صفحات الحوار

الكاتبة الأميركية توني موريسون (نوبل) تتحدث عن روايتها الجديدة وأميركا والسياسة


                                            تقديم وترجمة: كوليت مرشليان

تبلغ الروائية الأميركية توني موريسون، حائزة جائزة نوبل للآداب في العام 1993، عامها الحادي والثمانين وتنشر اليوم كتاباً جديداً لها عن التمييز العنصري في أجواء الخمسينات من القرن العشرين.

وقد أجرت معها مجلة “لونوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية مقابلة تحدثت فيها عن جديدها الأدبي كذلك عن بعض آرائها السياسية. موريسون “ملكة” الرواية الأميركية التي كرّمها الرئيس أوباما قبل فترة “بميدالية الحرية” لم تعد تترك منزلها في “هودسون” شمال نيويورك بسبب تقدمها في السن وعجزها عن التنقل بسهولة بسبب أوجاع قديمة في الظهر. غير ان ابتسامتها لا تفارق وجهها ونظرة عينيها لا زالت على عمقها وجمالها. تتحدث عن الكتابة بشغف ولا زالت تكتب بنهم، ذلك ان حب الكتابة هو وحده الذي لم يخفت لديها. تصدر الآن روايتها العاشرة وعنوانها “منزل” وقد كرّمها النقّاد بأجمل ما قيل عنها ليس تكريماً لشخصها انما وبكل بساطة لأنه “من أجمل رواياتها”. وننقل مقاطع في حديثين أُجريا معها: مع مجلة “لونوفيل أوبسرفاتور” كذلك مع “باري ماتش”؛ و”لوبوان”.

[ في كتابكِ السابق للأخير نقلت المرحلة الأولى للعبودية في أميركا. مع رواية “منزل” انتقل الديكور إلى الخمسينات وهذه الديكورات الجديدة لا علاقة لها بماضي البطاقات البريدية التي كانت أميركا تحنّ لها…

ـ مع كلماتهم: “كان ذاك الوقت الجميل” همّ يبيعوننا السكاكر. وبعد انتخاب أوباما عام 2008، صار هؤلاء الذين ينتسبون إلى اليمين المتطرّف يقولون “نريد استرجاع بلدنا!” عن أي بلد كانوا يتكلمون؟ عن أميركا القرن الثامن عشر؟ كانوا يقولون أيضاً “نريد استرجاع بلدنا لتعود كما كانت!” هؤلاء همّ بأكثريتهم من متوسطي السنّ أو أكثر ويتذكرون طفولتهم في الخمسينات حين كانت الوعود كثيرة.

صحيح انه بعد الحرب، كانت هناك الوظائف الجيدة حتى ان والدي حصل على وظيفة رائعة. وصحيح انه بعد عودة الجنود من الحرب ومن الجبهة حصلوا على منح دراسية للجامعات. ولكن إلى جانب هذه النواحي الايجابية، كان هناك عنف كثير وإدانات وحركة معاداة الشيوعية. وأخيراً العنصرية.

[ فرانك، بطلك الأساسي، شارك في حرب كوريا. ولكن لا أحد يذكر انه في مرحلة الخمسينات عانى الجنود السود العنصرية في التعامل معهم لدى عودتهم من الجبهة.

ـ لا أحد يتحدث عن هذا.

القتال

[ في روايتكِ “منزل”، تأتين على وصف حفلات القتال الرهيبة بين السود، حيث على واحد ان يقتل الثاني لنهاية العرض وذلك أمام أعين المشاهدين البيض. هل كان الواقع فعلاً بهذه القسوة؟

ـ نعم، هذه الأمور حصلت في الخمسينات وقبلها أيضاً. ولا ننسى أن “قانون لانش” أو قانون الاعدام من غير محاكمة قانونية أمر كان يجري في أميركا وكان بمثابة “البيك – نيك” الشعبي. لهذا التقليد أوجه شبه مع القرون الوسطى. كما تعرف مشاهد الجثث مع البيض إلى جانبهم وهم يضحكون ويأكلون ويأتون بأولادهم للفرجة. الأمر يشبه طقوس المقاصل الغابرة وأسوأ.

الحقوق المدنية

[ ولكن، في الوقت نفسه ، سنوات ما بعد الحرب هي التي حضّرت للمرحلة التي شهدت النضالات الكبيرة من أجل الحقوق المدنية وذلك في الستينات. مارتن لوثر كينغ لم يأتِ من فراغ.

ـ بالتأكيد. روزا بارك لم تقل كلمتها هذه عن عبث: “آه، أريد أن أجلس على هذا المقعد بالتحديد، في الباص!” فهي كانت تنتمي إلى “الجمعية الأميركية للدفاع عن حقوق الشعب الأسود”، منذ زمن طويل. وحين حاول الناشطون في الستينات ان يختبئوا ويحاولوا التأثير على الناس في الانتخابات، كان هناك شبكة هائلة لمساندتهم.

[ وهل تملكين ذكريات من تلك المرحلة؟

ـ كنتُ طالبة في السابعة عشرة. أقوم بجولة مسرحية مع فرقتي في جنوب البلاد. وكان الأمر مهماً بالنسبة إليّ لأنها كانت المرة الأولى التي أصل فيها إلى جنوب واشنطن حيث هناك العديد من الممنوعات في حين أنا كنت أعيش بسعادة في جامعة للسود. ففكرت: أين سآكل؟ أين سأنام؟ لم تكن الأمور سهلة. كنّا نستأجر الغرف قبل أسابيع من وصولنا… أتذكر استاذاً كان برفقتنا، دكتور لافيل، كان كلما وصلنا إلى مدينة، يراجع الصفحات الصفراء من الكتيب السياحي الذي يحمله ليعرف أين نجد كنائس خاصة بالسود. وكان كلما اتصل يأتيه الجواب: انتظر عشر دقائق أو أكثر”… ثم يحصل على الاجابات العديدة من أكثر من رعية لاستقبالنا. كانت السعادة القصوى بالنسبة لنا. ليس فقط الكرم، بل أيضاً الطعام والشراشف البيضاء الناصعة العطرة. في تلك المرحلة، لم يكن أحد يستخدم النشافات الكهربائية، كانوا يضعون الغسيل فوق الدغل والأشجار الصغيرة لينشف.

[ بطلكِ الرئيسي رجل في “منزل” وذلك ليس من الأمور المتكررة في رواياتكِ. وتحديداً، هو شاب أسود يتحضر لينتقل إلى سن الرشد.

ـ نعم، وهذا من الأمور الصعبة جداً بالنسبة له. أردت ان اختزل معنى “الرجولة” وان أطوّرها كي لا تبدو فقط وكأنها الانتقال إلى السن التي تسمح لنا بالقتال وقتل الناس. أردت ان أجعلها تبدو وكأنها النضج فقط.

الهوة

[ هو خرج من تلك الهوّة السحيقة التي كان فيها أي طفولته ولكن، حين عاد، تغيّر كل شيء؟

ـ زار كل الأمكنة وسافر. ومكان طفولته كان يجده مملاً، عادياً بل مزعجا. ولكن ليست المغامرة هنا هي الأهم بل الوصول على سن الرشد.

هنا كبر بطل الرواية وهنا عاش وسط ناس يقدمون المساعدة إلى بعضهم. قد يصل أي إنسان غريب إلى هناك وسيلقى المساعدة. سيساعدونهم ربما من دون ان يحبوه. اليوم لا أعرف إذا كان يمكن ان تحدث أمور كهذه.

[ هم يهتمون بجدّة “سي” الكريهة وبشقيقة فرانك الصغيرة. ثم ينقذون “سي”؟

ـ تلك النسوة اللواتي يقدمن المساعدة هن أميّات، لكنهن موهوبات لأمور كثيرة. يعرفن الإصغاء إلى الآخرين ويتذكّرون كل شيء. وهنّ لا يملكن خيارات كثيرة. فإذا قرأت لهنّ صفحة من “التوراة” يتذكّرنها لأنهن على يقين بعدم قدرتهن على القراءة، أما أنا فقد أنسيها مثلاً.

[ وهنّ من يقلن إلى “سي”: “ذات مكان في داخلكِ، هناك شخصكِ الحرّ. أبحثِ عنه!؟ وفي نهاية المطاف، سي تلتقي فرانك في الجهة المقابلة. لكنها لم تعد بحاجة إليه. فهي تملك حياتها الخاصة؟

ـ “تملك حياتها الخاصة” أجل، انها جملة جيدة. أجل، وهي لحظة رائعة!

[ وثمة ما لا يصدق في هذه الرواية وهو إلى أي حدّ اختزلت في لغتكِ ومع هذا فهي لا زالت تمتلك كل قوتها؟

ـ عملت جهداً كي أكتب عن الخمسينات من دون ان أقع في فخ الكتابة عن كل الأحداث ووصف كل التفاصيل الصغيرة، أردت ان أكتب رواية “نحيفة”، وهذا كل شيء. وقد أحببت النتيجة. ولكن كان عليّ ان أجد طريقة لاستغل وأعيد ترتيب الوقت الذي يمضي.

الايقاع

[ الايقاع والموسيقى الخاصة بالنثر؟

ـ هذا وأشياء أخرى أيضاً. مثلاً، تخليت عن كل الصفات التي تشير إلى الألوان في بداية الرواية. فرانك لديه مشكلة في نظره، فهو لا يرى الأشياء إلا بالأسود والأبيض. ولكن، في النهاية، حين يعود إلى منزله، تعود إليه كل الألوان. قد لا يلاحظ القارئ هذا التفصيل ولكن هذا هو السبب الذي يجعل المدينة في نهاية الرواية، جميلة في عيون البطل. وقد يشعر القارئ برغبة بزيارة المكان وإن كان البطل لم يصل بعد إلى هذا الشعور والرغبة بالعودة.

[ أحد النقّاد كتب أنكِ أعدتِ صياغة أسلوبكِ كلياً في هذا الكتاب؟

ـ الأمر ممكن. ولكن هل تعرف، كل كتبي مختلفة عن بعضها البعض.

التكرار

[ وأنتِ لا تقعين في فخ الكاتب الذي يتقدم في السن فيبدأ بتكرار ذاته؟

ـ كلا. فأنا أتعلم كثيراً حين أكتب. وأنا لا أريد أن أكتب عن أمور أعرفها. وأترك نفسي أسير وراء فضوليتي: وهل حصلت حقاً هذه الأمور؟ وهل كان الأمر صحيحاً؟ أنا أقوم بأبحاث كثيرة قبل أن أصل إلى صوغ كتاب.

[ قبل أسابيع من انتخاب باراك أوباما، كتبتِ عن “الحكمة” التي يجب أن يتمتع بها الرئيس، هل شعرتِ بالخيبة مع الرئيس الجديد؟

ـ كلا. فهو عرف كيف يناضل ويواجه جزءاً كبيراً من البلاد حين لم يكن الجميع قادراً على استيعاب ما حصل. فثمة بقايا من العنصرية موجودة ربما في الـ”آ.دي. ان” الوراثية في البلاد ويلزمنا بعض الوقت للتخلص منها.

لكن انتخاب أوباما قد حرّك من جديد صورة من العنصرية المفتوحة وفي القول، وفي السياسة، لم أكن أراها سابقاً. وهناك فئة بالتأكيد تريد ان تتخلص منه وتقول مثلاً: “لنتخلص منه، وعلينا ألا ندع شيئاً مهماً يصدر عنه”.

[ منذ أربعة أعوام، قلتِ عن جون ماكين وهو كان منافساً لباراك أوباما في الانتخابات انه كان “مرعباً”، وهو ليس مرشحاً عادياً” وماذا تقولين عن ميت رومني؟

ـ مخيف! انه مخيف! انه يذكّرني بشخصية “كان دور باربي” ولو صار “كان دور باربي” رئيساً سيكون ميت رومني. وهو يفتح فمه ليقول دائماً الشيء ونقيضه. انه رجل سارق وكاذب. فعل ما كان يُتوقع منه حين كان حاكماً في ماساشوستس، ثم فعل العكس في “باين كابيتال” (حين أعاد شراء ثم أعاد بيع شركات عديدة). والآن هو ما هو عليه.

[ هو مثل “دوارة الهواء”؟

ـ ولكن هو حتى لا يمتلك ذكاء الحرباء!

حكايات أبي

وفي مجلة “باري ماتش” أجابت عن بعض الأسئلة التي تتعلق بحياتها الشخصية:

[ أبطالكِ وخاصة فرانك وشقيقته سي هما من الفئة الفقيرة وغير المتعلمة، وهل كان وضعكِ العائلي مشابهاً؟

ـ كلا، ولكن أنا أتذكر قصصاً كثيرة كان والداي يسردانها لنا. كان والدي من جورجيا وأمي من الاباما. عندما كان والدي في الرابعة عشرة، رأى اثنين من جيرانه يتقاتلان حتى الموت فقط لأنهما كانا من اللون الأسود، وكانا يجبران على القتال. ومات ومن دون أن ينسى هذه الحادثة. وعندما وُلدت كانا يسكنان في أوهيو. وهناك كانت المنطقة لها قوانينها(…) وفي السينما كان هناك أمكنة مخصصة للسود وأخرى للبيض. وذات يوم، أصرّت أمي على أن تجلس على مقاعد وسط البيض وأنا شعرت بخجل كبير لأني كنتُ مراقبة طوال الوقت من رفيقاتي اللواتي كنّ يجلسن في المكان المخصّص للسود… ولكن هذا الحدث كان مهماً جداً بالنسبة الى والدتي، وأنا لم أفهم ذلك إلاّ بعد حين.

[ هذا النوع من المواقف، ألا يجعلك تشعرين بالغضب؟

ـ أنا لم أنظر في حياتي الى الأمور بعيون البيض! قد أفاجئك ولكن في طفولتي لم أشعر يوماً لا بالغضب ولا بالحرمان. ولقد درست بعدها في جامعة واشنطن، المدينة التي تضم أعداداً هائلة من السود. وأذكر أنه حين وصلت الى تلك المدينة، في الباص، كان هناك لافتة كتب عليها “للبيض” وثانية في الوراء كتب عليها “للسود”. وحسب تقاليد والدتي، تصرفت مثلها، وبكل بساطة، انتزعت اللافتتين وأخذتهما معي الى المنزل. أليس الأمر مضحكاً؟ في واشنطن كان هناك بعض المحال الضخمة التي تحدد أيضاً الحمامات الخاصة بالفتيات السوداوات. وكان ذلك أيضاً في الخمسينات…

[ إذاً، هل كتابة “منزل” أعاد إليك مشاعر الغضب؟

ـ عملت على تحضير وثائق كثيرة قبل الكتابة، وهذه الوثائق تركت لديّ انطباعات واستنتاجات كثيرة منها مثلاً أن أميركا كانت تتخيّل نفسها بيضاء فقط. وهذا يعني إذا كنت من أصول إيطالية أو هنغارية أو بولونية الأمر غير مهم، فالمطلوب أولاً لتصير أميركياً أن تكون أبيض البشرة(…).

[ وهل تبدّلت الأمور اليوم؟

ـ أجل، بالتأكيد. ولكن يجب أن يستمر بالتكلم والكتابة وقول هذه الأشياء… فحين أعلن مثلاً مشروع دمج المدارس، كنت الأولى لأرفض الأمر! فلماذا عليّ أن أذهب وأجلس الى جانب صبيّ أبيض؟ ماذا سيفيدني هذا الأمر؟ كان من الأفضل أخذ القرار بتخصيص مبالغ مالية لتحسين أوضاع مدارس السود بدل هذا الدمج. هذا كان ليجعل الأمور أفضل: اختيار أساتذة من النوع الجيد، تحسين نوعية الكتاب ونوعية التعليم ليكون العلم في المستوى نفسه في كل المدارس. وحتى اليوم، لا أحد يسمعني في هذا الإطار.

أوباما

[ وهل شعرتِ بالاكتفاء بانتخاب أوباما؟

ـ فكرت بأنه سيكون رئيساً هائلاً وكان عند حسن ظني. وهؤلاء الذين كانوا ضده قد يضعون البلاد في مستوى الأرض ليواجهوه. يجب ألا ننتظر أي شيء من المرشح الجمهوري. منذ العام 2008 والبلاد تسير نحو الأحسن. وحين قلّدني أوباما هذه الميدالية الرائعة “ميدالية الحرية” شعرت بأنه أخي، وبأنه صادق ومقاوم وأنيق. لقد تأثرت كثيراً بذلك، خصوصاً حين قال لي بأنه قد قرأ كل رواياتي وأنا أكيدة بأنه صادق.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى