الفصل والوصل في مؤتمرجنيف 3/ خليل حسين
ثمة فصل ووصل واضح في بعض جزئيات ملفات المنطقة، ففيما يشهد بعضها تصعيداً أمنياً وعسكرياً واضحين، يسير بعضها الآخر في مسارات دبلوماسية تفاوضية، علنية تارة ومخفية تارة أخرى . والمفارقة فيها، أن عمليات الاستثمار تتواصل فيما بينها بصرف النظر عن تداخلها المباشر أم لا .
فقد انفرط عقد مؤتمر جنيف السوري الثاني من دون تحقيق شيء يذكر، سوى اعتباره ممراً إعلامياً إعلانياً لانعقاده، استفاد طرفا التفاوض منه، لتأكيد شرعية حضوره وعدم إمكانية شطبه أو تحجيمه في المراحل اللاحقة، فما هو مصير المؤتمر الثالث، وما هي أدوات الوصل والفصل فيه؟
في المقلب السوري الداخلي، استفاد النظام عملياً من أحداث أوكرانيا والتورط الروسي فيها، فحقق تمدداً في جبهة القلمون، وفي الوقت الذي تأججت النزاعات الباردة بين موسكو وواشنطن على خلفية ما جرى في القرم، لم يتمكن الاثنان من متابعة إدارة الأزمة السورية وفق المعايير التي سادت في الفترة السابقة، ما أتاح لأطراف الأزمة السورية اللعب في الوقت الضائع في محاولة لقلب توازنات داخلية تتيح تحسين شروط التفاوض المقبلة إذا انعقدت .
في المقابل، استؤنفت مفاوضات جنيف الإيراني بسلاسة نسبياً، من دون تسجيل مواقف اعتراضية صلبة، تهز أسس خريطة الطريق المرسومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بل ثمة شبه اتفاق على التوقيع النهائي في 13 مايو/ أيار المقبل رغم بعض الثغرات التي من السهل تذليلها بحسب الأطراف المعنيين، لا سيما مسألتي مفاعل آراك وفوردو .
وإذا كان الربط والوصل واضحين نسبياً بين المؤتمرين السوري والإيراني، فثمة فصل نسبي واضح في الملف اللبناني وتداخله مع الأزمة السورية . ففي الوقت الذي انطلقت فيه الحكومة وتراجعت الأعمال التفجيرية ذات الطابع الإرهابي، تقدمت ملفات ذات صلة بالاستحقاق الرئاسي الذي ستنتهي ولاية الرئيس الحالي في 25 مايو/أيار المقبل، في وقت تتزامن فيه الانتخابات الرئاسية السورية، فهل سيكون 13 مايو/أيار المقبل تاريخ توقيع الاتفاق الإيراني مع مجموعة الست، إيذاناً بفصل وحلحلة الملفات الأخرى؟
ثمة مؤشرات لا يستهان بها، لإمكانية تقديم تنازلات متبادلة مهمة في بيئة البرنامج النووي الإيراني، وهذا ما يُستشف من مواقف المفاوض الإيراني في قضيتي آراك وفوردو، يقابله نوع من غض الطرف الأمريكي تحديداً، إزاء الملفات الفرعية اللبنانية والسورية التي تهم طهران . وفي هذا المجال ثمة همس في بعض دوائر صنع القرار إقليمياً ودولياً عن الربط والوصل بين انتخابات الرئاسة اللبنانية والسورية، في تأكيد غير مباشر حول ربط الأزمتين اللبنانية والسورية مستقبلاً لجهة إدارتهما والمكاسب الإقليمية والدولية المتوقعة .
في الواقع، تبدو هذه الصورة النمطية من التداخل والتشابك بين ملفات المنطقة الداخلية والخارجية، أمراً مألوفاً في وقائع المنطقة ويومياتها، لكن الجديد فيها، الميل باتجاه تحديد أطر وظيفية جديدة لبعض دول المنطقة وأنظمتها، بحيث إن استمرت ستبقى مقيّدة بأجندات محدّدة، تنتهي بتسويات لملفات زاد عمرها على النصف قرن، وهي من مخلفات القرن الماضي ومن بينها الصراع العربي “الإسرائيلي” وبرامج مفاوضاته المفترضة نهاية المطاف .
إن التدقيق في العلاقات الدولية وإدارة أزماتها، تثبت استمرار مظاهر الصراعات والحروب بشكل متواصل، ورغم ذلك فالحروب ليست حتمية، فإذا ما زالت أسبابها زالت حتميتها، وهو أمر ممكن في مطلق الأحوال ولو كانت صعبة، من هنا يبدو أن الوصل والفصل هو مسار دائم في إدارة الأزمات ومنها السورية، ف”جنيف 3″ ربما وضعت ظروفه على نار حامية ريثما يصل منتصف مايو/ أيار المقبل .
الخليج