صفحات الناس

اللجوء السوري في تركيا: آباء متخلون عن أسرهم وأطفال مسؤولون يحصلون على قوتهم من جمع النفايات/ نور ملاح

 

 

 

غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: على ناصية السوق الشعبي في مدينة غازي عنتاب التركية، حيث يغدو المتسوقون ويروحون، ترى الكثير من معاناة أطفال فقدوا آباءهم، ولكن هذه المرة ليس باليتم بعد قتلهم في الحرب الطاحنة الدائرة في سوريا، ولكن بفقدهم لآبائهم وهم أحياء، بتفريطهم بأبنائهم وتخليهم عن أسرهم، وتركهم نساءهم وأطفالهم ليحاولوا الحياة في ظروف اللجوء المستحيلة.

سهام طفلة لاتتجاوز السبع سنوات، اعتادت أن تجلس على طرف الشارع في مدينة غازي عنتاب، متسخة من رأسها حتى أخمص قدميها، وكأن الماء لم يمس جسدها منذ أكثر من أسبوع رغم حنفيات الماء المنتشرة في كل مكان، سهام كانت تعبث مع أختها بمخلفات القمامة التي يبدو أنها تجمعها مع عدة أطفال آخرين في نفس المنطقة لا يتجاوز عمر أكبرهم العشر سنوات، كانوا مجتمعين بالقرب من أحد مطاعم الشواء الشعبية التي تضع كراسيها وطاولاتها الخشبية البسيطة في الشارع، وكان المارة بين الفينة والأخرى يعطون الأطفال شيئاً من المال لهم.

قابلت «القدس العربي» الطفلة سهام، وعند السؤال عن أبيها أجابت بأنه لا يعمل، وأنه يحصل منها على القليل من المال الذي تجمعه كل يوم، وعندما يتجمع معه مبلغ من المال يقوم بشراء جهاز هاتف شخصي جديد، ولا ينفق عليهم شيئا.

وتحدثت سهام عن والدتها قائلة: «أمي سمينة جداً، ولا تستطيع أن تعمل، أعمل هنا مع أختي في جمع النفايات البلاستيكية، ويأتي أخي البالغ من العمر عشر سنوات في المساء لاصطحابي إلى المنزل، تسخر مني عائلة عمي دائماً ويصفونني بالقذرة»، وأثناء حديث «القدس العربي» مع سهام تقدم رجل سوري عابر طريق وأعطى سهام شيئا من المال أخذته بامتنان وقالت: «الله يرزقك عمو».

ليس بعيدا عن سهام كان يقف طفل صغير يبدو أنه خاض معركة شرسة في سبيل شيء ما، طفل لا يتعدى العاشرة من عمره، وقد خُدش وجهه بشكل كبير، واضح أنه أصيب إثر عراك مع أحدهم، وحين سؤال «القدس العربي» عن والده؟ أجاب بأن والده افتعل مشاكل كثيرة مع والدته ثم تركهم ورحل إلى مرسين.

تغص مناطق غازي عنتاب التركية، وخصوصا الشعبية منها، بمثل هؤلاء الأطفال واليافعين الذين يقومون بجمع النفايات البلاستيكية، ولا يكترث لهم أحد إلا في الحالات النادرة، وقالت لنا مصادر خاصة أن هناك خطة مستقبلية لدى الحكومة التركية بالتعاون مع هيئات ومنظمات سورية والأمن التركي من أجل الحد من هذه الظاهرة، ومعها ظاهرة التسول التي تفشت بشكل كبير في المناطق التي يكثر فيها الوجود السوري مثل غازي عنتاب، وإسطنبول، ومرسين وغيرها من المدن.

وأشار المصدر أن البداية ستكون من إسطنبول حيث سيتم الضغط باتجاه تسجيل جميع الأطفال في الجوامع القريبة من بيوتهم بحيث لا يبقى أي طفل في الشارع غير مسجل، وذلك للحد من ظاهرة التسرب الدراسي، وعمالة الأطفال والتسول التي تفشت بشكل كبير بين أطفال السوريين في تركيا؛ بسبب ضغط الحياة، ومتطلبات المعيشة، وتدني الأجور، وتفريط كثير من آباء الأطفال بمسئوليتهم تجاه أسرهم.

وانتشرت مؤخراً الحادثة الشهيرة للطفلة الصغيرة المذعورة بائعة المناديل، والتي حاول رجل الأمن التركي بكل لطف أن يتعرف على منزلها، ويعيدها إلى أهلها، وقد أحدثت قصتها ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تبين بعد إعادة الطفلة إلى منزل ذويها ان أباها وأمها مازالا على قيد الحياة ولكنهما يرسلانها وهي لا تتجاوز من العمر خمس سنوات لبيع المناديل والحصول على المال، يذكر أن الخطة الموضوعة بحسب المصدر تقتضي أن تقدم معونة للأهالي بمقـدار ما كـان يحصـل الطفل كل يـوم، أو تقـديم سـلل غـذائية بـحيـث لا يتصـرف الأب بالمـال ويتـرك العائـلة بـلا مــورد.

توجهنا إلى إحدى الجمعيات العاملة في غازي عنتاب، وبمعونة تركية وعربية لسؤالها عما تم تقديمه لهؤلاء الأطفال للحد من ظاهرة الأطفال جامعي القمامة والمتسولين فأجابت المسؤولة: الأعداد كبيرة جدا والظاهرة ضخمة، ونحن لا نستطيع تغطيتها، لدي هنا داخل المكتب ما يزيد على ثمانية آلاف طلب مقدم للحصول على معونات ومساعدات غذائية وإنسانية، والكثير من الأسر فقدت معيلها ليس بسبب اليتم فقط ولكن بسبب هجر الزوج للزوجة، وغالبا ما يكون هناك أطفال وربما أطفال معاقون أيضا، مشكلتنا ليست سياسية فحسب بل لها أبعاد اجتماعية وأسرية كبيرة، تخوض غمارها الأسر وتتحمل وزرها الأكبر النساء والأطفال، وكثير من الأسر صارت بلا معيل، وأصبحت المرأة المسؤول الوحيد، والمعيل للأسرة وتتجاوز أعدادها آلاف الأسر.

وتضيف في حديثها لـ»القدس العربي»: «تحاول الجهات التركية المساعدة، وتقدم بطاقة صحية وعلاجا شبه مجانية، وأحيانا تقوم بتقديم الحليب والفوط للمرضى والأطفال، ولكن عبء المعيشة والدواء والطعام يبقى أكبر من طاقتنا وطاقتهم بسبب الأعداد الكبيرة، نتمنى ممن يقوم بالاصطياف في تركيا من الخليجيين، والعرب، والسوريين المقيمين في الخليج ، أن يخصص ساعات من وقته وجزءا من ماله لزيارة هؤلاء الفقراء، والضعفاء، والمرضى شخصيا في بيوتهم وأماكن تواجدهم، وأن يبحثوا عنهم ويحاولوا أن يقدموا ما يستطيعون من عون، سواء مباشرة أو عن طريق الجمعيات، فكلفة إيجار غرفة في فندق أو عشاء في مطعم قد تدفع أجرة منزل لأسرة محتاجة لمدة شهر كامل، وهذا أقل ما ندين به لبعضنا في هذه المحنة التي دمرت كل شـيء» على حـد قـولهـا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى