اللاجئون السوريون ومصائرهم المتناقضة
بينما تقول وكالات الامم المتحدة المختصة إن عدد الاطفال السوريين الذين اضطرتهم ظروف بلادهم للهجرة قد فاق المليون، مراسلنا جيم ميور يقارن بين اوضاعهم في بلدين من بلدان اللجوء، العراق ولبنان.
“إن الحياة صعبة، ولكن علينا مجاراتها”. هذا ما قالته لي روكان متحد، احدى اللاجئات السوريات اللواتي وصلن الى معسكر كوركوسك وهي تنظر الى ابنتها ذات الشهرين، اصغر اولادها الاربعة.
كانت روكان واسرتها من اوائل الذين تمكنوا من عبور الجسر العئم الذي شيد مؤخرا في فيشخابور (نقطة الحدود العراقية السورية في محافظة الموصل) عندما بدأ سيل اللاجئين الاخير بالتدفق من سوريا نحو كردستان العراق الخميس الماضي.
وهربت روكان واسرتها من بلدة المالكية السورية الشمالية التي تعرضت للقصف مؤخرا.
والآن، اصبحت روكان واسرتها من المخضرمين في معسكر اللاجئين الذي ما زال قيد الانشاء في كوركوسك غربي عاصمة اقليم كردستان العراق اربيل حيث انهم وصلوا اليه في يوم انشاءه الاول.
ففي اسبوع واحد فقط، نشأت في السهل الصحراوي بلدة خيام تؤوي 15 الف لاجئ، بلدة تتمدد باستمرار بوصول المزيد من اللاجئين.
وقد نصبت في المعسكر خيام كبيرة وخزانات مياه ومراحيض وفرتها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وتكفلت حكومة اقليم كردستان باعداد الموقع وتزويده بالخدمات التي شملت التيار الكهربائي.
وقالت روكان “لقد وفروا لنا كل ما نحتاج اليه من أكل وماء ومأوى، ونحن شاكرون لهم على ذلك. لعل زوجي ينجح في ايجاد عمل ما، فهو سائق وحمال.”
رحلة مرعبة
لقد تدفق على كردستان العراق في الاسبوع الاخير سيل من اللاجئين يقدر عدده بـ 42 الف لاجئ، نصفهم تقريبا من الأطفال.
ويقول جايا مورثي، الناطق باسم منظمة يونيسيف للطفولة التابعة للأمم المتحدة، وهو يتفقد المعسكر “النزوح يمثل انقلابا كبير في حياة هؤلاء الاطفال، فقد شاهد الكثيرون منهم فظاعات من قصف ومقتل اصدقاء واقارب وتدمير مدارس. وقد ساروا على اقدامهم لساعات طويلة في رحلات مرعبة حقا.”
واضاف المسؤول الاممي قائلا “لقد أثرت هذه الاحداث فيهم، وستواصل تأثيرها لمدة طويلة، ولذا فمن المهم علينا ان نوفر لهم مجالا آمنا يستطيعون اللهو فيه كأي اطفال آخرين من اجل ان نساعدهم في التغلب على الصدمات التي عانوا منها.”
وتشير معظم الدلائل الى ان تدفق اللاجئين السوريين (ومعظمهم من الاكراد) الى كردستان العراق اصبح نمطا سيستمر لفترة ليست بالقصيرة، إذ يجتاز الحدود يوميا بين 3 آلاف و4 آلاف لاجئ. ويخمن مسؤولو الاغاثة ان العدد سيجتاز المئة الف في الاسابيع القليلة المقبلة.
عملية اغاثة
ولكن طاقة معسكر كوركوسك على استيعاب المزيد من اللاجئين محدودة، وهو لا يتمكن من استيعاب اكثر من 5 آلاف لاجئ جديد، ولذا تقرر تشييد المزيد من المعسكرات، وفي غضون ذلك يجري ايواء اللاجئين الجدد مؤقتا في مخازن ومساجد ومدارس.
وتداعت منظمات الاغاثة الدولية لتقديم ما تستطيع من مساعدة، إذ تبذل مفوضية اللاجئين واليونيسيف وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية قصارى جهودها في سبيل التعامل مع السيل الجارف من اللاجئين فيما اصبح يعرف باكبر عملية اغاثة من نوعها في التاريخ.
وقد اثنت جهات عدة على حكومة اقليم كردستان لردها السريع.
ومما لا شك فيه أن الاكراد، الذين فروا فرارا جماعيا الى الجبال امام جحافل صدام حسين في 1991، يعلمون معنى ان يكون الانسان نازحا ومهجرا.
ولكن التحدي الحالي لن يزول بسرعة، بل يتزايد بشكل يومي.
فهل يستمر الدعم والتعاطف مع اللاجئين مثلما هو الآن اذا طال بقاؤهم لاشهر وسنوات؟
يذكر ان معظم السوريين الذين نزحوا الى كردستان العراق سجلوا كلاجئين، مما يضمن لهم بعض الحقوق ويسوي وضعهم.
أطفال مهجورون
أما في لبنان – الذي يستضيف عددا من اللاجئين السوريين أكبر من اي من بلدان اللجوء الاخرى، رغم صغر مساحته وشح موارده – فلم يجر تسجيل كل النازحين بوصفهم لاجئين.
فتشير التقديرات الى ان عشرات الآلاف من الاطفال السوريين يرتزقون في شوارع بيروت وغيرها من المدن اللبنانية بالتسول وبيع اللعب والزهور والعلكة.
ويقول نوح جورج، نائب مدير (دار الأمل) وهو واحد من عدد قليل من ملاجئ الاطفال التي تقبل الاطفال اللاجئين غير المسجلين، “يأتينا الاطفال وهم يعانون من شتى المشاكل كالاعتداء والاستغلال والاتجار بالمخدرات وغيرها، ولكن بالنسبة لنا هؤلاء اطفال مهجورون ونحن نقبلهم في دارنا.”
ويضيف “العديد من الاطفال الموجودون هنا سرقت منهم طفولتهم، وهدفنا اعادة هذه الطفولة المسروقة اليهم، فاذا نجحنا في اعادة حق الطفل بالتمتع بالحياة اليه، سرعان ما ينسى الذكريات المؤلمة التي حملها معه عندما جاء الينا.”
ويقول يوسف احد نزلاء المأوى، لا يتجاوز عمره ست سنوات، “كنا نعمل في الشوارع ونسلم النقود الى ابن عمنا. ثم جاءت بنا الشرطة الى هنا. ولكن اقاربنا اخذونا وعدنا الى الشوارع ثانية واجبرنا على العمل. ولكن بما اني عدت الى هنا، فإنا لا اريد المغادرة لأن لا احد يضربني هنا. كان ابن عمي يضربني ضربا مبرحا اذا لم اسلمه ما يتوقع من اموال.”
حياة صعبة
ولكن ملجأ (دار الأمل) لا يتمكن من استيعاب الا عددا محدودا من الاطفال، وكان حوالي 500 قد مروا به في العام الماضي.
اما خارج الملجأ، فتعيش ام محمود مع ابنتها ذات السنوات التسع وابنها البالغ من العمر 11 عاما تحت احد جسور بيروت. وكانت أم محمود – وهي سورية – قد فرت الى بيروت بعد ان قتل زوجها اللبناني في دمشق.
وبغياب والده، اصبح محمود رب الأسرة، ولذا فتحاول أم محمود اعداده لتحمل مشاق الحياة الصعبة التي سيواجهها في المستقبل.
وتقول “اضربه لكي يتعلم ان يعمل ويكون رجلا، فالذين لا يعانون شظف العيش لن يتعلموا ابدا. اريد له ان يعمل، ولكنه لم يجد عملا بعد.”