الفن والثقافة والثورة السورية
غسان المفلح
إلى سميح شقير ومي سكاف..
“ياحيف” أغنية سميح شقير من وحي الأيام الأولى للثورة السورية، وتحولت إلى نشيد حزننا وأملنا يا سميح، الذي غنى لأطفال درعا، وكثف محنة سورية في ابتلاءها بنظام من القتلة، ليس اقطاع جديد وحسب كم عبر ياسين الحاج صالح في مقالته الأخيرة، وكما كنا نعبر عن ذلك دوما، وأن التحليلات التوصيفات الدلالية عمن يحكم سورية، كانت كلها تمارين ثقافية عند الجادين، وفذلكات ثقافوية عند مثقفي الاستبداد، ومن أعطوا ابشع صورة عن مفهوم العلمانية، وكان من حق الناس ازدراء هكذا نوع من العلمانوية تدافع عن القمع بطريقة ساقطة ومنحطة، وتحقر مجتمعها، مجتمعها الذي يعيش تحت ظل أبشع ديكتاتورية عرفتها المنطقة برمتها، ابشع مافيا حكمت بلدا وافقرته اقتصاديا وسياسيا وحاولت ولاتزال تحاول أن تفقره أخلاقيا، إنها شبكة من المافيات تتوزع الفن والثقافة والاعلام، شبكة تكرست تحت آلة القمع والتطييف والتزييف، حتى باتت تحتل كل جدران بيوتنا، وجدران حاراتنا بصورها التي يخرج منها دود قلة الضمير، يخرجون على شاشات تلفزيونات النظام القاتل، ويتمنطقون بطريقة أن كل العالم يتآمر على مافياتيهم الطائفية والفنية والثقافية. يريدون من الاعلام العربي والعالمي وخاصة قنوات الجزيرة والعربية والبي بي سي أن تصمت عمن يذبح الشباب والاطفال وينتهك كل الحرمات براحة ضمير، فأي ضمير هذا الذي يحكم سورية إذا؟ نتفهم الخلاف في الرأي ونتفهم أن يكون هنالك مساندا للنظام سياسيا، ولكن كيف يمكن أن نتفهم من يدافع عن حصار وقتل أطفال درعا وتلبيسة وحمص والآن تلكلخ، أو يقلع أظافرهم…متى كان الاطفال سلفيين؟
لم تعد الثورة تحتاج إلى دبلوماسيات سياسية، هذه تستخدمها أطر المعارضة، ومن حقها أن تستخدم لغة دبلوماسية في تعاطيها مع الشأن السوري، الذي بات فيه عهر الثقافوية أشد خطرا على سورية ومستقبلها من أسلحة النظام وأجهزته الأمنية وعسكر فرقته الرابعة وقناصاته المتوزعة على شوارع الوطن..
انتم ضد السلفيون لماذا تعتقل روز ياسين حسن وعمار ديوب وجلال نوفل؟ يعتقلون ويدعون للحوار، والذي كثفت عينة منه الفنانة السورية الأكثر أصالة وسورية مي سكاف بقولها” ذهبت إلى الحوار الوطني وإذا به محاضرة وطنية.. أدليت بدلوي.. أقصد صرخت بدلوي.. وخرجت.. يا شماتة بعض من رفقاتي فيي.. ولكنني ما زلت مؤمنة بحقي في التعبير عن رأيي”.
كم لدينا مثل مي سكاف وسميح شقير؟
الوطن الآن على المحك، إما أن تكون مع العهر السياسي والثقافي والطائفية والقتل الجماعي والامتيازات المافيوزية، او تكون مع مطلب الشعب بالحرية والكرامة، لايوجد موقف وسط، يوجد موقف خائف وهذا مشروع ومفهوم، يوجد موقف لا يثق بالمعارضة التقليدية رغم كل ما دفعته من أثمان تعجز عنها شعوب بكاملها، أيضا مفهوم ومفسر ومبرر نسبيا، لكن أن تقول ان أطفال درعا وحمص وتلكلخ سلفيين، ونساء بانياس يحملن السلاح، فهذه لم تعد في حيز السياسية والرأي بل في حيز انعدام الضمير والأخلاق، الصمت أبلغ في التعبير عن الحقيقة، من نكرانها بطريقة أترك للقارئ حرية تسميتها كما فعلت سلاف فواخرجي وزوجها وزهير عبد الكريم وفراس سواح، وكما فعل عبد المنعم عمايري وزوجته أمل عرفة…والأسماء كثيرة والعينات تشير إلى ما وصلت إليه حال البلد في صف السلطة..
هنالك أمل مترسخ بالعمق التاريخي لهذا البلد، امل في الاحساس الجمعي الذي يحاول النظام التملص منه وحرقه عبر تصوير تاريخ هذا البلد بأنه بلد لم يعرف التاريخ إلا على عهد التصحيح وقاتلي الاطفال في المدن السورية. إنه المشترك الجمعي في عمق الوعي السوري الذي ترسخ عبر قرون من التعايش والتسامح، أنا لا أبيض تاريخ سورية، لكنه هو كذلك أبيض كقلب من غنى لأطفال درعا، أبيض كقلب مي سكاف، ابيض كقلوب شباب سورية الذين هتفوا لمواطنية سورية حضارية، جاهد هذا النظام لقتلها، وسجلوا انصع ثورة بوجه اعتى نظام قاتل.
أنا أيضا لا أحرض أنا أحاول أن اكتب بعضا يسيرا جدا مما يجول في داخلي وداخل كثر من الناس..هكذا أزعم، وهكذا يا صديقتي الشاعرة السورية فرات أسبر، انا لم أنسى ولن أنسى رفاقي وأصدقائي من قرى الساحل السوري، ليتني نسيت كي استطيع الكتابة بأريحية أكثر، إن النظام وشبيحته عندما يهددون أسرة المعتقلين والكتاب والصحفيين من أمثال الدكتور منذر خدام ومعن عاقل، يخبرنا أن صوتا واحدا من هناك، من قرى جبل الساحل له مفعول عشرة أصوات لا بل عشرين صوتا من اصواتنا..
كيف استطاع النظام أن يستولي على المجال العام في جبال الساحل وجبل حوران وأكثرية المجال في الطوائف المسيحية” إنه الامتياز الأقلاوي المتراتب والمنضدد سلطويا بحيث يصب في العائلة الحاكمة في النهاية يصب ثروة وتسلطا منقطع النظير؟ سؤال من الصعب علي في ظل هذا الزيف الذي نعيشه أن أجيب عليه، وأتمنى أن يكون هنالك من يجيب عليه. العداء للأكثرية السنية عند بعض الفعاليات الطائفية المرتبطة بالنظام مفهوم ومفسر، ولكن التصفيق لقتل أطفال درعا وقصف حمص وتلكلخ بالدبابات وحصار دوما وغيرها من المدن السورية، من قبل هذه الفعاليات هو الذي يعبر عن ثقافة الكراهية التي رفضها شباب الثورة السورية، وتفهموا أسبابها، ولهذا هم لايزالون مصرين على اللا للعنف ولا للطائفية ولا للتدخل الخارجي رغم صرخات النساء وبكاء الأمهات، هم من اشتقوا بدمهم هذه الشعارات ونحن لن نزايد عليهم وهم من حقهم أن يعيدوا بناء سورية ومستقبلها.
أما موضوعة الحديث عن تدخل خارجي وأمريكي، فهذا أمر بات الحديث عنه مضحكا حقا، ولم أعد أريد التحدث عنه لأنه كتب ويكتب عنه كثيرا، اضع مسدس في رأس أطفالك واقول لك ممنوع ان تطلب النجدة من أحد؟ فيأتي بعض زاعمي المعارضة والثقافة يقولون لك والمسدس في رأسك إذا استجرت بطرف آخر فأنت خائن” أما المسدس المصوب على رأسك فيغيب عن لوحة وطنيتهم المتشددة جدا!! منطق عجيب ولا يستوى!! ومع ذلك موقف الغرب الآن لايزال حاضنا للنظام، رغم ما أرسله البارحة بمناسبة يوم النكبة من مسيرات نحو الجولان السوري ليؤكد أن رامي مخلوف ليس ناطق رسمي باسم النظام فقط بل هو يساهم في صياغة عمليات القتل في سورية، وحجته أنه لا استقرار في إسرائيل دون استقرار النظام السوري. أما الحكومة الإسرائيلية إعلاميا قالت أن هذه الحركة من قبل النظام السوري للتغطية على جرائمه بحق شعبه ومن جهة أخرى هي أيضا قتلت الشعب معه، طالما تعرف أنه هو المسبب بذلك كما تقول، فماذنب الشباب الذين خرجوا إلى الجولان؟ ولايزال الخطاب الإسرائيلي حاميا للنظام…وأياك أيها الكائن المصوب مسدسا إلى رأسك ورأس أطفالك أن تطلب النجدة من أحد بل عليك أن تقتل بصمت..أنا الآن ضد التدخل العسكري أيا يكن مصدره. لأن ما هو موجود في الغرب لايزال حاميا للنظام…فإن تدخل لوقف الدم السوري فسيتدخل من أجل إعادة الأمور إلى نصابها الأسدي برتوش غربية جديدة…لهذا أنا ضد التدخل العسكري في سورية.
هذا بعضا مما جال في خاطري وأنا اتابع قصف مدينة تلكلخ…واستمع لأغنية سميح….” ياحيف”