الفصائل السورية ومخاطر الاقتتال/ بشير البكر
لا يمكن فهم ظاهرة الاقتتال بين فصائل محسوبة على المعارضة السورية المسلحة إلا من منظور صراع المصالح، في وقتٍ يواصل فيه النظام عمليات التهجير الطائفي، وقضم المناطق المحرّرة، وتتم عملية روسية مكشوفة لتقسيم سورية تحت مسمى “مناطق تخفيف التوتر”.
ويندرج الاقتتال ضمن الأمراض التي أصابت الثورة السورية، وهي الظاهرة التي لا تقتصر عليها وحدها، بل هي بمثابة فيروس معدٍ أصاب قبلها ثوراتٍ كثيرة، حتى أنه أودى بحياة بعضها، وحرف البعض الآخر عن هدفه، إلا أن المفارقة البارزة أن الثورات الأخرى لم تصل إلى التردي، إلا بعد تجربة سنوات، في حين أن الثورة السورية واجهت، منذ البداية، ظواهر مرضية كالفساد.
وبمناسبة ظاهرة الاقتتال الداخلي، يجدر التوقف عند ثلاث نقاط هامة: الأولى، أن الثورة السورية بدأت ثورة شعبية، ولم تكن لها قيادة سياسية تحرّكها، وما تشكل من هيئاتٍ لاحقةٍ لقيادة الثورة لم تفرزه الثورة من داخلها، بل جاء من خارجها، وحصلت محاصصاتٌ تحكّمت فيها التدخلات الإقليمية والدولية. والثانية، أن الحراك العسكري بدأ على أساس هدف الدفاع عن التظاهرات السلمية، ولم يكن المطلوب منه تشكيل فصائل عسكرية لإسقاط النظام بالقوة المسلحة، ولكن النظام دفع الموقف نحو مستوىً آخر، وهو الذي يتحمل، بالدرجة الأولى، مسؤولية ظاهرة عسكرة الثورة، التي لم يكن لها أي مفعول إيجابي كبير حتى الآن، في ما يخص المطالب التي ثار الشعب السوري من أجلها، وهي الحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد.
أما النقطة الثالثة فهي أن المفاوضات السياسية الجارية لم تتم على أساس نتائج المواجهات الميدانية، ومسار جنيف لم تفرضه الفصائل العسكرية المقاتلة، بل جاء نتيجة توازنات إقليمية ودولية. وهنا، يجب الاعتراف بأن الوضع الميداني كان ورقة ضغط مباشرة على النظام الذي فقد السيطرة على القسم الأكبر من سورية، ولم يتم توظيفه لهدف إزاحة النظام بسبب اعتماد مقاربة أن الحل في سورية سياسي وغير عسكري، في حين لعب النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس بهذه الورقة، حين اختزلوا كل مطالب الشعب السوري إلى حراك مسلح، وأخذوا من الواقع الميداني معيارا يتحكّم بطاولة المفاوضات. ولذلك، تراجع سقف مطالب السوريين منذ بداية التدخل الروسي المباشر إلى جانب النظام في سبتمبر/ أيلول 2015، وباتت نتائج المواجهات العسكرية المدخل إلى الحل السياسي على الطريقة الروسية، وهذا ما فرضوه عبر مسار أستانة، الذي سوقوه من خلال اتفاق أنقرة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي على وقف إطلاق النار.
تمكنت روسيا، من خلال آلتها العسكرية، أن تغير المجرى العام للقضية السورية، ولم يكن مسار أستانة إلا كناية عن فخٍّ نصبته من أجل تفريغ عملية جنيف من مضمونها، وهذا ما استطاعت أن تفرضه من خلال “مناطق خفض التوتر” الأربع التي تعمل على نسخها في مناطق أخرى.
ومن اللافت أن روسيا بدأت في أثناء جولة جنيف 6 الترويج لنهاية جنيف، وأشاعت أن بعض الفصائل العسكرية يسير على منوالها أو يلتقي مع أجندتها السياسية، من أجل سحب البساط من جنيف إلى أستانة، وتحويل القضية السورية إلى نزاع مسلح، ينتهي بوقف إطلاق النار، وتعويم رئيس النظام بشار الأسد، الأمر الذي يعني تمييع العملية السياسية برمتها، والقفز فوق التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري منذ ست سنوات.
على الرغم من التراجعات الكبيرة، وما تلقته الفصائل المسلحة من ضربات، لا تزال الفرصة أمامها من أجل إجراء مراجعة شاملة للعمل العسكري من منظور وطني، يأخذ في الاعتبار ما يهدّد سيادة سورية ووحدة ترابها، وطرد الأجراء الذين يعملون لأجنداتٍ خارجيةٍ، لا صلة لها بقضية الشعب السوري.
العربي الجديد