صفحات سورية

القاعدة في ‘الميادين’.. انحياز للنظام وتحريض على قصف المدينة المنكوبة

 

حسين سليمان

نشرت وكالة رويترز خبرا عن مدينة الميادين السورية، وتم أيضا نشر الخبر في صحيفة القدس العربي في يوم 31 من كانون الثاني 2013، تحت عنوان ‘بلدة سورية تعيش تحت حكم القاعدة: منع النساء من ارتداء السراويل وحظر الخمور’ وبداية الخبر يقول ‘في بلدة صغيرة في شرق سوريا أزال متشددون إسلاميون تماثيل عرض الملابس العارية التي يرونها مثيرة جنسيا من المتاجر. كما منع أعضاء جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة النساء من ارتداء السراويل (البنطلونات) مفضلين على ذلك ارتداء لباس فضفاض أسود لا يحدد الجسد ويغطيه من الرأس الى القدم. وتعطي البلدة التي يبلغ عدد سكانها 54 ألاف نسمة والمطلة على نهر الفرات لمحة عما يمكن أن تكون عليه الحياة اذا سيطر المعارضون الاسلاميون على مناطق مهمة في سوريا مع تكبد الرئيس بشار الاسد لمزيد من الخسائر على الارض.

جاء هذا الخبر- بغض النظر عن بعده عن الصحة وافترائه- على هيئة مقال وليس خبرا فقط، يجد القارئ فيه انحيازا للنظام السوري وما يفعله من مجازر يومية بحق الشعب ورأيا فيما يحصل في سوريا، وهو مايجافي اختصاص ونزاهة وكالات الأنباء. وكالة الأنباء عليها إيراد الخبر من مراسل موثوق يدرك شرف المهنة ثم الإكتفاء بذلك من دون تحليل أو تعليق، أما أن تورد رأيها فيما يحصل وتحذر من سيطرة هذا أو ذاك فهذا تجاوز منها يدفع القارئ إلى الشك في نزاهة الوكالة.

بلدة الميادين السورية تقع بين دير الزور والبوكمال وتبعد حوالي 80 كلم عن حدود العراق، عراقية الملامح رغم تشربها بالمنبع الشامي الذي أضفى عليها خليطا صحيا هو بين المدنية والبداوة، بين العراق والشام، مما جعلها في الحد الوسط غير المتزمت إن من جانب النظرة إلى المستقبل أم النظرة إلى الماضي. عند أبنائها حث داخلي على التميز وحب تعويضي ردي للمساهمة في صناعة التاريخ رغم قلة الموارد وانعدام السبل، وهذا مايدفع على الإنفتاح غير المتهور، الإنفتاح المتأني، حيث هناك قوى تعديل كيلا تميل الكفة نحو جهة تنسى فيها الأخرى. يسود في طبعها حكمة البادية التي تنظر إلى العالم بعين ناقدة جريئة، وبحكم بعدها عن العاصمة كانت قد وقفت من النظام السوري موقفا نقديا صادقا غير مبني على ردود فعل دينية أو حزبية، تجلى أحدها في مسرحيات ساخرة ذكية المضمون لماحة كانت قد عرضت في ثمانينيات القرن الماضي على يد صبحي النجم وآخرين.

المدينة هي بيت كبير وأصبحت منذ ثمانينيات القرن الماضي تتسع وتمتد بسبب اكتشاف البترول في ظهرانيها، مماجعلها تتشكل من جديد وتعيد اكتشاف نفسها لمرة أخرى لكنها لم تتحول التحولات التي عرفتها المدن الكبرى حيث الوافدون إليها كانوا من أبناء القرى المجاورة والذين يحملون طبيعة متوافقة مع عادات المدينة وتقاليدها. نمت التجارة فيها وتوسعت الأسواق وظلت في الباطن كما هي، لا أندية ليلية ولا محال خمور ولا دور ترفيه. الأسواق فيها هي أسواق أهلية والمحال كذلك ولم تنفصل بعد ظاهرة التجارة عن الفعالية الأهلية التي نراها في حلب ودمشق مثلا.

كان ما أوردته رويترز عن البلدة قد أجج مشاعر الأهالي وكتب البعض في الفيس بوك عن الخبر يقولون، إنهم مقيمون في البلدة ولم يروا ما أوردته رويترز لا من جبهة النصرة ولا من فرض اللباس المحتشم على نساء البلدة اللاواتي هن بالأصل محتشمات في لباسهن، ومن ناحية إغلاق محال الخمور فالمدينة لم تعرف محال خمور طيلة تاريخها.

وقد قال بيان موحد صدر عن اعلاميي وثوار مدينة الميادين ‘.. وهنا نشير إلى أن أهل الميادين معروفون بالتزامهم باللباس الشرعي …والجميع يعلم أن الزي الرسمي وهو ما يسمى بالعباية، وهي ثوب أسود يغطي كامل الجسم من الرأس حتى القدمين، لذلك نحن ابناء الميادين.. استغربنا كثيـــرا من هذا التقرير لرويترز واستنكرناه وقـــد خرجت مظاهرات حاشدة في المديــــنة يوم الجمعة 122013 وقد رأينا غضب الشارع لما تناقلته هذه الوكالة ورفعت لافتات تندد بالكذب …نحمل وكالة رويترز للإنباء القسم الــــعربي المسؤولية الكاملة عن أي ضرر سوف يلحق بالمدينة … لأن التقرير يعتبر تحريضا للنظام باســــتهداف المدينة المنــــكوبة أساسا بالقصف الذي طال العديد من أحيائها ومنازل المدنيين… هذا بيان مبدئي وسوف نقوم بدعم البيان بمقاطع فيديو ومقابلات مع شرائح واسعة من الناس لفضح هذه الأكاذيب.

بفضل الفيس بوك وتكنولوجيا الاتصالات صار لدينا مصدر آخر لتعقب الحقيقة وكشف الوجه الباطل للميديا، سوف تأخذك إلى الشوارع التي تتكلم عنها الميديا لترى بعين الحقيقة مايجري هناك وماهي أراء الناس عما يجري. بهذه الأداة أداة الإتصال، تنكشف طبيعة هذه الوكالة وغيرها، وبقليل من التحليل سيتم التعرف على من يقف خلف هذا النوع من الأنباء. على أن مايجري في سوريا لا يختلف عليه إثنان ذلك إن كانا يحملان ضميرا إنسانيا في تجهيل الباطل وإعلاء الحق، إن من يقتل ويطيل في القتل فلن يكون من أبناء الشعب بل لن يكون من أبناء الإنسانية ومهما يكن السبب والغرض من وراء القتل فهو غير مبرر والإستمرار به هو عداء للحياة وعداء لانموذج الخلق. سنتان لم تكف فيهما أسلحة النظام وطائراته عن دك المدن على رؤوس أصحابها، كل ذلك من أجل الدفاع عن من أورثهم الخراب الروحي، عن من أورثهم الكذب والبهتان ومن يقف مع هكذا نظام يكشف عن وجهه القناع أنه في طرف متخلف بعيد عن الحياة.

‘ كاتب سوري يقيم في امريكا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى