صفحات مميزة

القضية الكردية في سورية –مقالات وتحليلات”

 

الدرس إذ يتكرر مع الأكراد السوريين!/ أكرم البني

… ويقصد بالدرس صعوبة، إن لم نقل استحالة، قيام كيان قومي كردي مستقل، يتجاوز خرائط سايكس – بيكو، في ظل التوازنات والمصالح الدولية والإقليمية القائمة.

والجديد أن أنظمة المنطقة والدول الكبرى، وعلى رغم صراعاتها البينية، لم تتحمل في اللحظة السورية الراهنة، تمدد حزب الاتحاد الديموقراطي لإقامة كيان كردي على طول الشريط الحدودي مع تركيا، وكان الرد مفاجئاً بتدخل جيش أنقرة وفصائل من «الجيش الحر» يسندهما صمت مريب وغطاء جوي من الحليف الأميركي للأكراد، والغرض لجم طموحهم السياسي وتحجيمهم عسكرياً وإحداث قطع جغرافي بين المناطق الرئيسة لتواجدهم! وقبلها شهدت فكرة إعلان دولة مستقلة في كردستان العراق حين أطلقها بعض الزعماء الكرد خموداً سريعاً، على رغم توسلهم حالة الاضطراب المزمنة التي يعيشها العراق والخوف الشديد من تنامي تنظيم داعش وما يشكله من أخطار على العالم وعلى الأقليات القومية والدينية.

والقديم حزمة من الهزائم والانكسارات شهدها النضال الكردي في ثوراته المعاصرة، حيث تناغمت أدوار المجتمع الدولي وأنظمة البلدان التي تتقاسم كردستان التاريخية، لإجهاض طموحه القومي في غير لحظة تاريخية من لحظات نهوضه، إسقاط جمهورية مهاباد في إيران في 1946، ثم اتفاق آذار (مارس) في العراق 1975، وما حل بخيار الاستقلال والحضور الوازن لحزب العمال الكردستاني في تركيا!.

والسؤال: لماذا لم يتمثل الأكراد عموماً هذا الدرس، واستمروا، على رغم تضحياتهم العظيمة، في تغليب الهدف القومي على المهمات الوطنية وفي القلب منها مهمة التحول الديموقراطي كطريق آمنة لنيل حقوقهم، ولخلق فرصة قابلة للحياة لوضع مشروعهم السياسي القومي موضع التنفيذ؟!. وتخصيصاً ألا تستدعي الحالة السورية ربطاً بوزن الأكراد المحدود فيها وطابع توزعهم الديموغرافي ضرورة تمثل هذا الدرس جيداً؟!.

أولاً، لا يجانب الصواب من يفسر الأمر كرد فعل للأكراد على تصاعد الاستفزازات الشوفينية ضدهم، وبخاصة من حكومات قمعية وفاسدة، سعت إلى الاستئثار بكل شيء على حساب بناء وطن يوفر فرصاً متكافئة لكل أبنائه، ولم تتردد في استخدام مختلف الأساليب لتشديد اضطهادها للأكراد وسلبهم حقوقهم كمواطنين وتغييب دورهم كأقلية قومية في التكوين الاجتماعي، ما عمق الشروخ بينهم وبين مجتمعهم، وعزز بين صفوفهم ظواهر التعصب والتطرف القوميين، ربطاً بشعور مفعم بالشكوك تجاه وعود كثيرة بإنصافهم، وقد اكتووا بتجارب سابقة، كانـوا فيـها مجـرد وقود لتغذية الصراعات السياسيــة، أو جـسراً عبـر مـن فـوقـه هـذا الطـرف أو ذاك نحو أهدافه الخاصة وأهمل همومهم ومظالمهم.

ثانياً، لا يخطئ من يتلمس الجواب في الخصوصية السورية لتطور النضال الكردي الذي ارتبط تاريخياً بنضالات أكراد بلدان الجوار، أكثر من ارتباطه بحاجات الوضع الداخلي ومعانيه المميزة، ولنتذكر دفق المشاعر القومية التي رافقت حركة التطوع الواسعة لأكراد سورية من أجل دعم البشمركة في شمال العراق، ثم تصاعدها من جديد مع تنامي دور حزب العمال الكردستاني وإطلاق يده لتعبئة الشباب الكرد السوريين، الأمر الذي منح حزب الاتحاد الديموقراطي بصفته الامتداد السياسي لحزب العمال، وزناً لافتاً في البلاد، تجلى مع تطور الصراع السوري بدور عسكري وسياسي متميز، شجع واشنطن على التعاون معه كطرف قادر وموثوق في التصدي لتنظيم داعش، ولم يتردد الحزب في استثمار هذه الفرصة، بعد نجاحه في معركة عين العرب (كوباني) بمحاولة فرض وجوده كمنافح وحيد عن الحقوق القومية الكردية ولوضع مشروعه بإقامة كيان سياسي في شمال وشرق البلاد حيز التنفيذ، ملتمساً خرائط وطابع مكونات تنسجم مع إستراتيجية صراع حزب العمال الكردستاني مع النظام التركي، ما يفسر أساليب القمع والتمييز والإقصاء والتهجير، وعادة تحرير الذات من أعباء الالتزامات الوطنية ما دامت تعيق تقدمه نحو مشروعه القومي الخاص.

ثالثاً، يصيب من يرجع السبب إلى طابع القوى السياسية المعارضة، والتي لم تكن يوماً سخية في التعاطي مع الحالة الكردية، بل بقيت في غالبيتها تعيش أوهام الماضي وتستمر في تعميم أفكار شوفينية تطعن بحقوق الأقليات القومية وتعتبرها نتاج طارئ صنعه الاستعمار ومصالح القوى المتصارعة على المنطقة، بما في ذلك التشكيك بالنيات الديموقراطية والتشاركية للأكراد والادعاء بأن لا أمان لهم ويظهرون غير مايبطنون، ويترقبون الوقت المناسب للانفصال، وتنفيذ حلمهم القومي من دون اعتبار للمصلحة الجامعة ولمستقبل شركائهم في الوطن، زاد الطين بلة انكسار وعد التغيير الديموقراطي الذي حملته التظاهرات السلمية العربية والكردية، بفعل العنف السلطوي المنفلت والتقدم الحثيث لتيارات إسلاموية لا علاقة لها بشعارات الحرية وحقوق الإنسان واحترام التنوع والتعددية.

ويبقى السؤال: بعد ما حل من خراب وما يخلفه استمرار العنف من مآسٍ وآلام، هل تحتاج النخب الكردية إلى المزيد من الأثمان والبراهين كي تعي أهمية هذا الدرس، وتبادر إلى تحرير سياساتها مما يشوبها من حسابات ضيقة وأنانية، ولتدرك أن ضمان حقوقها القومية المشروعة وتعايشها الصحي مع مكونات المجتمع السوري، لا يمكن أن يتحققا بصيغة عادلة ومستقرة إلا على قاعدة الديموقراطية ودولة المواطنة؟!

والأهم، هل تتشجع النخب العربية على مراجعة أفكارها ومواقفها يحدوها الإقرار الواضح والصريح بالأكراد كجزء عضوي من تركيبة المجتمع السوري، وبحضور مسألة نضالية تتطلب حلاً عادلاً ترتبط بحقوقهم القومية المشروعة؟! ثم ألا يستدعي مشهد استباحة الوطن وتحويله الى ساحة لتصفية الحسابات، وقفة نقدية من الجميع تدين ماضياً مكتظاً بكل أنواع الظلم السياسي والاضطهاد القومي والارتهان للإملاءات الخارجية، وتنحو إلى منح التعايش والنهوض المشترك بالوطن الأولوية، ما يخفف الاستقطابات الحادة ويحاصر نوازع التعصب والانعزال ويمهد لإعادة بناء ثقة بين الأكراد والعرب، تجهض احتمال تطور مواجهات دموية بينهم ترتبط بصراعات الهيمنة الإقليمية والدولية على المنطقة، ولا تحرم المجتمع السوري في لحظة توقه للخلاص من العنف والقهر والدمار، من طاقات وطنية لا خلاص من دونها!.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

خيارات صالح مسلم الكردية في شمال سورية/ سمير صالحة

تحت عنوان الحرب على “داعش” والوحدات الكردية، التنظيمين الإرهابيين بالنسبة لأنقرة، تواصل القوات التركية، بالتنسيق مع الجيش السوري الحر التابع للمعارضة السورية، تطهير القرى المجاورة لجرابلس، والإعداد لمعركتي منبج والباب. وفي الأثناء، تتحدث تقارير الاستخبارات التركية عن أن الوحدات الكردية في شمال سورية، والتي أعلنت التزامها بالانسحاب إلى شرق الفرات استجابةً لطلب أميركي، ونتيجة التحذيرات التركية باستهدافها، تتحرّك بالاتجاه المعاكس، وتواصل نقل المقاتلين من القامشلي وعين العرب (كوباني) باتجاه مدينة منبج، وإقامة التحصينات، استعداداً لمعركة طويلة الأمد مع قوات الجيش السوري الحر المدعومة تركياً. هل يفعل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ذلك بتوصيةٍ أميركية، أم تحدياً لها، بعدما تركته وحيداً، يواجه الآلة العسكرية التركية، وأسلحتها الثقيلة وطائراتها، في غرب الفرات؟

بدأت أقلام وكتابات عربية وغربية تنشر أن تركيا أعلنت الحرب على أكراد سورية، لكننا لا نعرف إذا ما كان رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (العراقي) مسعود البارزاني الذي زار أنقرة قبل يوم من انطلاق عملية “درع الفرات” ثم نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي تعمد الوجود في العاصمة التركية لحظة انطلاق العمليات، واكتفاء موسكو بالتذكير بحصة النظام السوري بين شركاء تركيا في التآمر على أكراد سورية.

“بين الخيارات المتبقية لصالح مسلم أن يتراجع، مثلاً، عن مناورات اللعب على تناقضاتٍ محليةٍ وإقليمية تتعلق بالملف السوري، وأن يقلد أكراد شمال العراق فيما فعلوه مع أنقرة”

وقد جدّد لقاء جنيف، في 26 أغسطس/آب الماضي، بين وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، إشعال الضوء الأخضر أمام تركيا، لتمضي بعمليتها التي لا نعرف بعد الشق الخفي فيها، لكن العقبة هي زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) صالح مسلم الذي يريد أن يفسد التركيز على الشق الأهم فيها، أي تدمير قوة داعش في سورية، وفتح الطريق أمام ولادة صيغة حل سياسي جديد، بسبب اعتراضه على حصته وموقعه المتراجعين في المشروع.

سيناريو الهجوم المعاكس باتجاه جرابلس وجوارها بالتنسيق بين المتضررين الكبيرين، داعش والوحدات الكردية، مستبعد حتماً، لأنه سيدمر كل ما بناه صالح مسلم في العامين الأخيرين، في علاقاته مع لاعبين إقليميين ودوليين عديدين، لكن مسلم الذي يقرّر المقاومة حتى النهاية، قبل مغادرة غرب الفرات، يريد أن يبين لأنصاره وحلفائه المحليين أنه لن يتراجع، ولن يستسلم بمثل هذه السهولة، وأنه يريد أن يقاوم، ليساوم لاحقاً على الورقة الثمينة المتبقية بيده في شرق الفرات، في كانتونات القامشلي وعين العرب وما تحت سيطرته في الحسكة، باتجاه بناء الكيان الكردي، حتى ولو تراجعت مساحته في هذه المرحلة.

مشكلاته التركية

مشكلة صالح مسلم الأولى أنه، بنظر الأتراك، يقود حزباً إرهابياً، يعتبر امتداداً لحزب العمال الكردستاني في تركيا، وأن أنقرة لن تتراجع عن موقفها هذا بسهولة، بل العكس هو الصحيح، فهي تجهد لإقناع حلفائها الغربيين، وتحديدا واشنطن، بما تقوله عبر تقديم مزيد من الوثائق والأدلة التي تثبت ذلك.

مشكلة صالح مسلم الثانية أنه سيفقد قريباً خطوط تماسّ عديدة، كان يملكها في المواجهة مع تنظيم داعش، وأن خياراته باتت شبه محدودة، أن ينافس تركيا على الوصول إلى الرقة، بعدما تكاد الأبواب تسد في وجهه في معركة الباب، لكنه اختار معركة منبج، لتكون القشة القاضية في ضرب علاقاته الجيدة مع أميركا التي تبنته، ودافعت عنه بوجه أنقرة ودمشق، ورجحت كفته على المعارضة السورية المعتدلة.

ورطة “أبو ولات” الأخرى ستكون محاولة إشغال تركيا في جبهتين مرة واحدة في شمال سورية، جبهة منبج التي سيخوضها هو وجبهة الباب التي ستقودها “داعش”. ستكون حتماً مواجهة قاسية على الأتراك وحلفائهم السوريين إذا ما وقعت، لكن “داعش” التي تعرف أنها ستدمر هناك، وقد لا تقاتل مرة أخرى كما حدث في جرابلس، وترجئ المواجهة إلى مكان وزمان آخرين. فما الذي ستفعله الوحدات الكردية، وهي التي تعرف أنها ستدفع الثمن الباهظ عسكرياً وسياسياً، كونها ستقاتل الأتراك حلفاء واشنطن بالسلاح الأميركي المقدّم لها لمحاربة “داعش”، وكونها ستفقد ثقة حلفائها العرب والسريان الذين راهنوا على سورية الديمقراطية الموعودة في أدبيات حزب الاتحاد الديمقراطي.

فاجأني أحد الأصدقاء الأتراك المقربين من حكومة “العدالة والتنمية”، وأنا أحاوره في خيارات تركيا وقدرتها على الصمود في مطلب انسحاب القوات الكردية من غرب الفرات، بقوله إن المعركة الحقيقية قد تكون في شرق الفرات نفسه، إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة كردياً، وتعرّضت القوات التركية إلى مقاومة حقيقية من الوحدات الكردية، وفشلت واشنطن في ضبط الإيقاع الكردي، فتركيا ستخوض حرباً على جماعاتٍ إرهابية، كما تصفها هي، تهدد أمنها القومي بالتنسيق والتعاون مع حزب العمال الكردستاني الذي أسس وخطط وأشرف على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي نفسه، حسب الوثائق التركية التي قد تقبل بها الإدارة الأميركية عاجلا أم آجلا.

صالح مسلم الذي تفاهم مع النظام السوري في الحسكة، وكان يوزع صور جنود أميركيين باللباس العسكري الكردي، ليخيف كثيرين بالدعم الأميركي المكشوف له، وليقنع العالم بأنه اليوم في موقع الوحدات البرية للجيش الأميركي في سورية، يتابع حتما ما ينشر في الإعلام العربي حول اتصالات بعيدة عن الأضواء بين أنقرة ودمشق. قد تكون معلومات صحيحة، وقد لا تكون، لكن الأهداف التركية السورية هي نفسها، على الرغم من كل شيء، حماية وحدة سورية، وقطع الطريق على مشاريع التفتيت والتجزئة، وتغيير شكل البنية السياسية والدستورية فيها.

“يتجاهل مسلم أن تزايد العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني، في جنوب شرق تركيا في الأسابيع الأخيرة، لا يمكن فصله عن حراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سورية”

يجيد صالح مسلم الكردية والعربية والتركية، وهي أهم لغات المنطقة، ليخاطب أبناءها بها. وما قد ينقذه من ورطته سيناريو وحيد معقد بعض الشيء، هو التخلي عن مشاريع وأحلام الاستفراد بسورية الضعيفة الجريحة اليوم، أو الرهان على سقوط تركيا في مصيدةٍ أميركية روسية، أعدت لها، عبر لعب ورقة الأكراد هناك، لاستدراجها إلى المستنقع السوري الذي تحدث عنه مسلم نفسه. وغير ذلك، فهو سيعني قبول الجميع، إقليميين ودوليين، بالخطة التركية التي تقوم على تجفيف المستنقع السوري، وليس قتل البعوض الذي يحوم هناك فقط.

حقائق يتجاهلها

بين الخيارات المتبقية لصالح مسلم أن يتراجع، مثلاً، عن مناورات اللعب على تناقضاتٍ محليةٍ وإقليمية تتعلق بالملف السوري، وأن يقلد أكراد شمال العراق فيما فعلوه مع أنقرة. أن يخلع لباس الجهوزية، ليأخذ مكانه في كل مربع أمني وسياسي، تبعاً لحاجات لاعبين محليين وإقليميين، مراهنا على حصة “الأسد” في سورية الجديدة. وأن يقبل حقيقة أن تركيا، على الرغم من كل التناقضات، ومن تعارض المصالح مع اللاعبين الكبيرين، الأميركي والروسي، لا يمكن لها أن تتجاهل ما يحدث في سورية، لأنها الأكثر تداخلاً وتفاعلاً مع الموضوع السوري الذي تنعكس تبعاته على داخلها ودورها الإقليمي. وأن التقاء المصالح مع واشنطن في الحرب على “داعش” والتلويح بالورقة الكردية في سورية لا يعني استعداد الإدارة الأميركية للتفريط بتركيا في بقعةٍ جغرافيةٍ وسياسيةٍ وعسكريةٍ واقتصاديةٍ واسعة، حدودها المؤقتة قد تكون شرق الفرات. لا بل إن العقبة أمام الأكراد في سورية الذين يتبنون مقولات مسلم تجاهلهم أن أنقرة تملك أوراق ضغط مؤثرة، مثل استئناف العلاقات مع روسيا الذي منحها ورقةً سياسية إضافية، تستطيع التلويح بها، لتعزيز التعاون مع الروس، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى دعوة القوات الكردية الانسحاب إلى شرق نهر الفرات، فكيف ستناقش لاحقاً مسألة السماح بتشكيل إقليم سياسي كردي مستقل، على حدودها مع سورية، يحاصرها من الجنوب بعد شمال العراق؟

ويتجاهل مسلم مشروع المنطقة الآمنة، أو منطقة محظورة الطيران، في جوار جرابلس بعرض حوالي مئة كيلومتر على الحدود، وعمق حوالي 45 كيلومتراً. وأن تسهيل عودة اللاجئين إليها يخدم الطرح الأوروبي والتركي على السواء، وينهي التوتر الحاصل في اتفاقية اللاجئين الموقعة في مارس/ آذار المنصرم، من دون أن تدخل حيز التنفيذ، بسبب الشروط والشروط المضادة بين الجانبين. كما يتجاهل أن لعب تركيا ورقة إخافة واشنطن وموسكو، بدخول قوات الجيش السوري الحر لمنع الانخراط التركي الأقوى في المعركة ضد داعش، قد انتهى مع دخول آلاف المقاتلين العرب والتركمان المعركة.

ويتجاهل مسلم أن تزايد العمليات الهجومية لحزب العمال الكردستاني، في جنوب شرق تركيا في الأسابيع الأخيرة، لا يمكن فصله عن حراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سورية، بهدف إكمال توصيل الممر الكردي على طول الحدود التركية، وربما حتى المنفذ البحري على شرق المتوسط. ويتجاهل أن يصدّق أكراد سورية أن ما تريده واشنطن من الكرد يتجاوز قتال “داعش”، وهو بناء كيان كردي سوري، فقبلوا بصيغة التعاون، بينما الحقيقة هي التبعية، وليس التحالف. وفرصتهم الأهم هي الضغط باتجاه قبول إشراكهم في مفاوضات جنيف المقبلة، والطريق يمر عبر تغيير أساليبهم في التعامل مع الملف السوري، كما فعلت تركيا تماماً، وهي التي نجحت في سحب ورقة “داعش” من يدهم.

“يتجاهل مسلم مشروع المنطقة الآمنة، أو منطقة محظورة الطيران، في جوار جرابلس بعرض حوالي مئة كيلومتر على الحدود، وعمق حوالي 45 كيلومتراً”

ويتجاهل صالح مسلم أيضاً ما قاله وزير الدفاع التركي، فكري أشيق، إن جيش بلاده سيبقى في المنطقة الآمنة، ولن ينسحب إلا بعد أن تتمكن مجموعات الجيش الحر من بسط سيطرتها على كامل تلك المنطقة، وهو أبعد من التسعين كيلومتراً التي يجري الحديث عنها، ولها علاقة مباشرة بتسهيل انتقال المقاتلين الأكراد عبر الفرات أميركيا، وبترك العلاقات الكردية السورية والأميركية أمام اختبار جديد فجره ريدور خليل، الناطق باسم وحدات حماية الشعب الكردية، بقوله “قواتنا في غرب الفرات لا يمكن أن تتراجع تحت الضغط التركي، أو تحت أي ضغط آخر، لأننا أصحاب الأرض”. ورد عليه الرئيس التركي، أردوغان، بقوله “لن نأخذ بالتهديدات الكردية، ولا حتى بالنصائح الغربية بعدم المغامرة والدخول إلى عش الدبابير السوري”.

ويتجاهل مسلم أن التفاهم الأميركي التركي الروسي أرجأ المشروع الكردي في سورية، بانتظار إعادة صياغته، فقيادة القامشلي غير قادرة على القيام بما يتعارض عملياً مع الخطط الأميركية والروسية، واليوم التركية والإيرانية، في سورية، والمؤكد أن أموراً كثيرة ستتغير في سورية في الفترة المقبلة.

قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في اجتماعه مع وفد كردي يمثل حزب الاتحاد الوطني، بزعامة رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني، إنه لن يقف في طريق حق الأكراد في تقرير مصيرهم، “على أن نتفاهم في ما بيننا، إما بالبقاء معاً أو الانفصال”. وقد تواترت أخيراً نصائح عربية للأكراد، عليهم أن يأخذوا ببعضها، مثل حقيقة أن الحليف الأميركيّ لا يضحّي بالوزن التركي كرمى للوزن الكرديّ. وألا يأخذوا ببعضها، مثل أن الخيار الكردي الوحيد في سورية هو أن يتحملوا طريق الصحراء الطويل، لأنها الخطى التي كتبت عليهم لكي يصلوا، فهناك خيارات أخرى.

العربي الجديد

 

 

 

الحركة الكردية وعقلية التبرير والتخوين!/ حواس محمود ()

من المعروف كرديا ان ما هو مسيطر حاليا هو منظومة من الايديولوجيات التي تتغطى بالدفاع عن الشعب الكردي في اجزاء كردستان الاربعة، وبسبب تعقيد المسألة الكردية وهيمنة الدول الاقليمية على مقدرات المنطقة، وتوحدها في العداء للكرد وبسبب الخبرة التاريخية لأنظمة هذه الدول وبعد الكرد جغرافيا عن دول القرار الدولي، فإن هذه الدول خبرت طريقة التعامل مع الشأن الكردي سلبيا، فهي تختلف في العديد من القضايا لكنها تتفق على العداء للكرد خوفا من تقسيم دولها التي اصلاً جاءت بموجب اتفاقية سايكس بيكو 1916 لتضم اجزاء كردستان الى دولها، اقول ان هذه الدول تلعب لعبة سياسية سلبية بشكل تكتيكي ضار بالكرد وكذلك بشعوبها استراتيجيا، اذ تبقى القضايا عالقة وتبقى المنطقة مستنزفة وجاء موضوع الاستبداد والارهاب وتعرض الشعوب الاخرى للاضطهاد ليزيد من تعقيد الموضوع الكردي في كل الدول التي تضم اجزاء كردستان، ومن بين العوامل التي تجعل القضية الكردية مستنزفة هو هذا الخلط والفوضى الايديولوجية الكبيرة التي تستنزف الكرد من خلال عدم اتفاق الاحزاب الرئيسية الكردية فيما بينها بشأن حق تقرير المصير للشعب الكردي وانتشار المنازعات والتبريرات والتخوينات ذات الطابع الايديولوجي البحت بتأثي من الانظمة الغاصبة لكردستان – موضوع مقالنا الراهن –

العقل التبريري هو العقل التسويغي الذي يدافع عن الاخطاء والمغالطات بطريقة التفافية ارادوية ومزاجية غير خاضعة للعقل والمنطق، وانما مجرد تبرير واه وضعيف لأنه ناتج عن أدلجة وليس عن فكر معرفي مضمخ بالحيوية والتطور، وهو العقل الذي» ينتظرنا دائما عند حافة القول والفعل، لتبرير اخطائنا بدل نقدها ومحاولة اصلاحها، أو على الأقل الاعتذار عنها، وهذا الفعل التبريري أو التسويغي يحضر بقوة في كل موقف وفي كل ظرف حتى في حديث المرء نفسه، يحضر هذا العقل في موكب العاطفة فيصبح الانسان عاجزا عن التفريق بين الخطأ والصواب، لأن سلطة العاطفة والمنفعة الذاتية ومعهما العقل التبريري الجاهز والمتحفز للتغطية والتمويه، وصد إعمال العقل المنطقي والتفكير السديد، يتحول الانسان في لحظات التبرير الى كائن مكفوف البصيرة، فلا يرى أمامه الا طريقا واحدا وموقفا انفعاليا سلبيا وهو كيف يخرج من مغبة تجريم الخطأ، وقلق الموقف النقدي الذاتي الى ترويح النفس بالاطمئنان الموهوم، فينبري العقل التسويقي لصاحبه كالمنقذ بأن يضعه في موقف الضحية وموقف المظلوم وموقف المنكسر، أما غيره من الناس فهم الذين يرتكبون الأخطاء عمدا ودائما، دونما احساس بالعتب أو مظنة الاعتذار والتراجع.. مثل هذا الحديث مع النفس يمليه عقلنا المبرر لأخطائنا، يجعلنا ننتقل من محاولة مراجعة مواقفنا الخاطئة، والعزم على عدم تكرار فعل الخطأ إلى عقد العزم على العودة مجددا لنفس الموقف، من هنا تأتي مشكلة الانسان مع مواقف تسويغ فعل الخطأ العمدي، والعقل التبريري لا يقف عند هذا الحد، بل هو – وبكل ثقة – قادر على تسويغ اعقد القضايا، والباسها ثوب الحقيقة والصدق، بالانتقال من الشيء إلى ضده، بأن يجمع ويساوي بين المتناقضات من المفاهيم في وحدة غير جدلية في الموقف نفسه، فلا يفصل بين الحرية الشخصية وقيم المجتمع بين الحق الخاص والعام، بين الخيانة والأمانة، ويقدمها على أنها مترادفات ملتبسة تحتمل التأويل والتفسير المتشابه، ليدافع عن سقطاته وضدها في الوقت نفسه، وتكمن مشكلة العقل التبريري بأنه عقل تبسيطي وذرائعي، يهيم صاحبه بتبسيط آثار الأخطاء ونتائجها التي يتضرر منها الناس أو البيئة والمجتمع والوطن والدين»، عبد العزيز بن علي السويد، مقال «العقل التبريري في الفعل الاجتماعي»، موقع بحوث – 14/4/2009.

