القصة السرّية للانتفاضة العربية
خافيير ثيركاس
(1)
في مطار دبلن، وبينما كنت بانتظار الطائرة التي ستقلني إلى باريس، شاهدت في الشاشات التلفزيونية صوراً لشوارع القاهرة المزدحمة بالجماهير محتفلة بسقوط مبارك. أول ما شعرت به كان الفرح الكامل. وثانيا، كان هناك صوت خافت ماكر بداخلي يسأل: كم ستكلف هذه النشوة؟ ومن سيدفع هذا الثمن؟ ثالثا، شعرت بالخجل، كما الشخص الجبان الذي بينما يقضي أجمل ليلة مع امرأة حياته، يفكر في ما سيحصل بعد أن ينتهي من جماعه الأول.
(2)
كالجميع، تابعت بشغف سحر الثورة العربية. وبينما أتابعها تذكرت عدة مرات قصة لـ j. g. Ballard بعنوان القصة السرية للحرب العالمية الثالثة، حيث كان الجميع قلقا على صحة رونالد ريغان ـ الذي اختير لولاية ثانية في عام 1983 ـ بينما لم يعر احد انتباها لنشوب الحرب العالمية الثالثة. وهذا يشبه ما يحدث الآن: الجميع قلقون من وجود الإسلاميين الراديكاليين دون أن يلاحظ أحد أن البلاد العربية تغيرّت، وأصبح من الأسهل إيجاد إسلاميين متشددين في الغرب أكثر مما في البلاد العربية وان أغلبية العرب يريدون الديموقراطية ـ واضطر بعضهم للموت وعرّض كثيرون أنفسهم للخطر. وإن احد أكثر الأشياء التي يمكن فعلها هذه الأيام هو قراءة تعليقات أنبياء التحليلات الكهول التي تؤكد ان ما حصل هو شيء كان لا مفر منه، أو على الأقل تنبأت به، وقال المحللون القول نفسه اثر نجاح الديموقراطية الاسبانية في السبعينيات واثر نجاح الديموقراطيات في أميركا الجنوبية وفي أوروبا الشرقية في الثمانينيات والتسعينيات. وهذا هراء. فالتاريخ هو دائما أمر غير متوقع.
ففي ربيع عام 1936، كان العالم يعرف ان هناك حربا ستقع في اسبانيا، وفي ربيع وصيف عام 1939، كل العالم كان يعلم ان حربا ستندلع في أوروبا، ولكن مع ذلك ما سيحدث هو أمر لا يمكن توقعه. وأذكر في عام 1988، عندما كنت أعمل في جامعة أميركية حضرت ذات يوم ندوة لأحد مساعدي غورباتشوف الذي كان قد لجأ إلى الولايات المتحدة، لم أعد أذكر اسمه، ولكن أذكر ما قاله: قال إننا نحن الغربيين سذج، وإصلاحات غورباتشوف ما هي إلا خدعة، وان جمهوريات الاتحاد السوفياتي هي امبراطورية صلبة، ولا يمكن زعزعتها. وبعد ذلك بشهور سقط جدار برلين وبدأت الإمبراطورية السوفياتية بالتفكك. وتبدو المفاجأة شبيهة بما حدث للجميع، بمن فيهم العرب، فكانوا يعتقدون أنهم جبناء واكتشفوا أنهم شجعان. فمرحى لهؤلاء العرب.
(3)
شجب روبرت فيسك في جريدة الاندبندنت النفاق لدى المثقفين الفرنسيين الذين يدعون علنا أو ضمنيا بأن العرب ليسوا مستعدين بعد للتمتع بالحريات التي نتمتع بها، وليس المثقفون الفرنسيون فقط. انه الغرب، من إسرائيل حتى صامويل هنتينغتون، مرورا بنفس ايان هيرسي علي، التي تعلّق في le monde بأن ثقافة الخضوع التي لدى العرب لا تتماشى مع الديموقراطية. يا له من تعليق: أليس هذا ما قيل تقريبا حولنا (نحن الأسبان) في السبعينيات وحول الجنوب أميركيين وسكان أوروبا الشرقية في الثمانينيات والتسعينيات؟ لا أحد جاهز للحرية، كما لا أحد جاهز ليقضي الليلة الأجمل مع امرأة حياته، وعليك أن تكون أحمقَ حقيقيا حتى لا تقضي تلك الليلة. وماذا عما سيتبع تلك الليلة؟
وسيكتشف العربي قريبا ان الديموقراطية ليست هي الجنة، ولن تحوّله إلى شخص في غاية الجمال والثراء مثل براد بيت وإنجيلينا جولي بل هي الأداة السياسية الأفضل المخترعة حتى اللحظة، وسيصاب العرب بخيبة أمل، كما أصبنا نحن والأميركيون اللاتينيون والأوروبيون الشرقيون، والبعض سينتهي به الأمر إلى ازدراء الديموقراطية كما نحتقرها نحن، كما يحصل لرجل ينتهي به المطاف لكره امرأة حياته.
(4)
في مطار دبلن أقرأ الصحيفة وفيها مقالة لـ«ايمري كيرتيش»، أترجم عن الفرنسية: هناك في حياة المرء لحظة حيث يكتشف نفسه وتتحرر قواه، وانطلاقا من هذه اللحظة عندما نستطيع أن نعتبر اننا نحن أنفسنا، اننا نولد في تلك اللحظة بالضبط. أن العبقرية موجودة في بذرة في كل منا. ولكن ليس كل شخص قادراً على أن يجعل من ذلك حياته الخاصة. ان العبقرية الحقيقية هي العبقرية الوجودية». وأنا أنظر إلى نشوة القاهرة على شاشة التلفزيون، أتساءل إذا ما كان ما هو خير للمرء خيراً أيضاً للوطن. وإذا كان المصريون قد ولدوا للتّو، فهل بإمكانهم تحويل قصتهم الخاصة إلى قصة عامة؟
(كاتب اسباني)
ترجمة/ علاء شنانة
عن الباييس الاسبانية 6 آذار 2011