليد الاستبداد والفساد، وهي مرحلة تتطلب من كافة الأطراف -بمن فيهم المفكرون والخبراء في كل بلد- المساهمة في بلورة رؤية وطنية لشكل الدولة المدنية المعاصرة التي تقوم على أساس المواطنة والحكم الرشيد، وضمان وجود نظام وطني للنزاهة يحول دون العودة لتوفير فرص للفساد وإفلات الفاسدين من العقاب.
ويستعرض الكتاب أبرز مظاهر الفساد السياسي في العالم العربي، مؤكدا أن السيطرة على السلطات أصبحت بديلا عن الفصل بين السلطات، وأن هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات (التشريعية والقضائية) في هذه الدول أتاح للسلطة الحاكمة الاحتكار والتفرد باتخاذ القرار، وسمح بـ”اختطاف الدولة”؛ وهو ما يؤدي إلى وجود النظام الاستبدادي، والمس بالحقوق والحريات العامة، لأن اعتماد مبدأ أن رأس السلطة التنفيذية فوق السلطات جميعها جعل مبدأ الفصل بين السلطات لا معنى له.
وبخصوص واقع السلطة التنفيذية؛ فهي تعمل -حسب الكتاب- دون قيود أو محددات أو ضوابط فعالة، ودون إلزام قانوني بالعمل بشفافية كاملة، على عدة أصعدة مالية وإدارية، مع ضعف فعالية منظومة المساءلة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى نقص شديد في قيم النزاهة التقليدية.
وفيما يتعلق بمسألة منع تضارب المصالح، يشير الكتاب إلى أن مُعظم الدول العربية -التي شملها المسح- لا تتوفر على تشريع خاص وشامل يمنع تضارب المصالح لدى شاغلي الوظائف العليا، إذ يمكن الجمع بين وظيفة أو خدمة عامّة في إحدى مؤسسات الدولة ومصلحة مباشرة أو غيرِ مباشرة في شركة من شركات القطاع الخاص، واعتبر الكتاب ذلك “أمرا شائعا”.
كما أن عدم اعتماد مبدأ إفصاح المسؤولين عن ممتلكاتهم عزز قدرتهم على الانتفاع بالسلطة وأتاح لهم التجارة بالنفوذ. ورغم وجود نصوص قانونية صريحة تتعلق بالإفصاح عن الممتلكات، فإن هذه المنظومة غير فاعلة في التطبيق.
ويناقش الكتاب قضية حق الوصول إلى المعلومات ليؤكد أن الإرادة السياسية لإقرار هذا الحق وتفعيله غير متوافرة. ويضيف أن “المعلومات والسجلات العامة محتكرة من قبل المسؤولين وممنوعة من العامة”، وأنه ما زالت أغلبية الأقطار المعنية “تفتقر” إلى قانون ينظم هذا الحق، ولم تعرف مجتمعاتها مبدأ السجلات العامة المفتوحة، بل إن التشريعات تقيد المعلومات متذرعة بعدة ذرائع مثل حماية الأمن القومي.
كما يواجه هذا الحق عدة عقبات كغياب النص الدستوري الضامن لهذا الحق، وغياب التشريعات الحامية له، أو عدم وضوحها وشموليتها.
وبشأن إجراءات تعيين أصحاب المناصب العليا، يبين الكتاب أن السيطرة على عملية اتخاذ القرار في تعيين كبار المسؤولين وغياب إجراءات شفافة ونزيهة في تعيينهم، يشكلان قاسما مشتركا في أغلبية الدول العربية.
ويضيف الكتاب “إن تحكم رأس السلطة التنفيذية في هذه التعيينات وغياب الجهة التي تشرف أو تتأكد من نزاهة عملية الاختيار، يفتح المجال لاختيار عناصر بعينها وفقا لاعتبارات فئوية أو حزبية أو عائلية، ومن ثم استبعاد الخصوم السياسيين من هذه المناصب او التنافس عليها”.
ويعالج الكتاب مسألة استخدام قوانين الطوارئ للالتفاف على سيادة القانون وتقييد الحقوق والحريات العامة، مشيرا إلى أن الطبقة الحاكمة تستغل هذه القوانين للهروب من احترام سيادة القانون.
ويسرد الكتاب واقع السلطة التشريعية ليبين أنها تعاني من سيطرة السلطة التنفيذية، كما غابت عنها المعارضة السياسية الفعالة، وهو ما أدى إلى فشل برلمانات هذه الأنظمة في لعب دور أساسي في محاربة الفساد، كما فشلت في كسر الحلقة المغلقة التي يشكلها الفساد السياسي. ومثلها واقع السلطة القضائية الذي يضع جهاز النيابة العامة في يد المسؤول الأول مباشرة، ويُستخدم لتعزيز نفوذ النخب الحاكمة، وحمايتها من المساءلة وتسهيل إفلاتها من العقاب.
أما بخصوص الانتخابات العامة، فيبين الكتاب أن النخب الحاكمة صممت الأنظمة الانتخابية لتمنحها القدرة على التحكم المسبق في نتائج الانتخابات وشكل البرلمان.
كذلك، فإن النظام السياسي الحاكم يتصرف في إدارة الأموال والممتلكات العامة باعتبارها ملكا للحاكم أو الحكومة وليس للدولة، علاوة على أن عدم وجود رقابة برلمانية فاعلة على إنفاق المال العام شكل مدخلا لنهبها. كما يتصل بذلك استخدام أو تخصيص أراضي الدولة أو بيعها لصالح شركاء أو وكلاء النظام أو توزيعها على الموالين.
وفي السياق ذاته، يناقش الكتاب واقع الجيش والمؤسسة الأمنية، حيث يؤكد تكريس سياسة زيادة أعداد الأجهزة الأمنية وأنواعها، وتوفير الامتيازات لمسؤوليها على حساب مؤسسة الشرطة المدنية وسيادة القانون والخزانة العامة. كما أصبحت هذه الأجهزة أداة بيد الطبقة المسيطرة لفرض سيطرتها، وتوفير الحماية لها وقمع معارضيها، ولا تخضع موازناتها ونفقاتها لرقابة فعلية من البرلمان وأجهزة الرقابة الأخرى.
وفي حديثه عن الأحزاب السياسية، يؤكد الكتاب أن أغلبيتها تعاني من غياب الدمقرطة، ولا تعقد مؤتمراتها إلا نادرا، ولا يتم التداول على مراكز القيادة فيها، وتمثيل الشباب والنساء فيها ضعيف. ويشير إلى أن معظم الدول العربية سمحت بالعمل الحزبي في إطار شروط تقييدية أفرغته من مضمونه.
وبشأن المنظمات الأهلية، فإن سياسة تحجيم ومحاصرة العمل الأهلي واحتواء قياداته وتضييق موارده المالية أضعف المساءلة المجتمعية. أما الإعلام، فإن استخدام الإعلام الرسمي للترويج للنظام وسياساته ورموزه أضعف دوره الاستقصائي وعزز الرقابة الذاتية لدى إداراته.
ويخلص الكتاب إلى تأكيد أهمية التشخيص الواقعي والموضوعي لظاهرة الفساد السياسي في المنطقة العربية وأشكاله وأسبابه؛ تمهيدا للمساهمة في بناء إرادة سياسية فعالة، ومن أجل تطوير إستراتيجيات وخطط تطبّق على الصعيد المحلي في كل قطر عربي، لمنع عودة هذا الفساد والوقاية منه، ومن ثم بناء نظام وطني فعال للنزاهة في هذه الأقطار.
الجزيرة نت