القديس والاسد
مصطفى طاهر ناصر
نأسف بداية مما قد يأتي في هذه المقالة من بعض الاخطاء العلمية او التفسيرات المغلوطة والغير مقصودة كما أحب ان انوه للقارىء العزيز ان ليس لعنوان هذه السطور القادمة اي ارتباط سياسي بكلمة ( الاسد ) وانما نقصد من وراءها الى الحديث عن ما هو مألوف في عرف الناس عامة والتاريخ خاصة عن الاسد كحيوان معروف بالقوة والشراسة وما اشتهر به من نزوع فطري الى السيطرة وحب الذات حتى استطاع ان يخطف من براثن التاريخ لقب ( ملك الغابة )، ودخل في دفاتر الفكر الانساني كمخلوق من فصيلة الثديات ( آكلات اللحوم ) قوي البنية ومقاتل من الدرجة الاولى لدرجة ان افراد طائفته من النمور كانوا قد اتخذوا قرارا سريا وبالاجماع على اعتباره رمزا الى الابد لكل طائفة النمور المنتشرة في العالم ، وتم له بهذا القرار التاريخي ان يسيطر على مقاليد الزعامة وينفرد بالقرار على جميع الاصعدة …. يختلف أمد حياة الاسود عادة وهذا الاختلاف يتعلق بظروف الزمان والمكان ومدى توفر غطاء سياسي عفوا ( نباتي ) ليتحرك فيه وتحت ظله ومع عائلته باطمئنان ليباشر شوؤن عشيرته … أما من الناحية العلمية البحته فهو يعيش من ( 12- 14 ) عام الا ان لكل قانون طبيعي خوارق كارثية تأتي بما لا تشتهي السفن فتراه أحيانا يتجاوز عمره الافتراضي الى عمر يخترق فيه الواقع وينتقل بنا الى متاهات الاساطير وذلك حسب قوة او ضعف ما يعتريه من احلام اليقظة والتي كادت تتجاوز الخلود – والى الابد – متناسيا مقولة من غادرنا وهو متأبط تحت ذراعيه خرافة الابدية .
ومن المعروف عادة ان الاسد لا يذهب الى الصيد ويلوث يديه الكريمتين بدماء فرائسه بل يستدعي بعض أعوانه المقربين من الضراغمة الاشاوس للقيام بتحضير طقوس وشعائر الذبح والقتل ثم ينضم اليهم في مجلسهم كي يثني عليهم فعلتهم ويشجعهم ثم يعود أدراجه الى عرينه المحصن بعيدا عن الانظار فيأخذ قيلولة الظهيرة ثم يعود في الخامسة مساء كعادته الوحيدة الطيبة التي اكتسبها من الانكليز فيتناول مع لبوته فنجانا من الشاي ( الاحمر ) .. وقد جاء في احدى الدراسات العلمية الموثوقة انه يتمزمز بشرب هذا الشاي ( الاحمر ) وهو يتابع أخبار رعيته على التويتر والفيس بوك بكل اريحية وهدوء .
وقديما كان للاسد عدة أسماء تفخر المعاجم واللغة العربية بامتلاكها لهذا الكم الهائل من الاسماء .. هذا وان دل فانما يدل على ثراء كبير في لغتنا العربية والتي نفخر جميعا بالتكلم بها من المحيط الفارسي الى بيجين . وقد وصفت العديد من تلك المعاجم القديمة ( الاسد ) بالضرغام وحيدرة والسبع أما المعاجم الحديثة فقد استعاضت عن تلك الاسماء التاريخية بأسماء ( مودرن ) كي تتناسب مع الموضة الحالية كابو حلب وأبو درعا وأبو حمص وابو الدير وغيرها كثير الا ان ( أبو حماه ) فقد استأثر فيه ( الاسد التاريخي الكبير ) رغم كل المحاولات اليائسة من الابن للسيطرة على كل الالقاب .
هناك اسود تعتبر من السلالات النادرة لذلك لجأت المؤسسات العلمية والمهتمة بشؤون البيئة وحماية الحيوانات النادرة ، الى انشاء المحميات البيئية لوضع تلك الاسود فيها وحمايتها من حتمية انقراضها ، الا ان بعض تلك المؤسسات اعترضت على هذه الخطوة وفضلت الابقاء على بعضها طليقا حرا يسعى في الارض فسادا كي تقوم بدراسة مدى تاثير تلك الحيوانات على مستقبل البيئة متزرعة بأن المراقبة و المتابعة عن بعد تعتبر اكثر حداثة من المحميات الطبيعية .
وكفوف الاسد دائما ملطخة بالدماء ( طبعا ليس بسبب العمليات الجراحية التي يجريها للنساء والاطفال والشيوخ ) بل بسبب ضخامتها واحتوائها على مخالب معقوفة تساعده على الامساك بالفريسة والتعلق بها . ومن طريف ما يذكر عن تلك المخالب ان الاسد يستطيع بكل سهولة ان يرجع مخالبه الى داخل غشاء بالكف ، وهذا من شأنه ان يحافظ على ابقاء مخالبه حادة وفي حالة من الجاهزية القصوى لاي اعتداء جديد أو حماقة ترتكبها قوى الاستعمار أوالرجعية أوالمتآمرين أو أعداء الممانعة والتحرير !!!! والانكى من ذلك انه بدأ باستخدام تلك الخاصية والتي ينفرد بها دونا عن كل حيوانات الغابة المفترسة في التهرب الوقح والتنصل من كل الجرائم التي استخدمها ضد مخلوقات الله . والحقيقة ( وحتى نكون منصفين ) لا بد من الاشارة الى ان ( الاسد ) كحيوان لا يحب ان يفترس الانسان هكذا ( يعني من الباب الى الطاقة ) بل لا بد من سبب منطقي يبني عليه هذا التصرف – فحماية الممانعة – اصبحت كذبة مملة وبايخة حتى ان الاطفال باتوا يتقيؤون من سماعها المتكرر .. لذا فقد استحدث كذبة جديدة – قديمة – وهي نظرية المؤامرة الغربية الصهيونية الامريكية الدولية لما فيها من مكر ضبابي يستطيع ان يتوارى وراءه حتى حين .
يعيش الاسد عادة في مناطق السافانا ، والمناطق المعشوشبة الا انه يفضل أكثر المناطق الآهلة بالسكان وذلك بسبب النزعة الرومانسية التي يمتلكها والتي تتجلى بحبه للحومها .. ضاربا عرض الحائط بكل المعايير والاعراف الدولية والتي تمنع مجاورته للمناطق السكنية الآهلة بالسكان .. الا ان سبب رفضه لكل تلك الاعراف والمواثيق الدولية ما زال غير معروف حتى الآن ، وقد ترك ذلك تساؤلات كثيرة وعلى كثير من الاصعدة العالمية وأهمها ( جمعية الرفق بالحيوان ) والتي مقرها في كوكب المريخ .
يحكى ان قديسا كان يعيش في كوخ بسيط بطرف الغابة ويشعر باطمئنان وسعادة بعيدا عن هموم الدنيا ومشاكل الناس … وكان بقربه جحر أسد مفترس وطماع كلما مر بالقديس ووجده يتعبد الله سرق منه طعامه وشرابه وولى هاربا ، كان القديس يشعر بالاسد وهو يسرق له طعامه وشرابه فيبتسم ويشكي امره لله لانه يدرك ان الامور ليست بالقوة والعظم ..ومرت الايام واشتد أذى الاسد على القديس . وبلغ منه مبلغا عظيما ، فجلس يلتمس طريقة يتخلص بها من ظلم هذا الاسد وعدوانه ، فمر به هدهد صغير فقص عليه القديس حكايته مع الاسد .. فضحك الهدهد وقال للقديس ما عليك يا صاحبي سوف اريحك من هذا الاسد ان شاء الله .. ثم طار بعيدا عن الغابة .
فحلق الهدهد في السماء ، فاذا بجارية قد ألقت ثيابها وحليها ، وهي تغتسل . فأهوى وأخذ عقدا ذهبيا نفيسا ، وحلق به طائرا حيث يراه الناس حتى رماه قريبا من جحر الاسد ، فأتى الناس ، ورأوا الاسد نائما على باب جحره فقتلوه … واستردوا حلى الجارية .علم القديس بمقتل الاسد .. فقال في نفسه ( ربما كانت الحيلة أنفع من القوة ).
مصطفى طاهر ناصر /الشارقة 21/11/2012