اللاجئون السوريون حقوقهم مغتصبة من قبل الشيوخ والمنظمات غير الحكومية على حد سواء
“أعطهم مالاً، يعطوك مساعدات”
أنّـا ماريـا لوكـا & ميـرا عبـدالله
“إنّهم يسرقون، جميعهم يسرقون”. قالت امرأة في الخمسينات من عمرها، ترتدي ثوباً أسود فضفاضاً مطرّزاً باللون الفضي، وعلى رأسها حجاب أسود. جلست أمام خيمتها في ضواحي برّ الياس. “ادخلا وسوف أخبركما شيئاً”، قالت.
كانت الخيمة فارغة سوى من بعض السجاد الذي يغطي أرضها. بهذه الطريقة تنام عائلتان سوريتان- مؤلفتان من رجلين وامرأتين وثمانية أطفال- منذ شهر رمضان المبارك عندما انتقلتا الى هنا. “أنا هنا زائرة فحسب، ولا أريد أن يعلم الناس قريبة من أكون. سوف يقضون علي لو علموا”، شرحت قائلة. فشقيق زوجها، وهو أيضاً لاجئ سوري، احتال على لاجئين آخرين، ولا سيما على نساء، من خلال القول لهم إنه يمكن أن يعمل على أوراق أطفالهم لكي يحصلوا على مساعدة من اليونيسيف، مقابل رسم مالي. “طلب من البعض أكثر من 200$. لقد جنى الكثير من الأموال”.
هذه المرأة تريد أن تقوم بواجبها وبأن توعي الناس على حقيقة أنّ الكثير من الفقراء الذين هربوا من الحرب في سوريا والتجأوا الى لبنان وقعوا ضحية أشخاص منافقين يعملون في الحقل الاجتماعي- من الشيوخ الذين يسرقون أموال المساعدات، الى الأطباء الذين لا يقبلون القيام بالعمليات الجراحية، وصولاً الى الممرضين الذين يطلبون ثمن اللقاحات المجانية، والعاملين في المنظمات غير الحكومية الذين يطلبون رشوة مقابل تقديم المساعدات.
“هنا أمر واحد مهم. وهو يتعلّق بمعارفك. إذا كنت تعرف أحداً في المنظمة التي تقوم بتوزيع المساعدات، يمكنك أن تحصل على المساعدة. وإن كنت لا تعرف أحداً، فأنت لا تحصل على شيء، هكذا تسير الأمور هنا”، يشرح محمد، رجل في أواخر الأربعينات من عمره يعيش مع أطفاله العشرة في أحد المخيمات في بر الياس. “إذا أعطيتهم مالاً، يعطونك مساعدات. هذا كل ما في الأمر”.
يقول محمد إنّه قدّم طلبات للحصول على مساعدات الى العديد من المنظمات غير الحكومية، ولكنّه لم يكن يوماً مطابقاً للمواصفات. أما جاره، الذي لديه ستة أطفال فقط، فقد حصل على المساعدة. “ذهبتُ لأسأله كيف يتدبّر أمره للحصول على المساعدات. قلتُ له إنّي أحاولُ الحصول عليها منذ شهر. فقال لي مباشرة في وجهي: “لأني أساهمُ بـ 100000 ل.ل [70$]”.
الشيوخ والمنظمات غير الحكومية
تعتبر حنان، وهي امرأة في أواخر العشرينات من عمرها، نفسها من اللاجئين المحظوظين. فقد عثرت هي وزوجها على غرفة للإيجار في أحد المنازل الذي لا يزال قيد البناء. كانت ستحصل على شهادة في علم النفس عام 2012، ولكن تمّ قصف حلب واضطّرت الى الهرب الى لبنان عام 2011، قبل سنة واحدة على تخرجها. ولكن بفضل تعليمها، تمكّنت من الحصول على وظيفة كمعلّمة في أحد دور الحضانة في بر الياس. “يدفعون لي 250000 ل.ل [170$] لأني سوريّة. لو كنتُ لبنانية، لكنتُ حصلتُ على ضعف المبلغ- 350$- وهو مبلغ ليس بكبير أيضا. زوجي يعمل في البناء، ويحصل على أعمال يومية. أمس أحضر مبلغ 200$ الى البيت فعلم صاحب البيت المستأجر بالأمر وأتى للمطالبة بثمن إيجار الغرفة التي نعيش فيها”.
نحن نحاول الانتقال الى مخيّم أحد المشايخ، لأننا لا ندفع أي إيجار هناك. ولكن لا يستطيع أي كان أن يدخل الى هذه المخيمات. يجب أن تعرف أحداً على معرفة بأحد يعرف الشيخ. وربما تدفع لهم رشوة صغيرة لكي يساعدوك”، تقول بمرارة. “المشايخ هنا يجمعون كافة اللاجئين، يلتقطون صورة جماعية، يوزعون 15 او 20 دولاراً ويحتفظون بباقي المبلغ لهم. علمنا من أحد الاجانب الذي يعمل مع إحدى المنظمات الحكومية أنهم يحضرون حليب الأطفال منذ عام. ولكني لم أر أي [مساعدات على شكل حليب] منذ أتينا الى هنا قبل ستة أشهر”.
يقول اللاجئون إنّ الأمور تسير دائماً بالطريقة نفسها: يكون لدى الشيخ منظمة غير حكومية، يحصل على المال، ويبقي مبلغاً لنفسه، أما الباقي فيوزعه على شكل مساعدات. وعندما تأتي المنظمة المانحة لترى ماذا فعل بالمال، يأتي ببعض الناس لكي يقولوا للمدقّق مدى روعة ما قام به الشيخ. “في مرات عدة، يأتي شخص من المنظمات الدولية غير الحكومية، يكون أجنبياً في غالب الأحيان، ليسأل عن كيفية توزيع المساعدات، وعن طريقة إنفاق المال، إذا كان قد تمّ إيصاله الى الناس. يأتون بمترجم لا يقول الحقيقة ولا يُترجم بشكل صحيح. نعلم بأنهم يُترجمون لهم خطأ لأنهم يبتسمون دائماً ويُعبّرون عن رضاهم عندما نتحدّث عن معاناتنا”، تقول.
نعيش عالحساب
وجاء كانون الأول ليُعلن المزيد من الأخبار السيئة، حيث تمّ وقف قسائم الشراء التي يقدّمها برنامج الغذاء الدولي والتي تمنح اللاجئ السوري الحق بشراء مواد غذائية بقيمة 30$ من بعض المحال في المنطقة، وذلك حتى إشعار آخر. “قالوا لم يعد هناك أي أموال”، قالت أم سهير، وهي امرأة رفضت إعطاءنا اسمها الحقيقي، بينما كانت تسألنا إذا كنا نستطيع أن نشتري بعض المياه لابنتها، سهير. وإذ تهز الطفلة بين ذراعيها، تبدو وجنتا هذه الأخيرة متسختين ومتشققتين بسبب رياح البقاع القارسة. “تبدو على هذه الحال لأن ليس لدينا مياه”، قالت أمها. أما باقي أطفالها، وهما صبيان، فركضا قادمين من صوب الحقول عندما رأيا غالونات الماء. “أمي أمي، أريد ماء”، صرخ قائلاً الطفل الصغير. وسرعان ما اختلف مع شقيقه الأكبر على كوب التنك الوحيد المتوفر في المنزل.
“نعيش عالحساب [الدين]. فصاحب المحل في البلدة الذي كنّا نشتري المواد الغذائية منه بواسطة قسائم الشراء يعطينا بعض الأرز والعدس، معتقداً بأننا سوف ندفع له عندما نحصل على القسائم. لا يمر يوم من دون أن يمرّ علينا صاحب محل البقالة ليطالبنا بالمال. ولكنّه يعلم بأننا لا نمتلك أي مال”، قالت.
حتى المعاينة الطبية لا يحصلون عليها مجاناً، حتى وإن كانت المنظمات غير الحكومية تناضل من أجل دفع تكلفة بعض العلاجات. فابنها محمد، 9 أعوام، احتاج الى عملية لنزع اللوزتين لأنه أصيب بالتهاب. وفي المستشفى، كانت بانتظار محمد مفاجأة أخرى. “لقد طلب الطبيب مبلغ 250$، رغم أنّ إحدى المنظمات غير الحكومية كانت قد دفعت تكاليف العملية. لقد أخذ الطبيب المال من المنظمة غير الحكومية ولم يجر العملية للصبي”.
“هذا الأمر يحصل مع العديد من الناس. حتى في اللقاحات. فالأطفال ما دون الخمسة أعوام يحصلون على اللقاح مجاناً. ولكن عندما نصل الى المستشفى، يطلبون منا أن ندفع 10 دولارات”، قالت حنان. بعض الناس يدفعون. فهم يعملون في الحقول، ويزرعون البطاطا لمزارعي البقاع، ويعملون في البناء، ويتدبرون أمورهم بشكل ما. والبقية، وهم الغالبية، يناضلون للبقاء على قيد الحياة ويطعمون أولادهم الخبز فقط لا غير. وختمت: “كانت الحياة في ظلّ حكم بشار الأسد أفضل مما نلاقيه هنا في لبنان، في هذه الغرفة المبنية من الطوب والتي توجد فيها نافذة واحدة. ولكن فات الأوان”.
هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)
موقع لبنان ناو