القلمون: ما بعد بعد القصير/ عمر حرقوص
هي حرب طاحنة في القلمون السورية، حرب لن تبقي ولن تذر. المعركة في أكبر جرد بين لبنان وسوريا نسبها مرتفعة، وخصوصاً في التوقعات السياسية والإعلامية.. والأسباب السياسية لاشتعالها واضحة، فعلى طرفي الحدود هناك نقيضان. المعارضة السورية بتنوعها من جهة، و”حزب الله“ متحالفاً مع الجيش السوري من الجهة الثانية. حرب طاحنة قد يشعلها موت مخطوف من هنا أو خلاف على تهريبة حشيش من هناك أو اطلاق صواريخ من نوع ”غراد“ على الهرمل. حرب قد يوقفها أيضاً العديد من المتغيرات العسكرية، ومنها معركة بلدة مهين التي افتتحها الاثنين مقاتلو القلمون لتحرير بلدة القريتين لفتح الطريق إلى الغوطة الشرقية.
إنها الحرب الآتية على القلمون، هكذا يصف أحد الناشطين الشبان في يبرود الأيام المقبلة، فالمجموعات التابعة لـ”الجيش السوري الحر” لاحظت خلال عمليات استطلاعها تبدلاً في مواقع ”حزب الله“ في جرود بلدات نحلة وبريتال وحام اللبنانية. هذه التغيرات الطفيفة استدعت الخوف في القلمون السورية بعد تجربة منطقة القصير. ولذلك بدأت التحضيرات للمعركة في عز الصقيع الذي يلف جبال تلك المنطقة.
يرى الناشط الشاب في إطلاق صواريخ ”الغراد“ على مدينة الهرمل عملا لا يخدم إلا إشعال الحرب في المنطقة، وهو ما سيؤدي إلى موت الآلاف ونزوح مئات الآلاف من المدنيين عن جانبي الحدود. كما يستغرب التحضير الإعلامي للحرب منذ فترة طويلة في وقت تشهد هذه المنطقة أهدأ مراحلها منذ أكثر من عام.
على الطرف الآخر للحدود، طلب ”حزب الله“ من ساكني أطراف بلدات اللبوة، النبي عثمان والبزالية من الجهة السورية الابتعاد قدر الامكان عن المناطق الجردية المحاذية لسوريا في المرحلة الحالية. في وقت أكد مقرب من ”الحزب“ أن أي عملية في المنطقة لا يمكن ان تتعدى نقاطا محددة لوقف عمليات القصف عن الهرمل.. ولفت إلى عودة مقاتلي ”الجيش الحر“ من أبناء القلمون إلى قراهم تاركين المعارك الحامية في ريف دمشق الشرقي. هذا الانتقال أكده مصدر عسكري معارض في القلمون، مشيراً إلى أن هناك معارك أساسية لإعادة توحيد شمال سوريا وغربها مع وسطها وجنوبها. حيث بدأت معركة بلدة مهين وتحرير الطريق الشرقي الموصل إلى مدينة القريتين في وسط الصحراء لفتح الطرق أمام المعارضة إلى كل المناطق.
لا يستبعد أبو أحمد القلموني قيام ”حزب الله“ والجيش السوري بهجوم على المنطقة، مؤكداً أن لا تحضيرات للجيش السوري في المواقع القريبة، حيث تحتاج القلمون إلى أكثر من عشرين ألف جندي مدعمين بكل أنواع الآليات لفتح معركة مع الثوار داخل بيئتهم الحاضنة.
أما في بريتال، فينتظر علي غنام اسماعيل، رئيس البلدية الأسبق عودة ابنه ياسر بعدما اختطفته عناصر مجموعة سورية من جرود البلدة حيث يعمل في الزراعة والتهريب كمثل مئات الشبان في بلدتهم والقرى المحاذية. ويتخوف من تحول خطف ابنه إلى واحد من أسباب الحرب بين المنطقتين.. وخصوصاً أن الخطف أتى من خارج أي سياق خلافي مذهبي أو سياسي، فالمهربون من أبناء بريتال يتنقلون عبر الحدود ويهربون المواد الغذائية والسلاح والسيارات إلى طرفي الصراع في سوريا، وخصوصاً السلاح للمعارضة. وهم ليسوا على خلاف مع أحد.
رد فعل آل اسماعيل في بريتال جاء باختطاف اربعة اشخاص من بلدة حوش عرب، بعدما أشارت المعلومات الأولى إلى أن المجموعة الخاطفة هي من هذه البلدة في القلمون، ويتعاطى أفراد المجموعة تجارة المخدرات إضافة إلى التهريب عبر الحدود مع لبنان، وهم أقرباء لرئيس فرع الأمن السياسي السوري محمد ديب زيتون. وبعد ذلك اطلق سراح الاربعة تدريجياً وكان آخرهم المدعو أبو شعلان الذي أطلق قبل أيام، فيما تم اختطاف ثلاثين شاباً من بلدة عسال الورد هم أقرباء اللواء في الجيش السوري عزت خلوف.
في هذا المجال، يؤكد راشد (اسم وهمي) وهو قائد لكتيبة في جرود رنكوس أن المجموعة الخاطفة ليست مع الجيش الحر، ولكنه لا يعتبرها تابعة للنظام، ولكنها مثل كثير من العصابات التي تعمل منذ سنوات طويلة على الحدود في التهريب وتجارة المخدرات، ويقول إن خلافاً مالياً هو الذي أدى إلى اختطاف ياسر اسماعيل. يتخوف راشد من عمليات انتقام يقوم بها بريتاليون تفتح المجال لردود فعل ما يزيد من امكانية اشتعال جبهة القلمون.
ويلفت إلى أن احد الخاطفين قال لمجموعة من ”الجيش الحر“ اعتقلته لفترة ان ”ابن بريتال“ بحال صحية سيئة جراء إصابته بنوبة قلبية منذ اللحظات الأولى لاختطافه. فيما حاول محمد عباس ”أبو عباس“ وهو أحد كبار تجار المخدرات بين لبنان وسوريا التكفل بدفع فدية مالية قدرها خمسون ألف دولار أميركي لإطلاق سراح البريتالي.. وكذلك التكفل بدفع مئة ألف دولار لاطلاق سراح المخطوفين الثلاثين في بريتال.. ولكن أهل الجبة لم يطلقوا سراح المخطوف مما زاد من حجم الأزمة والتوتر الذي لا يمنع أن يكون سبباً إضافياً لإشعال المنطقة.
إذاً، الأجواء العسكرية في المنطقة تتجه إلى التصعيد، والعلاقات بين أبناء جانبي الحدود بدأت بالتقطع ولا سبيل لإصلاحها، ورغم تفاؤل الكثيرين على جانبي الحدود، فإن البعض يرى في الاشكالات العشائرية سبباً لتحولها إلى إشكالات مذهبية تستعمل لاحقاً كسبب رئيسي لمذابح تفجر الحرب في القلمون.
من ناحية أخرى، يرى مدير المركز الإعلامي في القلمون عامر القلموني أن أي معركة عسكرية في المنطقة هي خاسرة للنظام وغيره، والقلمون ليست القصير الصغيرة نسبياً والمحاصرة من كل الجهات، ولا هي المعضمية التي جاع أهلها وتكاد تسقط خلال الساعات المقبلة. فالمنطقة كبيرة جداً وفيها ما يكفي من تخزين لكل ما يمكن أن يطيل فترة الحصار ويحولها إلى حرب استنزاف طويلة.. مما يعني أن الخسائر ستكون كبيرة جداً للطرفين وخصوصاً القادمين إلى المنطقة من خارجها مثل ”حزب الله“ في موسم الشتاء.
ويشير عامر القلموني إلى أن النظام و”حزب الله“ لم يستطيعوا إسترجاع معلولا، وسيطروا على حاجز المزابل في جبال حلبون بعد خسائر كبيرة تكبدوها مع أن الموقع صغير جداً. ولذلك فهو يستبعد المعركة إلا إذا فشل النظام في اسقاط المعضمية، فقد يضطر للتحول إلى القلمون لتحقيق انتصارات وهمية، كما يسميها.
إذاً، الآراء تتضارب، من جهة المعارضة التي تحاول الإيحاء بعدم قدرة أحد على اختراق منطقتها. ومن جهة ثانية الجيش السوري و”حزب الله“ اللذين يخبئان خططهما العسكرية بين الأيام المقبلة وبردها القارص أو إلى الربيع المقبل. إنها الحرب التي ستمتد إلى ما لا نهاية، أو أقله عشرات السنوات، حيث لا يبقى على تلك الأرض من يبشر ببناء دولة حديثة أو ما يشبه الدولة التي كانت قائمة.