لقد اضحى التبرير والتخوين سمة اساسية من سمات التنازع الكردي – الكردي في ظروفنا الراهنة. فكل حزب يبرمج اتباعه على المطلقية الايديولوجية والصواب الكامل للقائد زعيم الحزب الذي يصل مع استمرار تنزيهه عن الخطأ الى مستوى القداسة والألوهة، فيتحول انصار الحزب الى اتباع لا مشاركين في القرار، ويتحول التنظيم الى ما يشبه التنظيم العسكري بتنفيذ اوامر القيادة العليا دون تبرير، وهذه التبعية العمياء – تؤدي الى تحول الاعضاء الحزبيين ومؤيديهم الى جيش جرار من مغلقي العقول ومغلقي الادمغة وهواة نشر الدعاية الحزبية وتبرير اخطاء الحزب وأخطاء زعيمه وكذلك حتى اخطاء مؤيديهم هذا من طرف حزب كردي كبير او صغير، في المقابل عند حزب كردي آخر المعادلة نفسها تسري على الاعضاء والمؤيدين، وتأتي الاحداث الدراماتيكية الى حصول تنازع وتنافر ايديولوجي واعلامي ضار جدا وخطير الى درجة كبيرة، وتجري حملات التخوين كل طرف للآخر وتتحول صفحات التواصل الاجتماعي الى ميادين وساحات المعركة الاعلامية الكبرى، كل ينهش في لحم الآخر، والكل يرفع شعارات كبرى بتحرير الكرد وتحرير كردستان أو بالامة الديموقراطية في غربي كردستان، هذا يتهم ذاك بالعمالة لهذا المحور أو ذاك، وتستمر المعركة السياسية والإعلامية حامية الوطيس، وكل يبرر لحزبه ويخون الاخر بشتى التهم، دون الوصول الى تفاهم ما باعتبار انهم كردا ويريدون ان يحققوا حقوق الشعب الكردي! وعندما يأتي مستقل او وطني غيور او احدى مؤسسات المجتمع المدني او احد الكتاب او المثقفين ليطرح وجهة نظر ما مستقلة ومختلفة بنقد احد الاطراف او عدة اطراف، سرعان ما تنهال عليه الاتهامات من كل حدب وصوب بإلصاقه بالطرف الفلاني وكأن الاستقلالية او الوطنية الحقة أضحت عملة نادرة ومن المحرمات الكبرى التي لا يجوز ان تحدث في واقعنا الراهن، استطيع القول ان ما يحدث حقيقة اشبه بالانتحار الذاتي الكردي ولو بصورة ايديولوجية او اعلامية وأحيانا بالسجن او منع السفر او الابعاد او حتى باطلاق يد ولسان زعران الحزب لينهالوا بالسباب والشتائم لأي صوت حر ينطق بالحقيقة المستقلة والرأي السديد.

التبرير آفة شرقية، وهي كرديا تأخذ منحى خطيراً في ابعاد نقاط التفاهم والاتفاق بين الاطراف الكردية وتجاهل خطورة المرحلة الراهنة، كما أن التخوين هو المعادل المعاكس لعملية التبرير فمقابل التبرير يأتي التخوين وهي ثقافة خاطئة لا بل ضارة وسامة للكرد او غيرهم، نحن نعرف ان الانسان من حقه ان يعطي رأيه بأي قضية لا سيما وان اتسم هذا الرأي بالموضوعية والصدق والدقة وعوضاً عن لجوء الاحزاب الى تصحيح الاخطاء وتصويبها بعد الاستماع او قراءة النقد نجدها تلجأ الى التهجم على صاحب الرأي وتخونه وتبرر للحزب اخطاءه وعيوبه، وهنا تأتي مهمة المثقفين والكتاب الكرد في دحض المفاهيم والشعارات والممارسات الايديولوجية الخاطئة والمضرة بنضال الشعب الكردي من اجل حقوقه عبر عقود وقرون من الزمن كانت محملة ببرك من الدم وانهار من الدموع وآهات من الهجرة والتغرب والتشرد في بلاد الله الواسعة وجبال من المعاناة الشاقة والصعبة في آن في كل جزء من كردستان.

() كاتب كردي من سوريا

المستقبل

 

 

 

 

عن أكراد سورية/ بدر الإبراهيم

توالت، في السنتين الماضيتين، على الأرض نجاحات وحدات حماية الشعب، القوة العسكرية الكردية الأساسية في سورية، والتي تُعرَف بأنها الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. تمكّنت من التفوق على الجهاديين في أكثر من موقعة مشهودة، مثل معركتهم ضد جبهة النصرة في بلدة رأس العين، ثم دفاعهم عن عين العرب (كوباني) ضد هجمة تنظيم داعش، والتي ساندتهم فيها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ولاحقاً توسّعهم في الشمال السوري، وعلى طول الحدود التركية السورية. لكن هذا التوسع دقّ ناقوس الخطر عند الأطراف المتصارعة، خصوصاً إيران وتركيا اللتين تعانيان من “مسألة كردية” لم تُحَل بعد، وهو ما يجعل الخصوم يتفقون ضد القوة العسكرية الكردية لتحجيمها، ووضع سقفٍ لطموحها الكبير.

هناك مسألة كردية لم تحل داخل المنطقة، لكن هذا لا يعني تماثل الظروف والأوضاع الخاصة بالأكراد في كل من العراق وسورية وإيران وتركيا. قدّم الباحث محمد جمال باروت عرضاً تاريخياً مهماً في بحثه في كتاب “مسألة أكراد سورية”، وأوضح الفارق بين “أكراد الدواخل” في سورية وأكراد الأطراف، إذ ينحدر أكراد الدواخل من أصول أيوبية، كما من عشائر كردية تتركّز في الأطراف، ويظهر وجودهم في حي الأكراد في دمشق، وفي جبل الأكراد في عفرين شمال حلب، فيما قدم أكراد الأطراف في موجات هجرة من تركيا، بدأت في منتصف عشرينيات القرن المنصرم باتجاه الجزيرة السورية (بالتحديد نحو محافظة الحسكة حالياً)، نتيجةً مواجهات كبيرة بين قوى كردية ثائرة والحكومة التركية، على خلفية رفض الأكراد سياسات الصهر القومي التركية.

اندمج أكراد الدواخل في الإطار الوطني السوري، وتوسّعت طبقتهم الوسطى، مع اشتغالهم بالتجارة وعملهم في الوظائف المدنية والعسكرية، كما أنهم ساهموا بفعاليةٍ في التصدّي للاحتلال الفرنسي، وفي الثورة السورية الكبرى، وقد تعرَّب بعضهم، وانخرطت شخصياتٌ عديدة منهم في العمل الوطني ومواجهة الاحتلال الفرنسي، مثل علي زلفو آغا، وإبراهيم هنانو. بقي أكراد الأطراف في إطار عشائري، وارتبط مجتمعهم في الجزيرة السورية بزعاماتٍ عشائرية، حاول الانتداب الفرنسي استغلال بعضها لبناء كيان كردي – كلدو آشوري مستقل ذاتياً، ضمن التصور الفرنسي للتقسيم الإثني/ المذهبي للمناطق السورية، وتمثل هذا في قيام حركة الجزيرة الانفصالية عام 1937، لكن قادةً أكراد أساسيين واجهوها، بالتنسيق مع الكتلة الوطنية في دمشق، وأحبطوها، ليسقط المشروع الانفصالي في الجزيرة السورية.

اندمجت النخب الكردية في العمل السياسي السوري بعد الاستقلال، وظهرت شخصياتٌ كردية متعرِّبة عديدة بين الضباط الأساسيين في مرحلة الانقلابات. يفنّد باروت أساطير مخترعة حول التمييز ضد الأكراد في سورية، ويشير إلى مراحل تاريخية بسيطة، تم التفكير فيها أو اتخاذ إجراءات تجاه تجنيس أكراد الجزيرة السورية. لكن، في المجمل، لم يعان الأكراد تمييزاً ضدهم، بوصفهم أكراداً في الخمسينات، وخلافاً لما يُشاع من نزوع قومي عربي للتمييز ضد الأكراد، كانت القوى القومية العربية مشجعةً القوى القومية الكردية على تأسيس تنظيمها الأول عام 1957 لمواجهة الأطماع التركية. وفي مرحلة الجمهورية العربية المتحدة، تم تخصيص ركن كرديٍّ في إذاعة صوت العرب. وعلى الرغم من أن هذا تم لأغراضٍ سياسيةٍ، متعلقة بالصراع الإقليمي، كما يلحظ باروت، إلا أنه يعبر عن غياب سياسات تمييزية ضد الأكراد.

يشير باروت إلى أساطير حول التمييز، مثل مشروع الحزام العربي في الجزيرة السورية، ونقل سوريين عرب إليه في بداية السبعينات، بعد أن غمرت مياه بحيرة الأسد أراضيهم. ويؤكّد أن عدد المنقولين لم يتجاوز 24 ألف نسمة حداً أقصى، وقد حصل هذا من دون تهجير أي فلاح كردي، أو أي تغيير في التركيبة السكانية للجزيرة السورية. يؤكد الباحث، أيضاً، أن مفهوم “كردستان الغربية” الذي يدل على الأراضي التي يقطنها الأكراد في منطقة الجزيرة والشمال السوري مخترع، ولم يكن لا في أدبيات القوميين الأكراد تاريخياً ولا خرائطهم، إذ إن كردستان التاريخية عندهم هي بين تركيا وإيران والعراق. يعزو باروت انتعاش مفهوم كردستان الغربية إلى مرحلة حصار العراق ثم غزوه عام 2003، وتأثير نشوء إقليم كردستان العراق على المجتمع الكردي في سورية.

هذا السرد التاريخي مهم للقول بضرورة التفريق بين احترام الخصوصية الثقافية الكردية داخل دولةٍ وطنيةٍ ديمقراطية، وهو مطلبٌ لابد من التأكيد عليه، بل وحل المسألة الكردية بالتزامن مع حل المسألة العربية، وتقرير مصير القوميتين ضمن تسويةٍ تاريخيةٍ كبرى، ومحاولة تضخيم مظلوميةٍ تاريخية، أو اختراعها، واستخدامها من قوى سياسية كردية في ضرب مفهوم الدولة، وتعويم مفهوم “المكونات” على الطريقة العراقية، حيث يتقاسم النفوذ مكوّن قوميٌّ مع مكونات مذهبية (سنة وشيعة)، ضمن التصور الغربي الاستعماري للمنطقة.

لا يكون التسليم بحقوق الأكراد على حساب العرب، بتغيير ديموغرافي يخلق مناطق كرديةً نقية ويهجّر السكان العرب، كما أن النضالات القومية التحرّرية لتقرير المصير لا يجب أن تتخذ من القوى الاستعمارية ظهيراً، لا من ناحيةٍ مبدئيةٍ، ولا من ناحيةٍ براغماتية. وقد رأينا كيف فاجأ الأميركيون القوة العسكرية الكردية، بتفاهمٍ مع تركيا، يعيدها إلى شرق الفرات، ليؤكّدوا، كما فعلوا مراراً في حالاتٍ متعدّدة، أن الرهان عليهم حماقةٌ سياسيةٌ كبرى.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

حسابات كردية خاطئة/ جورج مالبرونو

دخلت عشرات الدبابات التركية في نهاية الأسبوع الماضي بلدة الراعي على الحدود التركية لطرد مقاتلي «داعش». وتدعــــم القوات التركية ثوار المعارضة السورية الذين تــــرغب أنقرة في انتشارهم في المنطقة العازلة التي ترسيها تركيا منذ بدء عمليتها، في 24 آب (أغسطس) المنصرم، في شـــمال سورية ضد «داعش» والمقاتلين الأكــــراد السوريين. وأعلــن رئيس وزراء تركيا أن الحدود الســــورية – التركية صارت آمنة، بعد طرد «داعش» من مناطق بين جرابلس والراعي. وأبــلغ أحمد عثمان، قائد قوات «السلطان مراد» الموالية لتركيا، وكالة الأنباء الفرنسية بأن قواته ترمي إلى التقدم نحو الجنوب إلى منطقة الباب، المعقل الأخير لـ «داعش» في جوار حلب ومنبج.

وفي شمال سورية، تتغير خريطة المعارك تغيراً سريعاً منذ تدخل القوات التركية. ولا تسعى أنقرة إلى مكافحة «داعش» فحسب، بل إلى الحؤول دون وصول الأكراد المناطق بين جرابلس وعفرين وبروز منطقة كردية مستقلة على حدودها. وهذه المنطقة وصفها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأنها «ممر الإرهاب». و«وحدات حماية الشعب» الكردية هي أكبر الخاسرين من تغير موازين القوى. و «حساباتها افتقرت إلى الواقعية. وتمادت (في التوسع)، فوقعت في فخ»، يقول شاجباً ديبلوماسي فرنسي يتابع حوادث سورية من كثب. وحين تجاوز الأكراد الفرات في اتجاه منبج، خرقوا محظورات تركية وأميركية. ومذّاك، تطالبهم أنقرة بالانسحاب إلى شرق النهر. وانسحابهم ليس ناجزاً بعد.

فإثر الدعم الأميركي منذ 6 أشهر – عمل 400 مستشار عسكري أميركي إلى جانبهم – شعر الأكراد بالثقة وحسبوا أن كفتهم رجحت. ويرى عدد من الخبراء أن كفة «وحدات حماية الشعب» غلبت، وفرضت القوات هذه حلولاً متطرفة. ووضعت زعيمها السياسي، صالح مسلم، تحت الأمر الواقع. وفي الأمد القصير، مصير المقاتلين الأكراد السوريين هو رهن حليفهم الأميركي، على رغم أن كثراً منهم يرون أن واشنطن خانت قضيتهم من جديد حين طالبتهم بالانسحاب إلى شرق الفرات.

وقبل أشهر قليلة، فتح الأكراد السوريون مكتباً في كل من باريس وموسكو. لكن الأمور تغيرت هذا الصيف، إثر الانقلاب الفاشل على الرئيس أردوغان. ويرى ديبلوماسي فرنسي، أن ثمة اتفاقاً تركياً – روسياً – إيرانياً برز بعد شهر على لقاء بوتين – أردوغان، ويقضي (الاتفاق هذا) بكسر شوكة المشروع الكردي في شمال سورية. وفي الأسابيع الاخيرة، يقال أن اجتماعين سريين عقدا بين الاستخبارات السورية والتركية، وأن لقاء ثالثاً مرتقب في القريب العاجل في موسكو.

ويدور كلام بعض المصادر على قمة ثلاثية بين بوتين وأردوغان والأسد في 20 الشهر الجاري. وقد لا تقتصر القمة على مقاربة تقطيع أوصال مشروع الاستقلال الكردي في شمال سورية. فأنقرة نزلت على ضغوط روسيا، ووافقت على بقاء الأسد في مرحلة سياسية انتقالية. ويتوقع أن ينتشر جيش سوري حر جديد في شمال سورية. وأبلغنا مسؤول أممي أن تركيا ستغلق «غرفة الحرب» (غرفة العمليات) في جنوب البلاد التي تنسق مع القوات المعارضة للأسد. ويرجح أن تتقلص المساعدات التركية المقدمة للثوار السوريين. و«يبدو أن الأتراك والروس لم يتفقوا بعد على مصير حلب، وهم يتباحثون في مشروعين: سيطرة قوات تدعمها تركيا على حلب أو القبول بتوازن قوى يميل إلى الأسد». وتقدم الجيش السوري قبل أيام، وسيطر على الكلية العسكرية في حلب، وشدد طوق الحصار على المدينة.

إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

الحلم الكردي… الكابوس السني/ يعقوب عميدرور

ثلاثة تطورات هامة تجري في الآونة الاخيرة في الحرب الفظيعة في سوريا، وسيكون هناك تأثير حقيقي لها على مستقبل الشرق الاوسط: 1.التدخل المتعاظم لروسيا (بما في ذلك الاستخدام قصير المدى للأراضي الإيرانية)؛ 2. نجاح قوات التحالف في تقليص الأراضي التي تحت سيطرة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)؛ 3. دخول قوات تركية كبيرة للقتال في سوريا، علنا ضد داعش وعمليا ضد الأكراد في شمال سوريا.

بطبيعة الحال، فإن هذه الاحداث عسيرة على الفهم، واصعب من ذلك هو تقدير التطورات بعيدة المدى النابعة منها. ومع ذلك، يمكن منذ الان رسم بعض منها، بشكل حذر. هكذا، مثلا، الرئيس السوري، بشار الأسد، نجا على ما يبدو وسيبقى في منصبه لزمن طويل آخر. وكانت نقطة الانعطافة الخطوة التي بادر اليها الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، لشراء ود روسيا (بما في ذلك الاعتذار).

لما كانت تصفية الحكم الذاتي الكردي هامة للأتراك اكثر من الاطاحة بالأسد، فقد ألغى اردوغان طلبه الاستقالة الفورية للرئيس السوري، كي يتمكن من التعاون مع الروس، المؤيدين للأسد. في الواقع الجديد، لم تتبق أي جهة ذات نفوذ تطالب بتنحية الأسد، ويبدو ان الولايات المتحدة ستبتلع هذا الضفدع ايضا ـ فليس لديها ورقة حقيقة في المفاوضات التي تجريها مع روسيا على مستقبل سوريا. الرابح الأكبر، كما أسلفنا هو الأسد، سيبقى في مكانه طالما لم يصف جسديا.

من زاوية النظر التركية يدور الحديث عن صحوة سريعة. لقد اثبت اردوغان مرة اخرى بأنه يعرف كيف يتخذ قرارات صعبة وفقا لاحتياجاته الاستراتيجية. فقد عمل سريعا وبلا تردد، لأنه فهم بأن التهديد الاخطر على وحدة بلاده هو نجاح كردي في خلق نوع من الدولة على طول الحدود القديمة بين سوريا وتركيا. وبالتأكيد إذا ما ارتبط الأكراد باخوانهم في العراق وحركة التنظيم السري الكردي في تركيا (حيث يوجد 10 ـ 15 مليون كردي من اصل نحو 20 مليون بالاجمال).

يركز اردوغان جدا على تصفية الحلم الكردي، وعليه فبالتوازي مع ارجاء روسيا يسهم ايضا في القتال ضد داعش، كي يتلقى شرعية أمريكية (الولايات المتحدة تتحفظ من القتال ضد الأكراد). وهكذا، عمليا، فإن تركيا هي ايضا الرابح الأكبر من التطورات الاخيرة، رغم الهزة التي في محاولة الانقلاب، والتي خرج منها اردوغان أقوى من أي وقت مضى. بشكل عام، إلى جانب المبادرة الحالية ضد الأكراد وداعش، يعزز الرئيس التركي مكانته الداخلية والخارجية معا، حيث إنه لن يتضرر حتى من بقاء الأسد كون هذا يعد خسارة شخصية وليس استراتيجية، ولهذا فإنها ليست ذت مغزى.

من هم الخاسرون الأكبر من سلسلة الاحداث هذه؟ الأكراد. فقد فقدوا الفرصة للتقدم في استقلالهم (من الصعب التوقع متى سينالون فرصة اخرى)، كونهم لم يتمكنوا من الاتحاد وعرض جبهة متراصة من حدود إيران وحتى منطقة حلب. لم يعلقوا آمالا كبيرة جدا على الولايات المتحدة، التي خيبت املهم في لحظة الاختبار. ليس معروفا ما وعد به الأمريكيون الأكراد، ولكن يبدو أن الاخيرين بقوا شبه وحدهم يتحملون عبء الحرب ضد داعش، في سوريا وفي اجزاء مختلفة من العراق، على مدى فترة طويلة.

لا شك أن تأييد الولايات المتحدة للأتراك، هذه الايام بالذات، ضد التطلعات الكردية (رغم التحفظ اياه من قتال الأتراك ضد الأكراد) سيسجل في غير صالح البيت الابيض في ارجاء الشرق الاوسط. مرة اخرى يبدو ان الولايات المتحدة خانت اصدقائها. يحتمل أن لا يكون هذا وصفا صحيحا للحقائق، ولكنه على الأقل هو الانطباع المتراكم.

الحلف الروسي ـ الإيراني

على مدى كل هذه الخطوات، فإن من ضعف هو المحور العربي ـ السني، الذي تقوده السعودية ـ فهو لم ينجح حتى الآن في تحقيق أي من أهدافه. وكنتيجة لذلك فإن إيران هي التي تتعزز، حين تربح اكثر من كل دولة اخرى من بقاء الأسد في الحكم، وهو الذي ترعاه.

الأسد في دمشق هو جزء هام في المحور الشيعي الذي عملت إيران على اقامته في مربع طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت. في طرف هذا المحور تواصل إيران الامساك واستخدام حزب الله كيد طويلة لها. ومع ذلك فإن التنظيم الإرهابي يدفع ثمنا باهظا على ذلك، بالخسائر، بالجرحى وبفقدان شرعيته كحامٍ للبنان (وحتى كحامٍ للشيعة في لبنان). من المهم لإيران اكثر الحفاظ على الأسد من التخفيف عن نصرالله، بسبب التفضيل الواضح للمصلحة بعيدة المدى على الضغوط التكتيكية في داخل العائلة.

مؤشر آخر على التحسن في مكانة إيران هو منظومة العلاقات المتطورة لها مع روسيا، والتي يدها في المجال الجوي طالت. لا توجد أي صدفة في الموعد القريب الذي بين الاتفاق النووي الإيراني وانتشار القوات الروسية في سوريا وتعميق التعاون بين موسكو وطهران في القتال إلى جانب الأسد، ولا حتى ايضا في توريد السلاح الروسي المتطور لإيران.

عمليا، كان الاتفاق مع إيران مدخلا لتغيير العلاقات بين الدولتين، والتي باستثناء المجال النووي، لا يوجد عليها أي قيد. وهي ستواصل التطور في جوهرها، حتى إذا كان بسبب عدم الراحة الإيرانية توقف النشاط الجوي الروسي من الاراضي الإيرانية.

ومع هذا التعاون ايضا تجد الولايات المتحدة صعوبة في التصدي له، الوضع الذي يفزع الدول العربية السنة، كونه يعزز قوة إيران.

المدى البعيد

تتضح نتيجة كل هذه الخطوات في مستويين. الاول، في المستوى الدولي، حيث اصبحت الولايات المتحدة كمن ليس لها نفوذ على مصير سوريا، لدرجة انها تتبين كقوة عظمى لا تعرف (او لا تريد) كيف تحقق قوتها في المنطقة. وهي تركز على القتال ضد داعش وبقدر معين تنجح في ذلك، ولكن فضلا عن ذلك نفوذها في المنطقة آخذ في الضيق. ومقارنة بها، فإن روسيا تكسب المزيد من النفوذ، باستثمار غير كبير، ولا سيما بسبب الانعطافة التركية، إذ واضح انه بدونها لن يقوم أي شيء حقيقي في سوريا.

على المستوى الشرق أوسطي، فإن المحور الشيعي يتعزز، تركيا منشغلة في شؤونها وفي كل الاحوال تشعر بأنها أقرب إلى الاخوان المسلمين منها إلى المحور العربي السني (الذي عناصره الهامة هي السعودية ودول الخليج) والذي كما أسلفنا فشل حتى الان.

في سوريا نفسها الهدوء بعيد، وان كان انضمام تركيا إلى المحور الإيراني ـ الروسي يمكنه أن يؤدي في المدى البعيد إلى اضعاف الثوار لدرجة تآكل قدرتهم امام الجهد الشيعي ـ الروسي.

هذا ليس تطورا قريبا، ولكن هذه هي نتيجة محتملة للوضع الجديد. في هذه الاثناء لا حاجة لأن تغير إسرائيل سياستها الحذرة في سوريا، ولكن في ضوء ما يجري في المنطقة، ينبغي لتعزز قوة المحور الشيعي أن يكون في مركز الاهتمام الاستخباري والاستعدادات الإسرائيلية.

إسرائيل اليوم 4/9/2016

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى