صفحات الناس

القنيطرة: حرب الحدود

معتصم الديري

للمدينة اسم قديم يشبه حظها وحالها: “الجسر الصغير”. القنيطرة التي ترتفع عن سطح البحر قرابة ال 1000 متر، ترتفع أيضاً عن كل البلاد السورية حرباً كاملة جلست على بيوت المدينة واهلها من يونيو/حزيران 1967 إلى يوليو/تموز 1974. عرفت المدينة كل الحرب السياسية والعسكرية، عمّرّ حافظ الأسد مملكته بناء على تلك الحرب، كسب بحنكته الشعب والارضية والكرسي الى الابد.

 يكتب أحد الضباط في مذكراته قبل موته، العميد فهد الديري الذي حضر المعارك كلها وبرز فيها ولكنه ازيح ثم سُجن سياسياً وشُلعت اظافره في فرع فلسطين لمعارضته لتلك المملكة : “حافظ الاسد امتحن ضباطه في تلك الحرب، وليس جيشه. غربلت المؤسسة العسكرية بعد تلك الحرب الكثير من الضباط، الحرب التي ربحها حافظ الأسد وحده”.

  المدينة التي بيعت لم تكن الا ثائرة في الثورة السورية رغم تأخرها لحساسية مدينة أغلب مواطنيها من المتطوعين في السلك العسكري. لكنها انتفضت ومن ثم حررت أول مدينة فيها وهي “جبات الخشب” التي تعد مركزاً للثوار الآن. وفي حال الثوار والعسكرة البطيئة، تقدمت المحافظة مدينة مدينة.

 من مدنها المحررة الآن غير مدينة “جبات الخشب” مدن أخرى مثل “بريقة- بير عجم- القحطانية- الصمدانية الغربية وزبيدة- الرفيد- العجرف- طرنجة” . ومناطق أخرى كلها ربحها الثوار منذ أول التحرير الذي بدأوه وكان أسخنه واسرعه في الشهر الثاني من هذا العام.

 بدأت تلك المعارك في الشهر الثاني حين دخل الثوار مدينة “خان ارنبة” التي تبعد 15 كلم عن القنيطرة، وحرروا فيها “دوار المدينة” و”مخفر الشرطة العسكرية” لتسخن المنطقة بأكملها قرب حدود هي الحساسية كلها بالنسبة للثورة السورية، ولتسجل قذائف متكررة في داخل اسرائيل، آخرها كان له رد اسرائيلي على موقع سوري.

وكان للدول الجائرة في التدخل في سوريا شبه قرار بأن المناطق الحدودية والقريبة لاسرائيل ستكون شبه هادئة، وهو ما أخر “درعا” و”القنيطرة” عن الدعم حيث لكل المحافظتين حدود مع اسرائيل.

 وهو ما حصل حيث أنه من الغريب أن تبدأ درعا معركة تحريرها قبل 4 شهور فقط وهي مهد الثورة. التحرير الذي سار في المحافظتين بمعارك شرسة كون ابناء هذه المدن أبناء سلاح من قبل، ومن الطرف الأخر كون النظام في عز قوته في المحافظتين من عدد ومن نخب.

لم يتوقف أبناء القنيطرة عند تحريرهم للسرايا الحدودية مع اسرائيل التي بدأوها مع ثوار درعا قبل شهر ونصف تقريبا، بل تابعوا تحريرهم لداخل المدينة.

 ليرتفع صخب المعارك فجر الخميس، حيث حرروا قرية “القحطانية” والمعبر الحدودي بين اسرائيل والنظام والذي أمسكه الثوار لساعات النهار، ثم استطاع النظام استرجاعه ثم جاءت تعزيزات للثوار اخر المساء تحاصر المعبر. والأكثر رمزية هو تحرير الثوار للقنيطرة المهدمة وخبر قصف النظام لتلك المدينة الرمزية المهدمة.

 يجيب “ابو طارق” أحد الناشطين الاعلاميين ومدير اذاعة “جولان اون لاين”: “نعم استعدنا مدينتنا المهدمة اليوم من ايدي كل الحكومات. من الذين هدموها سوية مع اسرائيل وثم اعطوا لأهلها بيتاً في ريف دمشق لم يختاروه هم.

 “حاول النظام الذي يعرف حساسية حرب المدينة استرجاعها”، يضيف “”أبو طارق” ل”المدن”: ” حاول استرجاع المعبر والمدينتين المحاذيتين له: القنيطرة المهدمة-القحطانية، لكن الثوار صدوا الرتل الضخم الذي قدم الى المنطقة، حيث تم تدمير 4 دبابات و عربات، مما اضطر الرتل للتراجع الى مدينة “البعث” التي تبعد 10 كيلومترات عن المعبر ويسيطر عليها النظام، والى مدينة خان ارنبة. ثم عاود التعزيز باتجاه المعبر مساءً واستطاع دخوله عبر رتل ضخم، بينما التف الثوار في محيط المعبر واستقدموا تعزيزات ليعاد تحريره”.

 النظام الذي يستقدم أكثر من رتل ليستعيد معبراً، هو يستعيد هويته في وجه الاسرائيليين وحسب. وكان ذالك واضحاً من القصف الجنوني الذي شهدته المنطقة حيث بدأ النظام فور خسارته المعبر بدك المدن المحررة، وتم تسجيل سقوط 300 قذيفة على مدينة جبات الخشب وقصف على مناطق متفرقة في المحافظة، من معسكرات النظام في المنطقة والتي هي: التل الاحمر تابع للواء 90، قيادة اللواء 90 في قرية الكوم، التلول الحمر في مشاتي حضر، وتل السقري غربي مسحرة، وتل الشعار شرق جبات. لا يملك قوة عسكرية قوية غير اللواء 90، لم يعد يملك الا مدناً صغيرة او نصف مدن.

 وعما تبقى للنظام على الحدود مع اسرائيل فيقول الناشط “جبران” : “بقي لهم الحرية والحميدية فقط، وهكذا تصبح الحدود للثوار من جبات الخشب للاردن. يصبح الشريط الحدودي كله محرراً لنا، وبصراحة حتى لم يبق في مدينة الحميدية الا مفرزة للأمن، وحاجز واحد في الحرية”.

 اسرائيل تبدو واضحة في أنها ما زالت تفضل جارها الأول في المنطقة، ترسل طيران استطلاعها كل يوم، وفي حالات الاستنفار توجد طلعات للطيران الحربي الاسرائيلي. تبقى اسرائيل متأهبة وفي إنتظار انتهاء المشهد بين ثوار سوريا والنظام.

 هو نفسه النظام الذي يسقط الأن عسكريا في القنيطرة قام بدك المعبر الذي حرره الثوار وهو يبعد 70 متراً عن اسرائيل فقط، الأمر الذي أدى الى سقوط قذائف في الداخل الاسرائيلي. يقول ابو طارق: “لم يكن القصف كبيرا على المعبر باعتبار أن هذا النظام يخاف من أن يقلق نوم اسرائيل وبالتالي ان تأتي الأمور على عكس ما يشتهي. نعم سجل سقوط قذائف في العمق الاسرائيلي ولكن القصف الأقوى كان على “جبات الخشب” والقرى المحيطة”.

 سقوط القذائف خطأ في الداخل الاسرائيلي وانتشار الجيش الاسرائيلي ليس جديداً البتة على اهل المدينة، هو يحدث كلما حدث القصف، لكن الخميس شهد الانتشار كثافة عسكرية معززة بمدرعات. يفسر  ابو طارق ذلك بالقول: “هي جبهة معارك داخلية ومن المتوقع والطبيعي هذا الانتشار للجيش الاسرائيلي. لكن الانتشار الكثيف لهم كان فجراً بعد بداية المعركة مباشرة، ولا اعرف ان كان هناك سبب لذلك، ولكنهم دائما منتشرون”.

 المنطقة التي تنتشر فيها ثلاثة جيوش”الحر-الاسرائيلي-جيش الاسد” لن يبقى الثلاثة فيها، وخاصة وفق خطة الثوار المتمثلين ب”المجلس العسكري” وتجمع تحرير القنيطرة، ولواء الفرقان المتواجد فقط في مدينة “بئر عجم”.

 حيث يبدو من كلام أبو طارق أن الثوار سيمضون من معارك الحدود الى دمشق : “الأهم هم المدنيون. سوف يؤمن الثوار المدنيين، ووجهتنا سوف تكون دمشق ان شاء الله”.

 وعن وضع المعبر والحدود بعد التحرير يضيف “جبران”: “سيرجع المعبر وعند التحرير الكلي لا يمكن أن تترك الحدود مع هكذا دولة غير منضبطة. ستنضبط حتى يتبين الأمر كاملاً. والأهم هو ضبطها من ضعاف النفوس، الذين قد تجندهم اسرائيل للعمل في الداخل السوري، او داخل الثورة السورية، وأولئك الذين يمكن أن تجندهم بعض الدول ومن بينها النظام، ليثيروا بلبلة على الحدود في وقت خطأ، يعود على الشعب السوري بفوضى أكثر”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى