الكتاب السوري: الناشرون يتأبّطون كتبهم وينامون عليها/ لينا هويان الحسن
الإحباط سيد الموقف لدى معظم دور النشر السورية. فالواقع الأمني المتردي فَرَضَ نفسه على حال سوق الكتاب. فالطرق غير آمنة وليست مضمونة. إضافة إلى أسعار الورق التي ارتفعت بشكل كبير. وإحجام غالب الكتّاب السوريين، الذين غادر عدد كبير منهم إلى خارج سوريا لأسباب مختلفة، عن نشر أعمالهم في دور نشر سورية. مفضلين طباعة نتاجاتهم الجديدة في دور نشر عربية تضمن لهم توزيع كتبهم.
مؤثرات مختلفة انعكست على حال الكتاب في سوريا. فغالب مخازن دور النشر في ضواحي دمشق. وهذا الأمر حدد مصير عدة دور نشر وأهم مكتبات التوزيع بدمشق. فجميع المخازن التي في الغوطة الشرقية، تعذر الوصول إليها منذ حوالي سنة تقريباً.
دار ممدوح عدوان من الدور التي لا تعرف مصير كتبها المخزنة في قرية «السبينة» في الغوطة حيث تدور معارك حامية ومواجهات عنيفة بين عدة أطراف. لكن هذا لم يمنع صاحبة الدار السيدة إلهام عبد اللطيف من الاصرار وبروح معنوية عالية على المشاركة في غالب المعارض العربية مع الكميات المتوفرة لديها من كتبها، إضافة إلى إصدار بضع منشورات جديدة. دار النوري التي تملك أكبر مكتبة في دمشق أيضاً تعرضت لذات المشكلة، المخازن المجهولة المصير.
قليلة هي الدور التي حافظت على وجودها ونشاطها ضمن المستوى المطلوب. لعل دار نينوى لصاحبها أيمن غزالي من أهم دور النشر السورية التي حافظت على حضورها بقوة، وذلك مع عدد وافر من الاصدارات.
فقد أصدرت نينوى، خلال العامين المنصرمين، ما يقارب المئة عنوان في الأدب والفكر والتراث. منها مترجم ومنها إبداعي. ووجدت أثراً طيباً من بين الكتب العربية الصادرة حديثاً. صاحبها أيمن غزالي المطلع على حال النشر في سوريا، قال: «ضمن هذا الفراغ المتشظي تسعى دور النشر السورية بكل أطيافها وبغض النظر عن اتجاهاتها المعرفية أو المادية أو التنافسية للعمل قدر الامكان للمشاركة في الفعاليات الداخلية والخارجية. رغم كل العقبات التي تواجه عملها من حيث الرقابة والشحن والطباعة لأجل المساهمة بقدر ما، في الحراك الثقافي المعرفي، يبدو أننا ما زلنا نأمل ولو بقدر ضئيل نتكأ عليه حتى لايبدو المشهد بلا معنى وحتى لا يتهم عملنا بالتجاري . كثير من الأحيان أمر ببعض المكتبات في شوارع دمشق والتي لا زالت تفتح أبوابها رغم قلتها وأتصفح العناوين الجديدة التي تبتعد كل البعد عما يجري وهذا طبيعي لكنني أجد مقاربات كثيرة تقترب أو تبتعد رغم خجلها».
أما عن المشاركة في المعارض الدولية فقال عنها أيمن غزالي: (متباينة حسب الدولة المضيفة ولكن لم نفهم بعد طبيعة مواقف بعض الحكومات حول مشاركة السوريين التي تتجاذبها السياسة والمواقف وهذا يشعرنا بالإحباط وخاصة بأننا نعتمد على السوق الخارجي لاستمرارنا).
ويأخذ مدير دار نينوى على الناشرين السوريين عدم اتخاذهم مواقف واحدة حول ما يواجهونه من استبعاد أو تهميش في المعارض الدولية. أيمن غزالي صاحب مشروع جدي بالثبات ورغم الظروف السائدة يعمل حاليا على إطلاق قسم للأطفال مبررا بقوله «علنا نرمم حاجتهم بما يخدم هويتنا».
النشر الرقمي
دار الحوار التي مقرها مدينة اللاذقية حافظت على حضور معقول، حيث تشارك في معظم المعارض العربية، وتابعت اصداراتها بوتيرة جيدة، من ترجمات ومؤلفات متنوعة فأصدرت حوالي 40 عنواناً في عام 2013 مع اعتراف إدارتها بصعوبات تمثلت بغلاء الأسعار التي تضاعفت خمس مرات تقريباً إضافة إلى صعوبة الشحن وارتفاعه داخل سوريا وخارجها، وعدد المطابع الذي انخفض وخسارتهم للسوق السورية بتصريف الكتب.
أيضاً دار قدمس من الدور التي حافظت على تماسكها وعلى عدد موظفيها رغم أن عدد إصداراتها الجديدة لم يتجاوز السبعة اصدارات، لكنها جاءت بعناوين منتقاة بعناية. إضافة إلى نشاط الدار الملحوظ في مجال النشر الرقمي. فقللت من عدد النسخ الورقية لمصلحة النشر الرقمي. صاحبها د. زياد منى يبدو مصرأ على استمرار عمل الدار، مهما كانت الظروف وبدا متحمساً لكتاب جديد يعمل على إصداره قريباً.
دار الينابيع لها رصيد كبير سابقاً، في تشجيع الشعراء السوريين. إذ كانت الملاذ «الحنون» لغالب الشعراء السوريين وبالفعل تميزت الدار بالعمل على إصدار عدد كبير من الدواوين الشعرية. صاحبها صقر عليشي يقول بأسف كبير وهو يرثي حال الدار التي توقفت نشاطاتها: «حُرمنا من المعارض التي كنا نتنقل بها ما بين المحافظات السورية لم يعد بالإمكان متابعتها بسبب الوضع الأمني وغيره، والمعارض الخارجية لم تعد مشجعة لما تلاقيه الدور السورية من عدم الرضى وتأثير المواقف السياسية على نشاطها. والحصار المضروب على البلاد رفع من سعر الورق. مما جعل الطباعة مكلفة بشكل كبير».
ويعترف لنا بصراحة: «ليس لدار الينابيع أي نشاط يذكر خلال هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، هي في حالة سبات لا يصدق. سنتأبط كتبنا وننام».
دار كنعان التي كانت من اقوى دور النشر في سوريا، وتحديداً على صعيد الترجمات والكتب الفكرية والفلسفية. خففت إصداراتها للحد الأدنى، مع الحفاظ على المشاركة في بعض المعارض الدولية للكتاب ومؤخراً كان صاحبها سعيد البرغوثي متواجداً في معرض الشارقة مع كتبه.
دار الجندي جمّدت نشاطاتها في ظل الظروف الحالية. علماً أن صاحبها مصعب الجندي حَرِصَ في كل إصداراته السابقة على إصدار ترجمات متميزة للأدب الفرنسي واللاتيني ومؤلفات منتقاة بدراية لأهم الكتاب السوريين.
دار التكوين من الدور التي حافظت على نشاط ملحوظ يثير الاعجاب من قبل صاحبها سامي أحمد الذي أصرّ على عدم تنويم الدار. كما هو حال غالب دور النشر المتبقية التي دخلت في حال من السبات الذي لا يعرف له نهاية منظورة.
المشهد حزين وكئيب وواسع ولا يمكن تلخيصه أو اختزاله بالكلمات لكن هذا مشهد – لقطة فوتوغرافية على حال النشر السوري اليوم والذي يحاول الوقوف، رغم كل العوائق التي تواجهه. وخاصة أنها جهود فردية غير تابعة وليس لديها الخبرات العملية والمؤسساتية لادارتها أو العمل بها.
رغم الظروف الصعبة، تصر دور النشر السورية على خلــق فــرص ولو قليلة من أجل المحافظــة على الحضــور. والاستمرار، حتى ولو أبتعد الكتاب السوريون عنها بحق أو بدونه.
السفير