صفحات العالم

«الكردستانيّ» و «حزب الله»: الوطنيّ والإقليميّ


حازم صاغيّة

بين «حزب العمّال الكردستانيّ»، «الماركسيّ – اللينينيّ»، الذي نشأ أواخر السبعينات، و «حزب الله» اللبنانيّ، الإسلاميّ، الذي نشأ في مطالع الثمانينات، أكثر من شبه وصلة نسب. فكلّ منهما انبثق من قضيّة يريد الانتصار لها. وكلّ منهما يتمسّك بإيديولوجيا يقول إنّها ترشد خطاه. لكنّ ما يفوق ذلك أهميّة أنّ كلاًّ منهما وُلد عند مفترق التقاطع بين الوطنيّ والإقليميّ.

والتقاطع هذا هو ما عبّرت عنه تحالفات عميقة مع قوى إقليميّة تحوّلت إلى عنصر تكوينيّ وبنيويّ في الحزبين. وهذا يبقى مفهوماً في حدّه الأدنى، حيث تقيم شعوب، كالأكراد والفلسطينيّين، في أكثر من دولة، فيما تتمدّد بعض القضايا عابرةً حدود الدول الوطنيّة. وهي معطيات وجدت في النظام السوريّ، كما أرساه حافظ الأسد، خير من يتلقّاه ويوظّفه ويحرّكه تحريك مايسترو بارع. فالنظام المذكور سيّد «الأوراق» وملك «الساحات». وأيّة «ورقة» أفضل من هاتين، وأيّة «ساحة» أرحب من «ساحتيهما» المتداخلتين مع بلدان عدّة، والمولّدتين لأصداء مسموعة في العالم كلّه؟

وبمعونة إيران، اشتدّ عود «التحالف». لكنْ بوجود لبنان ذي الدولة المعطّلة، صار في وسع «الحرس الثوريّ الإيرانيّ» أن يدرّب شبّان «حزب الله» في البقاع، كما صار في وسع شبّان «حزب العمّال الكردستانيّ» أن يتدرّبوا في البقاع إيّاه.

بيد أنّ «التحالف» هذا لم يخلُ من ضربات موجعة كان يسدّدها الشقيق الأكبر لأشقّائه الأصغر بين فينة وأخرى. ولئن كان أكثر هذه الضربات إيلاماً تسليم دمشق زعيم «العمّال الكردستانيّ» عبدالله أوجلان أواخر التسعينات للأتراك، فإنّ «حزب الله» كانت تكفيه ضربة «ثكنة فتح الله» في بيروت عام 1987 كي يفهم الدرس المطلوب فهمه.

أمّا الدرس هذا فمفاده التالي: إذا ما تناقضت قضيّة الحزبين «الوطنيّة» مع القضيّة الإقليميّة للنظام السوريّ ذهبت الأولويّة المطلقة للثانية على الأولى. ولواحدنا أن يتخيّل ضابط أمن سوريّاً، كغازي كنعان أو رستم غزالي أو آصف شوكت، وهو يقهقه حتّى يستلقي على ظهره حين يسمع بـ «توحيد كردستان» أو «تحرير القدس»!

هكذا، وعاماً بعد عام، انضبطت القضيّة التي يُفترض أنّها وطنيّة في القضيّة الإقليميّة ودُجّنت فيها. وإذا كان للعلاقة هذه أن جعلت النبرة الإيديولوجيّة للحزبين أكثر فراغاً وأقلّ قابليّة للتصديق، غير أنّ النبرة تلك استمرّت استمرار سلعة لا تضرّ «التحالف» وقد تنفعه. فهي، فضلاً عن كونها علّة وجودهما الأصليّة، تخلق للحزبين بيئة مؤدلجة أوسع من بيئتيهما الأهليّتين المباشرتين تصير محيطهما الأوسع.

وهذا انتهى الآن. فمع الثورة السوريّة بات يتبدّى كم أنّ الحركتين الثوريّتين حركتان مضادّتان للثورة. وإذ أمست «القضيّة» الوحيدة الجدّيّة هي قضيّة بقاء النظام السوريّ، باتت الطلقة التي يطلقها أيّ من مقاتلي الحزبين اليوم طلقة موجّهة إلى صدر متظاهر في درعا أو حمص أو حلب.

لكنّ هذا الانكشاف قابل أيضاً، ولو نظريّاً فحسب، أن يتحوّل فرصة لإعادة التقويم: كيف يُبدأ انسحاب تدريجيّ من قضيّة النظام السوريّ، التي تتطلّب دماء أبناء المنطقة فضلاً عن دماء السوريّين، إلى قضايا الشعوب التي يقول الحزبان إنّهما معنيّان بها. ويُخشى أن تكون هذه فرصة ضائعة، لا لنقص الرغبة فيها، بل لنقص القدرة عليها بعد كلّ تلك السنين من «التحالف» ومفاعيله، وبعد ما صحبه من إحراق للجسور مع كلّ العالم كرمى لعيون «التحالف».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى