الفيتو الروسي والتواطؤ الغربي بشأن سورية/ عوض السليمان
أجهضت روسيا والصين مشروع قرار فرنسي، لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، بهدف تقديم مجرمي الحرب في سورية إلى العدالة. وكان الموقف الروسي متوقعاً إلى حدّ بعيد، ما يطرح، على الفور، تساؤلاً مهماً، لماذا، إذن، تقدمت الدول الغربية بهذا المشروع، وهي تعرف مسبقاً نتيجة التصويت عليه؟
ردّ إعلاميون وسياسيون فرنسيون وغربيون على التساؤل بأن فرنسا وشركاءها يريدون إحراج روسيا أمام العالم عامة، والشعب السوري خاصة. وهو جواب يتسم بالفقر، وببعض الحماقة، فقد عطّلت موسكو سابقاً مشروعَين لصالح الثورة السورية، واحتلت شبه جزيرة القرم أمام مرأى العالم، وأجرت انتخابات هزلية فيها، وأرسلت جنودها وأسلحتها إلى بشار الأسد، ولم نر أي حرج على وجه فلاديمير بوتين، ولا على وجه السياسيين الروس على الإطلاق.
من المؤسف أن يظن “متابعون” أن الولايات المتحدة الأميركية والغرب بذلا جهوداً حقيقية في مساعدة الشعب السوري، ورفع الحيف عنه، لكنهما عجزا عن ذلك، بسبب الفيتو الروسي الذي استخدمته موسكو للمرة الثالثة.
أضحكني تعليق المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، سامانثا باور، على الفيتو الروسي، فقد قالت “الشعب السوري لا يرى العدالة تتحقق اليوم، بسبب الدعم الروسي لنظام بشار الأسد، والاعتراض الروسي الصيني يدعم المتطرفين، ولا يحقق حماية الأسد”.
لا نريد أن نذكّر، مرة أخرى، بأفعال الولايات المتحدة المشينة في العالم، ووقوفها مع الكيان الصهيوني، وتسهيل احتلاله فلسطين وتهجير أهلها، وما فعلته بالشعبين، العراقي والأفغاني، لكن ألا يتذكر الشعب السوري أن الولايات المتحدة منعت وصول السلاح إليه، وقرصنت سفن السلاح المتوجه إلى الثوار؟ وهل ينسى أنها رفضت مساعدة الثوار بالسلاح النوعي، أو بمضادات الطيران، رفضت إقامة منطقة حظر جوي فوق سورية، لحماية تقدم الثورة العسكري؟ فعلى السيدة سامانثا أن تتذكر ذلك كله، وأن تتذكر أننا بالفعل لن ننسى.
” ألا يتذكر الشعب السوري أن الولايات المتحدة منعت وصول السلاح إليه، وقرصنت سفن السلاح المتوجه إلى الثوار؟ وهل ينسى أنها رفضت مساعدة الثوار بالسلاح النوعي، أو بمضادات الطيران، ورفضت إقامة منطقة حظر جوي فوق سورية، لحماية تقدم الثورة العسكري؟”
أما المندوب البريطاني، مارك ليال، فقال إن روسيا والصين اختارتا وقف تحقيق العدالة ضد نظام مجرم، وإن بلاده سوف تبحث عن حلول أخرى لإيصال مرتكبي الجرائم إلى العدالة.
أليس غريباً أن تبحث بريطانيا، أيضاً، عن الحلول، كحليفتها أميركا، وتتذرعان على الدوام بالفيتو الروسي؟ سنفترض، جدلاً أننا صدقنا ذلك. ففي هذا المقال حلان يعرفهما الغرب جيداً، بل واستخدمهما في مراحل سابقة.
أما الأول “الاتحاد من أجل السلم”، وهو القرار رقم 377، والذي أجبرت فيه واشنطن الأمم المتحدة على استصدار نصٍ، يقضي بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس مجلس الأمن، تتحمل مسؤولياتها في حماية السلم والأمن الدوليين، ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة العسكرية. وكان في وسع الولايات المتحدة والغرب اللجوء إلى تفعيل هذا القرار في سورية، في حال وجدت الإرادة لذلك. وينص القرار الذي تم تبنيه في العام 1950 صراحة على حق الجمعية العامة في الانعقاد في دورات غير عادية، وحقها في اتخاذ الخطوات المناسبة لمهامها، بما في ذلك الفصول، الخامس والسادس والسابع. وكان الهدف من القرار تجاوز تعطيل التدخل العسكري، في حال استخدام أحد أعضاء مجلس الأمن حق النقض.
أما الثاني فهو مبدأ “مسؤولية الحماية”، وباختصار، إنه بدأ بالتبلور منذ العام 2001، حيث طرحه كوفي أنان تجنباً لحدوث مجازر جديدة، كالتي حدثت في راوندا. ومبدأ مسؤولية الحماية يجيز التدخل العسكري في البلاد التي قد يتعرض أهلها للإبادة الجماعية، أو التطهير العرقي، في حال رفضت الدولة حماية مواطنيها، أو عجزت عن ذلك.
وصرح بشار الأسد في أكثر من مناسبة أنه لم يستطع، حتى اليوم، القضاء على الإرهاب في سورية، بسبب “المؤامرة الكونية التي يتعرض لها نظام الممانعة”، وبالتالي، وحتى بالنسبة للذين يعتبرون الأسد على حق، ويعتبرونه رئيساً شرعياً، فإن مبدأ مسؤولية الحماية ينطبق على الحالة السورية انطباقاً تاماً، ويستدعي تدخلاً عسكرياً فورياً لحماية الشعب السوري، فالرجل وحسب تصريحاته السابقة، عجز عن حماية السوريين، وأصبحت مسؤولية الدفاع عنهم تقع على كاهل المجتمع الدولي، فأين المجتمع الدولي هذا؟ بل إن الولايات المتحدة نفسها منعت ذلك التدخل.
يدرك الناظر إلى القانونَين السابقين أنه كان على المجتمع الدولي أن يستخدمهما منذ الأيام الأولى للثورة السورية، أي منذ استشهاد عشرات السوريين، وليس بعد استشهاد أكثر من مائتي ألف، واستخدام صواريخ سكود والبراميل المتفجرة لإبادة مدن بأكملها، سكانها ومبانيها. لكن، ومع ذلك كله، لا يزال الغرب والولايات المتحدة يبحثون عن حلول!
ماذا بقي للسوريين؟ بقي لهم الاستمرار في ثورتهم حتى إسقاط الأسد بأنفسهم، ومحاكمة مجرمي الحرب بأنفسهم، ولا أظن ذلك سيطول.
العربي الجديد