القضية السورية في اجتماعات الأمم المتحدة/ فايز سارة
لم يكن غريبًا، أن تكون القضية السورية في صلب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة، وأن تشير إليها أو إلى أحد تطوراتها كلمات معظم القادة والزعماء المشاركين في الاجتماعات. فقد تركت تطورات القضية السورية آثارها على السوريين قتلاً وجرًحا وتهجيًرا ولجوًءا ومعاناة تفوق الوصف، وتدميًرا لبلدهم وقدراتهم، قلما حدث ما يماثله طوال عقود من تاريخ العالم، وتجاوزت تداعيات القضية السورية دول الجوار إلى كثير من دول العالم، وخاصة في ثلاثة موضوعات تشغلهم؛ أولها تحول سوريا إلى بؤرة لإرهاب يمتد من إرهاب نظام الأسد وحلفائه إلى إرهاب جماعات التطرف، والثاني قضية اللاجئين وما باتت تتطلبه من مساعدات إنسانية وملاذات آمنة لملايين من السوريين، والثالث صيرورة سوريا واجهة لصراعات، باتت المواقف فيها ومنها تهدد باندلاع مواجهات وحروب إقليمية ودولية.
وسط كثافة حضور القضية السورية، بدا من الطبيعي، أن يكون الحديث عن حل للقضية بين أبرز الطروحات، التي رددها المتحدثون أمام الجمعية العامة لدرجة، يمكن معها القول بأن ثمة توافقًا كبيًرا على ضرورة الخروج بحل للقضية السورية بعد خمس سنوات من ألم السوريين ومعاناة العالم حولهم لكن الكلام عن الحل، لا يعني أن الأمور تسير في مسارها الطبيعي، فقد ترددت في السنوات الماضية ذات الطروحات دون نتيجة عملية، وحتى الإطار الدولي المتوافق عليه للحل ممثلاً ببيان جنيف 2012 وما تلاه من قرارات ومحاولات دولية، لم تتوفر لها إرادة سياسية لتأخذ طريقها للتنفيذ نتيجة رفض ومراوغة نظام الأسد وداعميه، وبسبب تراخي المجتمع الدولي في اتخاذ مواقف حاسمة، حتى في لحظات مناسبة منها ارتكاب نظام الأسد مجزرة الكيماوي بغوطة دمشق في صيف العام 2014.
النقطة الأساسية، التي منعت الحل، كانت الخلاف على وجود بشار الأسد في مستقبل سوريا. وهو ما سعى لتأكيده نظام الأسد بدعم حلفائه من روس وإيرانيين، فيما أجمعت الأكثرية السورية والدولية على رفض وجود الأسد في مستقبل سوريا، وإن كان البعض يرى إمكانية وجوده في مرحلة المفاوضات وصولاً إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات حسب محتويات جنيف1، وما لحق به، فيما قلة قليلة، ترى أن الأسد يمكن أن يلعب دوًرا محدوًدا في جزء من المرحلة الانتقالية.
في الخلاف على وجود الأسد في مستقبل سوريا، لا يتورع المطالبون ببقائه بترداد مزاعمهم عن ضرورته ونظامه في الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها، ودوره في حماية الأقليات، والأهم في مشاركته في الحرب على التطرف والإرهاب، وخاصة في الحرب على «داعش»، وكلها مزاعم تكرر طرحها في كلمات قيلت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخًرا، تناست وقائع نحو خمس سنوات أخيرة من التاريخ السوري، دمر فيها نظام الأسد الدولة ومؤسساتها، وحولها إلى عصابة من القتلة للسوريين وقوة تدمير للمجتمع والبلد، مستعينًا بالوجود الأجنبي الإيراني والروسي، وبقوى إرهابية طائفية، صار رهينة لها، وصار قراره مرهونًا بقراراتها.
ولم يكن الحال أفضل في موضوع حماية الأقليات، رغم أنه لا يمكن وضع حماية الأقليات بمواجهة تدمير الأكثرية. ولم يتواَن نظام الأسد عن اضطهاد الأقليات على نحو ما فعل بالأكثرية، والأمثلة كثيرة لا حصر لها، وآخرها ما فعله في السويداء، التي تضم أكثرية من الدروز، ومثلها في السلمية، التي تضم أكثرية من الإسماعيليين، بل إن أغلبية السريان والآشوريين في الجزيرة وكذلك جزء كبير من الأكراد فيها، هاجروا من مناطق يسيطر عليها النظام بسبب سياساته، وهو أمر حدث ما يماثله في المناطق المصنفة في عداد المؤيدين، وخاصة في اللاذقية وطرطوس، حيث أكثرية من العلويين، وكلها تكذب مقولة إن النظام يحمي الأقليات في سوريا.
أما في موضوع الحرب على التطرف والإرهاب وعلى «داعش» خصوًصا، فإن النظام أثبت أنه الأبعد عن القيام بهذا الدور.. ليس لعجز فيه وبقدراته فقط، بل لأنه مستفيد من وجوده، وعبره يستمر في أكاذيبه في أنه لا يواجه ثورة شعبية بأهداف تحررية، وإنما جماعات إرهابية، تعطيه مبررات ممارساته الدموية، وهذا بعض ما يفسر ممارساته في إطلاق سراح متطرفين من أعضاء وأنصار «القاعدة» من سجونه في العام 2011، وانسحابه من المراكز الحدودية في الشمال والشرق تارًكا المجال لمجيء إرهابيي «داعش» وغيرهم من العراق ومن إيران وغيرهما، إضافة إلى تجنب الهجوم عليهم بعد سيطرتهم على الرقة، وتسميتها عاصمة لما يسمى دولة «داعش»، كما سهل تمدد «داعش» في أنحاء مختلفة، وسهل استيلاءه على مخازن سلاح ومطارات، كما حدث في مستودعات الجيش في تدمر ومطار الطبقة.
كل الوقائع معروفة، وليست في باب الأسرار، ويعرف تفاصيلها، من رددوا في الأمم المتحدة مطالبهم ببقاء الأسد في مستقبل سوريا، ويعرفها أيًضا من سمعوا تلك المطالب سواء اقتنعوا بها أو رفضوها، والأهم في المطالبات، أنها حملت معنى استمرار القضية السورية في مجرياتها الداخلية وتداعياتها الخارجية، مما يؤشر إلى استمرار ضعف الإرادة السياسية للمجتمع الدولي من جهة، وتدني الحس الإنساني والأخلاقي عند غالبية قادة الدول ولدى الأمم المتحدة في آن معًا.
الشرق الأوسط