صفحات سورية

اللاائتلاف»… الورقة الأخيرة للمعارضة


عبد الرحمن الخطيب

لم يأتِ الإعلان عن تأسيس اللاائتلاف الوطني السوري في الدوحة قبل أسبوعين، وتعيين ابن دمشق الشيخ معاذ الخطيب رئيساً لهذا الائتلاف اعتباطياً، فقد كثر انتقاد المجلس الوطني، الذي تأسس قبل 15 شهراً، بسبب فشله في توحيد المعارضة السورية، وكان عقبة كبيرة في وجه الثورة، ففي الأشهر الستة الأولى من تأسيسه تعمّد تهميش الحراك المسلح الداخلي والجيش الحر، وتقاعس عن دعمه؛ تعللاً بأنه يجب أن تبدو الثورة أمام العالم أنها ثورة سلمية، ثم بعد ذلك وقّع سبعة أعضاء منهم، في ما أطلق عليها «وثيقة الخيانة»، مع هيئة التنسيق الوطنية، التي خرجت من رحم النظام في الداخل؛ بسبب اتفاق الطرفين، ضمناً، على بقاء بشار الأسد في السلطة حتى عام 2014.

بعد أن أدرك المجتمع الدولي أن هذا المجلس لم يقدّم شيئاً للثورة طوال تلك المدة سوى التصريحات الرنانة، وإضاعة الوقت في التسول على أبواب بعض الدول الغربية، للاعتراف به ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري، بعكس ما يُطالب به الشارع من الدعمين المالي والعسكري، وطلب التدخل العسكري الخارجي صراحة، لوقف نزيف الدماء، وبعد الفضائح التي قام بها بعضهم من اختلاسات وسرقة أموال تبرعات ومساهمات دول العالم للشعب السوري، ناهيك عن تهميشه لمعظم أطياف المعارضة السياسية في الخارج، كان لا بد للمجتمع الدولي، بعد خيبة أملها في هذا المجلس، من البحث عن بديل حقيقي وفاعل على الأرض، ويكون مقبولاً عند السنّة الذين يمثلون غالبية الشعب السوري.

البديل لم تكن قضيته أقل تعقيداً من قضية المجلس، فخلافات المعارضة السياسية في الخارج باتت أمراً لا يُطاق، والضباط الذين انشقوا في بداية الثورة يرون أن لهم الأحقية في تمثيل الشعب؛ في حين أن الكثير من الضباط الذين انشقوا بعدهم ويحملون رتباً عسكرية أعلى يرون أن الأحقية للتراتبية، بينما يرى قادة الثوار المدنيين أنهم خير من يمثل الثورة، لأنهم لم يغادروا سورية، لهذا كله رأت قطر، تحت ضغط المجتمع الدولي، خصوصاً بعد صدمة مسرحية الانتخابات المزيفة التي حصلت في الدوحة، التي أعلن فيها عن انتخاب جورج صبرة رئيساً للمجلس الوطني، على رغم فشله حتى في نيل مقعد في الأمانة العامة، أن تقبل بالمبادرة التي طرحها المعارض رياض سيف، بعد أن قبعت في أدراج أعضاء المكتب التنفيذي لشهور طوال، فسارعت إلى توجيه دعوة إلى الكثير من شخصيات المعارضة السورية من خارج المجلس، وإلى بعض قادة الحراك الداخلي، للحضور إلى الدوحة، ثم بعد مفاوضات عسيرة تم الإعلان عن هيئة جديدة أطلق عليها اسم «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وتم انتخاب معاذ الخطيب رئيساً لهذا الائتلاف بالتزكية؛ لما عُرف عنه دعوته للعدالة الاجتماعية، والتعددية الحزبية، ونبذ الطائفية، وشهرته بجرأته في قول الحق، والإشارة إلى الباطل، ووسطيته، وحب الناس له.

معاذ الخطيب هو سليل أسرة دمشقية عريقة، يرجع نسبها إلى الحسن حفيد الرسول، «صلى الله عليه وسلم»، تتلمذ على يد والده الشيخ أبي الفرج الخطيب، رحمه الله، الذي كان خطيب الشام وعالمها، وخطيب جامع بني أمية الكبير لسنوات طوال؛ ثم ورث الخطابة والإمامة بعده ابنه معاذ، بل يعدّ والده من أوائل المعارضين لنظام حافظ الأسد، ففي السنوات الأولى التي استولى فيها حافظ الأسد على السلطة رشح الشيخ أبو الفرج نفسه نائباً في مجلس الشعب عن منطقته، ففاز بغالبية الأصوات، ولكن منهج تزوير الانتخابات، آنذاك، لم يكن ليسمح له بالفوز بمقعد في مجلس الشعب، وجدّه الشيخ عبدالقادر تسنم مناصب سياسية رفيعة عدة في سورية زمن الملك فيصل عام 1920، أي أنه سليل أسرة دينية وعلمية وسياسية.

تعيين معاذ ربما أثار حفيظة من يخشون أسلمة الثورة، ولكن في الوقت نفسه بُعده عن جماعة الإخوان أثار ارتياح من يخشون سيطرة الجماعة. ولكن هذا لا ينفي أنه جاء من خلفية ما يسمى «التدين الدمشقي المنفتح»، إذ كان رئيساً لجمعية التمدن الإسلامي، ودرَّس مواد شرعية عدة في معهد الشيخ بدر الدين الحسني، وأستاذ مادتي الدعوة الإسلامية والخطابة في معهد التهذيب والتعليم للعلوم الشرعية بدمشق، وله الكثير من المؤلفات، وهو إلى جانب مكانته الدينية درس الجيوفيزياء التطبيقية، وعمل مهندساً بتروفيزيائياً في شركة الفرات للنفط. تم اعتقاله للمرة الأولى على خلفية تفاعله مع الحراك السلمي الذي بدأ في سورية في منتصف شهر آذار (مارس) عام 2011، إذ شهدت سورية موجة من البطش الأمني والقمع المفرط، الممارس من أجهزة الأمن في محاولة لوضع حدٍّ للاحتجاجات الشعبية المنددة والمطالبة بالحرية، ثم خرج ليكرر النظام اعتقاله في ما بعد مرات عدة، إلى أن فر من سورية عن طريق الأردن. استطاع الائتلاف تجاوز خلافات غالبية أطياف المعارضة في الخارج والداخل، بل كانت المرة الأولى التي تنضم فيها تحت مظلة واحدة جامعة أكثر من 108 تنسيقيات ومجلس ثوري من شباب الحراك الداخلي من مختلف المحافظات، ومعظم هيئات المجتمع المدني، ومعظم القبائل، والكثير من الشخصيات المعارضة التي همشها المجلس عمداً، إضافة إلى معظم الألوية والكتائب العسكرية التابعة للجيش الحر.

كانت مواقف المجتمع الدولي منسجمة تماماً ومتوافقة تجاه الاعتراف بهذا المولود الذي طال انتظاره لمدة 20 شهراً، إذ أعلنت منذ اليوم الأول دول مجلس التعاون الاعتراف بهذا الائتلاف، ثم توالت بعدها الاعترافات به، كان أولها فرنسا، التي خطت خطوة جريئة، إذ وافقت على تعيين المعارض منذر ماخوس من الطائفة العلوية سفيراً لسورية في باريس، بعد طرد سفيرة النظام لمياء شكور من أراضيها، ثم حذا الاتحاد الأوروبي حذوها، بينما طلبت الولايات المتحدة الأميركية التريث، تعللاً بأنها تريد ضمانات تحفظ حقوق الأقليات، بينما في الحقيقة أن الأكثرية السنيّة هي التي تحتاج إلى ضمانات، ولكن العارفين ببواطن الأمور أسروا إلى أن الضمانات التي طُرحت على طاولة المفاوضات مع الائتلاف كان من ضمنها ضمان أمن إسرائيل، وإلجام الكتائب الإسلامية المتشددة المقاتلة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى