القصير…هيرمجدون “حزب الله”!
غازي دحمان
إذا لم يكن في القصير مقامات دينية، ولا تحتوي على ” لبنانيين خلف حوض العاصي”، فبماذا يبرر “حزب الله” ليس قتله للسوريين، على بشاعته، وإنما مقتل أبناء بيئته في تلك المعركة؟
يذكر الناشط والإعلامي هادي العبدالله، وبناء على مشاهدات عيانية، أن مقاتلي ” حزب الله” يتمتعون بشراسة قتالية لافتة على جبهات المواجهة في القصير، وأنهم يدوسون على جثث قتلاهم لمواصلة تقدمهم، ويقول إن بعض الجرحى يرفضون العودة إلى بلداتهم اللبنانية لتلقي العلاج، ويصرون مقابل ذلك على الاستشهاد على أرض القصير السورية!
تحمل هذه الوقائع في طياتها مؤشرات خطيرة عن مدى التحول في عقيدة الحزب، وطبيعة المعارك القادمة في المنطقة. صحيح ان ” حزب الله” قد تأسس منذ نشأته على أسس دينية، إلا أن جهود الحزب تركزت على مشروع إستراتيجي وجودي، أساسه ومحركاته قضايا وطنية وقومية، وعلى أساسها نال الحزب رضا لبنان والعرب. وإعتبره العرب، في لحظة، بمثابة حزبهم الجماهيري الأول، وليس حزباً لفئة أو جنسية معينة.
غير أن الحزب شهد في السنوات التالية لحرب 2006 تغييراً في توجهاته وخطاباته، وراح ينغلق أكثر حول بعده الإيديولوجي، ولم تعد مقاومة إسرائيل سوى ديكور تزييني، في حين كانت سجالاته وحروبه الحقيقية مع مواطنيه من اللبنانيين، ومع أبناء بيئته الأقرب في أحيان كثيرة.
وكشفت الأزمة السورية هذا التحول الفارق قي عقيدة الحزب، الذي تخلى مرة واحدة عن الحذر في كشف الكثير من خفايا وتعقيدات الحزب، بل ثمة ما دفعه إلى تبني خيارات غيرت تماماً الكثير من الصورة التي طالما ظهر بها على جمهوره العربي. صحيح أن العنوان الأساسي الذي يرفعه الحزب لتغطية مشاركته في الحرب هو الدفاع عن حلف” المقاومة والممانعة”، وانه بذلك إنما يدافع عن خطوط إمداده وعمقه الإستراتيجي وجبهته الخلفية، إلا أن ثمة معطيات كثيرة، يعرفها الحزب تجعل من إدعائه هذا شيئاً أقرب إلى الهذر السياسي منه إلى التفكير الإستراتيجي الواعي، ذلك انه يعرف أن نظام الأسد تآكل إلى درجة لم يعد بالإمكان ضمان إستمراره لأكثر من أيام او شهور في أحسن الأحوال، وان المنطق الإستراتيجي في مثل هذه الحالة، يقتضي بأن يفكر الحزب بكيفية بناء جسور علاقات مع القوى الجديدة، التي ستشكل سورية المستقبلية، لا أن يستعدي غالبية السوريين. تلك سياسة شمشونية بائسة ومغامرة وليست سياسة حكيمة.
المنطق يقول أنه من الأجدى أن يوفر الحزب جهده وقدراته ليوظفهما في مشروعه” المقاوم” ضد الإحتلال الإسرائيلي، لا أن ينخرط في عملية إسترجاع سطوة نظام، صار من المستحيل إستعادتها، وإن حصل ذلك سيكون على حساب فناء قدرات ” حزب الله” نفسه، الذي لن يبقى له حينها قدرة للمقاومة!
والحال، فإن ” حزب الله” لا يخوض معركته السورية بحسابات سياسية، بل يخوضها بمنطق عقائدي ديني. وفي هذه الحالة، تغيب السياسة بوصفها عملية براغماتية عقلانية تنشد إلى حسابات الربح والخسارة، وتحل مكانها العقيدة التي تعلي من قيمة الجهاد هنا بوصفه فعل إيمان أخروي، وليس صراعاً حول قضايا سياسية “دنيوية” تحتمل المساومة في إطارها. الصراع هنا يصبح خلاصياً جوهرانياً، لا يحتمل التسوية، بل يتطلب قتالاً حتى آخر قطرة دم للفوز بما هو أخروي.
وبمنطق حرب” حزب الله” ومعطياته، الحرب باتت حرباً” سنية شيعية”. الحسابات الوحيدة التي من الممكن أن تنطبق عليها تتمثل بحجم الخسائر التي يستطيع الحزب تحقيقها في الطرف الآخر، ومن سيحكم سوريا بعدها. وبالتالي، فإن الحزب على موعد مع القتال حتى آخر مقاتل لديه وآخر رصاصة يملكها، إلى أن يثبت حكم” آل البيت” في دمشق، أو يقضي الله أمرا كان مفعولاً.
مشكلة الحروب ذات الطابع الديني أنها حروب لا أهداف واضحة لها، هي ذات طبيعة إلغائية، هدفها الأعلى، في الغالب، إلغاء الطرف الآخر وإستئصاله نهائياً. لذا فهي طويلة ومعقدة ودامية.
لا شيء يبرر كل ذلك التحدي والإصرار والشراسة في القتال التي يبديها الحزب وعناصره في القصير، سوى ان هذه البلده تحولت إلى “هرمجدون” الإسطورية، المصادرة من التراث المسيحي، والتي إستطاعت إسرائيل توظيفها عقوداً طويلة وما زالت، لإبتزاز رؤساء الولايات المتحدة الأميركية من أجل الحصول على مزيد من الدعم والسلاح، ذلك أن الإسطورة تقول” إن جيوشاً من البرابرة ستهاجم اليهود ويبيد الطرفان بعضهم البعض. وفي تلك اللحظة يهبط السيد المسيح على الأرض ويخلص البشرية”. وهرمجدون هذه واد في منطقة صفد.
في حالة ” حزب الله”، ثمة من يقول إن هناك بعض المرجعيات في الحزب تؤمن بأن الإمام المهدي سيظهر من غيبته، وسيأتي لمقاتلة التكفيريين وأحفاد اليزيديين قتلة الحسين، اما المكان فهو أرض الشام، والقصير تقع ضمن هذا التحديد الجغرافي وفي إطاره!
(إلى هادي العبدالله في القصير)
المستقبل