الكتاب: المجتمع المدني: النظرية والممارسة : مايكل إدواردز
[المترجم: ترجمه من الإنكليزية عبدالرحمن عبدالقادر شاهين
[الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت 2015
مراجعة: د. عفيف عثمان
قد يكون مصطلح المجتمع المدني الأكثر تداولاً بعد عبارتيّ الديموقراطية وحقوق الإنسان، وسبق للمفكر العربي الفلسطيني د. عزمي بشارة أن تناوله في كتابه الموسوم «المجتمع المدني» ولاقى رواجاً لافتاً عكس الاهتمام بهذا الموضوع (ست طبعات: ثلاث في بيروت 1996، و2000، و2008، عن مركز دراسات الوحدة العربية، واثنتان في فلسطين، والسادسة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014) . يقترح الباحث الأميركي م. إدواردز شرح النظرية والممارسة (الطبعة الإنجليزية الأولى، 2004، والثانية المزيّدة والمنقحة، 2009 وهي التي اعتمدتها الترجمة العربية)، لما يسميه «الفكرة العظيمة» التي حاول الكل استخدامها لأغراضه، ودفع بعض الدول الى التدخل لمنع تنامي هذه الظاهرة والحد من تأثيرها ونشاطها، وما يرومه الكاتب هو تقديم مقاربة عن المجتمع المدني تتيح لنا فهم العناصر الرئيسة في عالمنا، في وقت يتصاعد الجدل حوله، لكن الأساس يبقى أنه «ينهض على العمل الجمعي والتفاوض والكفاح».
والبداية من العمل المشترك الطوعي الذي عرفه التاريخ البشري، وتجلى بوجوه عدة، لكنه تصدر المشهد العالمي في العقود الأخيرة لأسباب منها: انهيار الكتلة الاشتراكية والانفتاح على الديموقراطية، والرغبة في الاندماج في المجتمع في عالم يسوده اللايقين وعدم الاستقرار، والصعود الكبير للمنظمات غير الحكومية، ووجد فيه اليمين واليسار ضالته، وقاربه الباحثون كافة، إذ يحمل «توقاً جماعياً لأمة تبحث عن توجه جديد»، وهو «مجتمع يحمي من ينتظمون فيه لتحدي السلطة»، و»قد يكون الحلقة المفقودة في نجاح الديموقراطية الاجتماعية».
وتأخذه الأوساط الاجتماعية مثابة: «المفتاح التحليلي الذي سيكشف ما يكتنف النظام الاجتماعي من غموض»، ويؤكد إدواردز على اختلاف الفهم والمقاربات في بلدان الشمال والجنوب، والحل يكمن، في رأيه، في مزيد من الوضوح والصراحة، ففكرة الوضوح، لا إجماع الرأي حول المفهوم، هي غرض الباحث. ولهذا القصد لا بد من التحديد وعرض نبذة عن تاريخ الفكرة، ولا سيّما في الفكر السياسي، وهي قديمة عالجها الفلاسفة ورافقت المفكرين في بحثهم عن المجتمع الأفضل وتمتين الروابط بين المواطنين، لكنها عرفت انعطافاً بين الأعوام 1750 و1850 بسبب الشعور بوجود أزمة في النظام الاجتماعي الحاكم، وتمايّز المصالح وبروز ما يسمى «السوق»، وذلك قبالة الدولة وما يمكن أن ترتكبه من تجاوزات، ودفاعاً عن الديموقراطية وردعاً لهيمنة أي فئة. وينتهي إدواردز الى فقدان الإجماع حول فكرة «المجتمع المدني» والى لبوسه أشكالاً مختلفة في أطوار متعددة، ويركز بحثه على ثلاث مدارس فكرية: المجتمع المدني بوصفه جزءاً من المجتمع (مدرسة توكفيل الجديدة التي تركز على الحياة الترابطية)، والمجتمع المدني بوصفه نوعاً مجتمعياً (يتميّز بمعايير وقيّم إيجابية، ويُفضي الى تحقيق أهداف اجتماعية محددة)، والمجتمع المدني المجسّد في المجال العام.
والحال، كيف يمكن حل «لغز» المجتمع المدني؟ وكيف السبيل الى صوغ «جمعية» من المدارس المختلفة تُرضي الكل وتكون عابرة للحدود الوطنية؟ وفي تركيز الباحث على الدولة ينافح ضد نظرية «المجتمع المدني العولمي«، رغم أن أكثر المشكلات عالمية، ببساطة لأنه لا توجد دولة عالمية. والحل، في زعمه، هو في «التجريب والبحث في الآليات المتعددة لتنفيذ المساءلة التي تستطيع موازنة الحاجات المختلفة الخاصة بأصحاب المصلحة المعنيين(…)، ودعم السبل المختلفة لتجميع أصوات المجتمع المدني». ويدعو إدواردز إلى مقاربة متكاملة للنماذج الثلاثة المعروضة للمجتمع المدني، كونها تُعد «تفسيراً ووسيلة للعمل على حد سواء». ويبقى السؤال الشائك: ما العمل؟ بعيداً من النصائح التربوية وبناء المهارات، ويبدو أن الجواب مرتبط بدوره برؤية كل منا الخاصة للمجتمع المدني. وهذا الأخير يضم جملة من التفاعلات «بين أنواع من المتغيرات في سياق دائم التغير، ما يجعل الحياة الترابطية والمجال العام صنيعة تغيرات أوسع في البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية». لذا، يقترح الباحث الأميركي أمرين: الأول، العمل على تقوية الشروط المسبقة لحصول تفاعل بين الحياة الترابطية والمجال العام والمجتمع الصالح، الثاني، هو دعم الإبداع والتجديد في حياة تشاركية، بما يشجع العمل المواطني ليخدم المجتمع الصالح من خلال المجال العام.
ولكي يكون مشهد المجتمع المدني في دول العالم أكثر وضوحاً، يدعو الأكاديمي الأميركي الى الاهتمام أكثر ببحوث عن المجتمعات غير الغربية والحياة الترابطية فيها وتعقيداتها: الإسلامية والكونفوشية، وفي أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وأميركا اللاتينية. ويعتبر إدواردز المجتمع المدني هدفاً ووسيلة، يتيح تقديم سياسات بديلة ويساعد على التركيز والبحث عن الحرية والتقدم الإنساني، وهو قوة «للتغيير الاجتماعي الإيجابي»، ويبقى، بحسب الباحث، أن فكرة المجتمع المدني بغض النظر عن بعض المثالب «تخاطب أفضل ما فينا، وتستدعي الأفضل فينا لنستجيب بالمثل».
المستقبل