“الكردستاني” يزجّ الأكراد في حرب مع العرب والترك/ هوشنك أوسي
الحجّة أو المبرر الأبرز لتدخّل «حزب العمال الكردستاني» في الشأن السوري، عبر فرعه السوري (حزب بي واي دي)، كان، «النأي بالأكراد السوريين ومدنهم عن دوامة العنف والحرب الأهليّة التي تعصف بسورية. ورفض ان تصبح حال قامشلو وكوباني وعفرين كحال حمص ودرعا وإدلب…». هذا الموقف، ربما كان له أن يكتسبَ قدراً من القبول والمعقوليّة حين انزلقت الثورة للحرب الأهليّة، أيّ بعد مرور سنتين أو ثلاث من الأحداث في سورية. لا حين كانت الثورة السوريّة في الطور السلمي، ولم تنزلق بعد نحو العسكرة وتدخّل إرهاب التنظيمات التكفيريّة على الخط بعد!. لذا، أقلّ ما يقال في هذا الموقف بأنه حزبوي – براغماتي، وموغل في اللاخلاقيّة والتضليل، ويتدثّر برداء السلميّة واللاعنف، ورفض التدخّل الخارجي. لكن كشفت الأحداث والتطورّات زيف هذا الخطاب والادعاء والموقف الصادر من «الكردستاني». ذلك أنه معروفٌ عن الأخير بأنه طيلة ثلاثة عقود، زجّ بالمدن الكرديّة السوريّة في حربه على تركيا، مستخدماً هذه المدن كخزّان بشري، وجبهة خلفيّة تمدّه بالمقاتلين والمال. ولا يمكن تحديد أرقام الضحايا من الشهداء وجرحى الحرب من الأكراد السوريين الذين سقطوا وما زالوا يسقطون في هذه الحرب. إلاّ أنه يمكن تقدير ذلك بما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل ومقاتلة من الأكراد السوريين، سقطوا في تركيا، وأضعافهم من الجرحى والمعوقين. طبعاً من دون احتساب عدد الضحايا من أكراد العراق، إيران، تركيا، جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، والمهجر الأوروبي الذين سقطوا في كفاح «الكردستاني» ضد تركيا!
مناسبة هذا الكلام، هو إرهاب الدولة الذي يمارسه جيش أردوغان وحكومة «العدالة والتنمية» على المدن الكرديّة في تركيا، من حصار وقصف مدفعي وجوي، وحظر تجوّل، وقتل للنساء والأطفال، وسط تعتيم إعلامي عالمي، وصمت عربي، إسلامي ودولي! وفي مطلق الأحوال لا يمكن تبرير وشرعنة إرهاب الدولة هذا. ولكن «الكردستاني» بتصرّفاته وسياساته، يعطي قدراً من «المبررات» للنظام التركي. فإدارة وبلديّات المدن الكرديّة بيديه، فما الداعي لإعلان «الإدارة الذاتيّة» في هذه المدن، ووضع الأخيرة في مواجهة مع الدولة التركيّة وعنفها وإرهابها؟! أوليس «الكردستاني» نفسه، برر تحييد الأكراد السوريين عن الثورة السوريّة بحجّة النأي بالمدن الكرديّة عن دوامة الحرب والعنف التي تعصف بسورية؟! فلماذا يقحم الأكراد في تركيا ومدنهم في حرب خاسرة مع أنقرة؟! لمصلحة من؟ هل لمصلحة محور موسكو – طهران – دمشق؟
ومن المفارقات المضحكة – المبكيّة لـ «الكردستاني» التي تشير إلى مدى التأزّم والتخبّط الذي يعيشه، ما حدث تحت قبّة البرلمان التركي، حين أراد النائب عن مدينة إسطنبول، والقيادي في «حزب الشعب الجمهوري» مصطفى سزكين تانرك أوغلو، (كردي الأصل، ترأس غرفة المحامين في دياربكر)، طرح مشكلة المدن الكرديّة المحاصرة من قبل الجيش التركي، داخل البرلمان، وتسليط الضوء على المأساة والكارثة الإنسانيّة التي تعيشها هذه المدن بفعل حظر التجوّل والحصار والقصف. وحاول الاتصال بمواطن كردي من مدينة سيلوبي الكرديّة المحاصرة، حتى يسمع البرلمان صوته من قلب الحدث، فما كانت من كتلة «العدالة والتنمية» أن هاجت وماجت، بالضرب على الطاولات، ورفض الاستماع لصوت المواطن. وهذا سلوك متوقّع من حزب حاكم، لا يريد لحقيقة حربه على أكراد تركيا أن تنفضح. ولكن، ان يصمت نوّاب «حزب الشعوب الديموقراطي» وأن تحاول البرلمانيّة الكرديّة بروين بولدان، (التي كانت تترأس الجلسة بوصفها نائب رئيس البرلمان)، إسكات تانرك اوغلو، بحجّة أن لوائح وقوانين البرلمان لا تجير الاتصالات الهاتفيّة أثناء الجلسات؟ فهذه الواقعة، هي فضيحة الفضائح التي لا يمكن تبريرها! إذ إنه من المفترض أن يكون صوت المواطن لا يعلى عليه في البرلمان. وأن البرلمانيّة بولدان وصلت الى المكان الذي هي فيه بأصوات المواطنين الأكراد! من جهة أخرى، لكل قاعدة استثناء. فهل ما تفعله حكومة «العدالة والتنمية» من حصار وقصف للمدن الكرديّة، وقتل المواطنين الأبرياء أي تبرير أو تسويغ قانوني، حتى تتحجج بولدان بقوانين البرلمان كي تسكت صوت المواطن الكردي! وتمنع زميلها من إيصاله إلى البرلمان؟!
في غضون ذلك، وبالتزامن مع اشتداد الأزمة بين أنقرة وموسكو، قام رئيس حزب «الشعوب الديموقراطي» بزيارة روسيا واللقاء مع لافروف والمســؤولين الروس، في موقف يشبه زيارة قيادات من حزب «الشعب الجمهوري» لبشار الأسد، اثناء احتدام الأزمة بين أنقرة والنظام السوري!؟ ما تم تفسيره من قبل البعض، أن موجة العنف التي تعصف بتركيا يقف الروس وراءها، والأداة هي «الكردستاني»!
غالب الظن أن شعور أنقرة بدنو اقتراب «الكردستاني» من تحرير جرابلس التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»، (الذراع العسكريّة الخفيّة لتركيا)، هو الذي دفع العاصمة التركيّة بإصدار أوامر لاحتلال تلة قريبة من قرية «سرمساخ» الكرديّة السوريّة، والتمهيد لبناء نقطة عسكريّة هناك. حين اجتاز نحو 200 جندي تركي، مدججين بالسلاح والعتاد والأسحلة الثقيلة والجرافات الحدود السوريّة، واحتلوا الموقع المذكور، بهدف التمركز فيه، وسط صمت مطبق من قبل «وحدات الحماية الشعبيّة» الكرديّة، (الذارع العسكريّة لفرع «الكردستاني» في سورية). تركيا، بهذه الخطوة المفاجئة، تريد خلط الأوراق لزيادة الضغط على «الكردستاني» وفرعه السوري ووضعهما في حرج كبير. ونحن أمام احتمالات عدّة:
أولاً: إمّا أن يفتح «الكردستاني» جبهة عسكريّة مع تركيا داخل المنطقة الكرديّة السوريّة، ويمنح أنقرة مبرر فتح النار على المدن الكرديّة السوريّة، باعتبار أن تركيا تستهدف الحاضنة أكثر من استهدافها المقاتلين الأكراد. وبالتالي، يتسبب «الكردستاني» باستجلاب الجحيم العسكري والدموي إلى قلب المنطقة الكرديّة السوريّة، بعد أن كان يتحجج بأنه جنّب هذه المناطق ويلات غضب النظام السوري، وبربريّة تنظيم «داعش» الإرهابي.
ثانياً: أن يطلب «الكردستاني» من نظام الأسد، قصف النقطة العسكريّة التركيّة بالطيران، على اعتبار أن الاختراق العسكري التركي، هو انتهاك للسيادة الوطنيّة السوريّة. ومن المستبعد أن يفعل النظام ذلك، طالما لديه أدوات عسكريّة غير رسميّة في المناطق الكرديّة، يمكنه تحريكها.
ثالثاً: أن يطلب «الكردستاني» من روسيا التدخّل وقصف النقطة العسكريّة التركيّة. وهذا أيضاً سيعطي المبرر لأنقرة كي تفتح المزيد من النيران على أكراد تركيا وسورية في آن. أو أن يقبل «الكردستاني» بالوجود العسكري التركي داخل المنطقة الكرديّة، يصبح على تضاد وتناقض سافر مع كل الشعارات التي كان وما زال يرفعها ويضلل بها قواعده الشعبيّة.
وسط هذا المأزق والتخبّط والمواقف اللامسؤولة الصادرة من «الكردستاني»، يزيد الأخير من حالة استعداء قيادة كردستان العراق، ورئيس الإقليم مسعود بارزاني، وذلك عبر استخدام الفرع السوري (حزب الاتحاد الديموقراطي) ومنظموته الإعلاميّة. في وقتٍ، «الكردستاني» بأمسّ الحاجة إلى الأصدقاء والحلفاء!
ومن المؤسف القول: إن أي نقد لـ «الكردستاني» وسط هذه الأجواء المشحونة، وإرهاب الدولة الذي تمارسه تركيا ضد أكرادها، وسقوط الضحايا الأبرياء، يعتبره أنصار «الكردستاني» من صنف الخيانة والعمالة لتركيا وأردوغانها. ذلك أن العصبيّة الأيديولوجيّة – الحزبويّة التي ضخّها «الكردستاني» ضمن الأكراد، في الآونة الأخيرة، وصلت في بعض الأحيان، لدى البعض، إلى درجة الفاشيّة.
في ما مضى، كان كاتب هذه الأسطر، يدافع بشراسة عن «الكردستاني» في مواجهة كل الذين انتقدوه ويرفض كل الاتهامات التي كانت تكال له، وتقارنه بـ «حزب الله» اللبناني، وتصفه بأنه «حزب بدون قضيّة»…، لكن، أثبتت المعطيات والوقائع مؤخّراً، أن جزءاً كبيراً من تلك الانتقادات كانت صحيحة، وكنتُ على خطأ.
قصارى القول: يعيش «الكردستاني» مأزقاً خانقاً، في أكثر مراحله تخبّطاً وإتلافاً للمكتسبات التي حصل عليها، داخل وخارج تركيا. وإذا كانت الأخيرة، لا يمكن العتب عليها، بوصفها «العدو التاريخي» للأكراد وحقوقهم، فإن النقد يتجه نحو «الكردستاني». ولأن الأخير بلغ به العناد وصمّ الآذان والتكبّر والغطرسة…، بأن أصبحت حاله كحال من يقود سيارة بسرعة جنونيّة على طريق مملوء بالمنحدرات والمنعطفات، ولا ينصت لإشارات الإنذار الموجودة على هذه الطريق.
* كاتب كردي سوري.
الحياة