الكرد عصب التغيير والحريات في سوريا
جهاد صالح
تعيش سوريا ثورة جماهيرية بات المراقبون يعتبرونها من أهم الثورات في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وبناء على نتائجها سيكون للمنطقة وجه جديد ومستقبل قائم على حقوق الانسان والمدنية والشراكة الإجتماعية. والشعب الكردي في سوريا مع حركته الوطنية الكردية يعتبران أساسان رئيسيان لسوريا الديمقراطية، وذلك انطلاقا من حل ديمقراطي وعادل للقضية الكردية، وكون الحركة الكردية من أهم وأكثر الحركات السياسية المعارضة تنظيما وخبرة سياسية وحراك جماهيري، في ظل الثورة السورية ومساعي المعارضة لتقديم حلول وفتح قنوات ، بعضها يتقاطع مع ما يريده النظام عبر ما يسمى بالحوار، والأخر تقديم مشروع وطني يساهم بانتقال سوريا من الإستبداد إلى الحريات والديمقراطية.
المبادرة الوطنية التي تقدّمت بها الحركة الكردية كانت جيدة ، وكان باستطاعهم توسيعها على أن تلغي فكرة الحوار من أساسه مع النظام القاتل، وأن يكون أساس الشراكة مع القوى السياسية السورية من مبدأ توحيد الجهود مع لجان التنسيق المحلية لدعم الثورة والانتفاضة، ووضع آلية وطنية لقيادة المظاهرات والشروع في مناقشة ماهية الدستور السوري المستقبلي، وتحديد أجندة عامة لإنقاذ البلاد من سطوة النظام وعملياته العسكرية بحق الشعب السوري المتظاهر سلميا لأجل سوريا ديمقراطية تعددية، وانهاء نظام الاستبداد بشكل كامل ، والبدء بالتوجه نحو إقامة دولة مدنية عبر صناديق الإقتراع أو الإستفتاء.
صراحة تفاجئت حين وجدت الكتلة الكردية تعيد احياء بعض الشخصيات السورية والقوى السياسية المعارضة، بعد أن عكست تلك الشخصيات واالقوى في دورها وحراكها سلبيات وطنية بحق الشعب الكردي وبحق مبدأ الديمقراطية ومدنية سوريا، وكنت أتوقع أن تطرق الحركة الكردية أبواب اعلان دمشق، والدخول في حوارات موضوعية وجادة لقيادة الانتفاضة السورية وانهاء الإستبداد والجرائم التي ترتكب من النظام بحق السوريين.
والغريب أن نجد قادة الأحزاب يستنجدون حسن عبد العظيم ورجاء الناصر وغيره الإعتراف بالشعب الكردي وقضيته الوطنية العادلة، في حين حتى الأمس كانت مواقف هؤلاء تجاه الكرد وديمقراطية سوريا رمادية وقاحلة، يشوبها العنصرية وفرض ما يريدونه بشكل مذعن. ثم تفأجات بوجود أسماء كردية ضمن الهيئة المشكلة تدور بين العرّابون للحوار مع الأسد، وبين من يحلّقون تحت ظلاله، والشارع الكردي يشخّصهم بوضوح؟؟
حقيقة أن مصير الشعب الكردي وحل قضيته العادلة لا يكون بين يدي شخوص المعارضة أو تنظيماتهم، الواقع الديمقراطي والدستور العصري المراعي للحريات وحقوق الانسان كفيلان بمنح وتوفير كل الحقوق المشروعة للشعب الكردي إلى جانب الشعب العربي وغيره من القوميات من آشوريين وكلدان وغيرهم، فسيادة دولة المؤسسات والقانون هما الضمانان لعدم عودة الاستبداد والاقصاء، أيضا الحركة الوطنية الكردية بوحدة موقفها وتلازمه مع طموحات الشارع الكردي قوة رئيسية لسوريا ، أولا في تحقيق عدالة القضية الكردية وضمان الحقوق القومية والانسانية للشعب الكردي في سوريا، وأيضا كقوة فاعلة وأساسية في عملية انهاء الاستبداد والإنتقال بسوريا نحو الديمقراطية. وهذا يتطلب تحمل المعارضة ككل ، والحركة الكردية على وجه الخصوص لمسؤولياتها الأخلاقية والوطنية والإنسانية أمام المجتمع السوري، واحترام طموحات الجماهير في الحرية، ثم أنّ عرّابوا عروبة سوريا يريدون ابقاء البلاد في فخ الشعاراتية والقومجية التي دمّرت المنطقة كلها، وقدّمت لنا الإستبداد وكبت الحريات تحت نظريات العروبة والمقاومة، ورهنت الشعوب لهما، لأجل طغيان ثقافة الاستبداد والأنظمة الفردية، فكيف نقبل بأنّ سوريا هي جزء من الوطن العربي الوهمي، في حين أن الشعوب العربية وجامعتها تتفرج على السوريين بصمت وعار وهم يقتلون في وضح النهار. جميعنا يعلم أن سوريا عرّبت من قبل القوميين العرب ومن حزب البعث، وكلنا نعمل ونحلم بأن سوريا ستكون دولة مدنية ديمقراطية حاضنة للجميع، مع احترامها للمحيطين الاقليمي والدولي. والدهشة التي تفرض نفسها في لظى الثورة، هو كيف سندعوا للحوار مع نظام أمني يقتل الشعب السوري بدم بارد وعنصرية هدفها استدامة الاستبداد وحكم العائلة، لماذا لا تقود المعارضة الكردية الشارع الكردي صراحة، في زمن بالأمس كانت أحزاب كردية تقلق راحة النظام بمظاهراتها واعتصاماتها من القامشلي وحتى دمشق.. ما الذي تغير اليوم؟ في حين أن كل الطروف والأسباب والنتائج تصبّ في صالح الحركة الكردية والقوى السورية الأخرى، لماذا يراهن البعض على النظام في ظل كل هذه الأرواح الشجاعة التي تعرف أن أبسط ثمن للحرية هو الاستشهاد ، وأن سبيل الوصول لحقوق الانسان والعدالة والمساواة هو انهاء نظام البعث بشكل حتمي ونهائي.
الحركة الوطنية الكردية جزء رئيسي في ديمقراطية سوريا ، إلى جانب اعلان دمشق والقوى الأخرى والنخب الحقوقية والثقافية التي تعمل لسوريا جديدة، والتاريخ والعالم ينتظران من المعارضة السورية الوطنية التلاحم لأجل خلق ثورة نموذجية تحوّل هذه البلاد من السواد إلى البياض، ومن الظلام للنور والضوء. ومن السهل تحقيق ذلك وتحمّل واجباتها السياسية والوطنية في ظل ثورة الحرية من درعا وحتى القامشلي. ويعيد لسوريا وهجها وحياتها البرلمانية دون سجون ومعتقلات وتعذيب ونظام بوليسي. فهل سنشهد حراكا كرديا قويا في الأيام القادمة ، ينتقل لدمشق ويكسر من مراهنات النظام وحيله باسم الحوار، وتسير المعارضة أمام الشباب والنساء والأطفال نحو الحرية.