اللي بحبا بعثية”.. أغنية الإلفة مع الحرب/ إسطنبول ــ سما الرحبي”
للتحايل على الموت، يبتكر الشباب السوري الأغنيات وقصص الحبّ إلى جانب النكات والأهازيج.. حتى مصطلحات الحرب المعقّدة، البعيدة عن أي رومانسية، مثل: “مدفع جهنّم، صاروخ، قذيفة، برميل، كيماوي..” تحوّلت إلى أغانٍ شعبية، وثّقت الحالة السورية والاختلافات الحاصلة بين فئات الشعب السوري، بشكل مختلف، محاولة المناورة على الحبّ، فهو الوحيد القادر على تجاوز تلك الاختلافات.
“اللي بحبا بعثية” عنوان أغنية بين شابين عاشقين، تقول “مدفع جهنم قلبي، بعتو عالبلكونة، هالحصار شو بيلبقلي لما جنبي بتكوني، ضربيني بميغ وبرميل وبالرمان والفتيل والسكين وزتيلي هالشريحة”، ترد الفتاة، “روحي حاجز نظامي، روسية وخف رياضة وعمري كلو بيرخصلك من الحولة للبياضة”. إذاً حُولت مصطلحات الحرب التي باتت مألوفة جداً لدى الشعب السوري لمفردات رشيقة تغنى، ومع كليب اعتمد البساطة المطلقة.
كانت رسالة الفيديو كليب، الذي صوّر بطريقة “السيلفي”، واضحة وبسيطة. تجوّلت الكاميرا برفقة عاشقين يمشيان، الفتاة، لافا مسلّم، موالية وكثيراً ما اهتمّت بشكلها وهي تتجول في المجمعات التجارية والحدائق، أما الشاب المعارض، جواد حبال، فظهر في أماكن وعشوائيات مدمّرة، بسبب قصف قوات النظام للمدن التي طالبت بإسقاطه، في حين ينتهي الكليب نهاية تراجيدية، بعكس المجرى الكوميدي للكليب، فهما كروميو وجولييت، ابني العائلتين المتناحرتين اللدودتين، لا يلتقيان، في إشارة لصعوبة تقارب الاختلافات التي مزّقت السوريين.
ويقول جواد الحبال، مؤدي الأغنية، لـ”العربي الجديد” إن “الكلمات لا تحمل بين طياتها مجرد سخرية فقط، إذ إنها في الوقت نفسه تحمل كوميديا سوداء قاسية قاتمة، فاستخدام كلمات مثل “الهاون، المدفع، شبيحة، حصار” هو بحد ذاته جريمة إنسانية، لا يوجد ما يعاقب عليها قانونياً بعد، ولكن نتائج التعايش مع الحرب ومصطلحاتها ستؤدي لنتائج تحتاج سنوات لإبعادها عن ذهنية الكبار قبل الأطفال”.
وعن ردود أفعال الجمهور، أضاف أنه “من الجميل والمحزن في آن أن الجمهور تلقف الأغنية بآراء عديدة، فابتعدوا عن البياض والسواد، أي القبول أو الرفض القاطعين، فأتت الآراء متفاوتة بهوامش كبيرة أيضاً، أعتقد أن ليس من حقنا الحديث عن هدف العمل، قدّمناه وانتهينا، دورنا الآن يتلخص بالإنصات لقول المشاهد، هو الوحيد الذي يمكنه أن يرى العمل باستقلالية – وإن طغت التوجهات عليها – عن ظروف العمل وطبيعته”.
فالأغنية جمعت البساطة المفرطة في الكلامَ واللحن وحتى الإنتاج الذي فضّل فريقه عدم ذكر أسمائهم، كانت ظروف التصوير صعبة، وكذلك المونتاج وتسجيل الموسيقى والأصوات، ويشار إلى أن الأغنية كانت جزء من مشروع “سوريا تغنّي” الذي قامت به مؤسسة لمبة للإنتاج الفني.
العربي الجديد
مهرجان سوريا لأفلام الموبايل”: توثيق الهامش السوري/ حسن الساحلي“
يحاول مهرجان سوريا لأفلام الموبايل، بعد نجاح دورته الأولى العام الفائت، أن يساهم في التأسيس لمشهد فني جديد من خلال تدريب مخرجين مبتدئين على الإستفادة من إمكانيات فنية متواضعة، تساهم في إنتاج أفلام تسجيلية بواسطة أجهزة الموبايل.
وقد أعلن المهرجان الأسبوع الفائت عن بدء أول مراحل البرنامج التدريبي الذي يقيمه في مدينة غازي عنتاب التركية، بدعم من قناة فرنسا الدولية CFI والذي سيستمر حتى تموز/يوليو المقبل، ليشكل خطوة أولى نحو تطوير مشهد فني صاعد حديثاً. واتسمت الدورة الأولى بمشاركة محدودة وبضعف عام في التجارب المشاركة، اذا استثنينا الأفلام الثلاثة الفائزة بجوائز المهرجان التي توزعت على ثلاثة أنواع، التسجيلي التجريبي والتسجيلي القصير وفيلم “المواطن الصحافي”. وحملت هذه الأفلام سمات مميزة تخبر الكثير عن المعاناة السورية في الداخل والخارج، كما تتنبأ هذه التجارب بالتوجه العام لنمط فني جديد يدخل في ساحة إنتاج السينما التسجيلية.
بدأ استخدام الموبايل بكثافة لتصوير مقاطع فيديو مع بداية الحراك الثوري في سوريا في محاولة المشاركين في هذا الحراك نقل صور المظاهرات الى العالم الخارجي. ومع تحول النظام لاستعمال العنف بشكل مفرط تجاه المناطق المنتفضة، تراجع الحراك السلمي عن الواجهة وتحول الموبايل الى توثيق الموت اليومي تحت قصف الطائرات الحربية السورية في محاولة نقل صور هذا الموت للعالم الخارجي كذلك.
تتسم هذه المرحلة من التصوير بالطابع الانساني/السياسي، وكان من الممكن أن تكوّن بذور سينما سياسية قابلة للتطور. لكن السياسة بمعناها الأول انتهت مع دخول الصراع مرحلة أخرى في سوريا وانتهاء ثنائية الثورة والنظام بعد انخراط جماعات جديدة في القتال.
هكذا، انتقل الموبايل الى توثيق المعارك في توجه دعائي مع الجماعات المنخرطة فيها، فقد بدأ كل طرف من الأطراف المتقاتلة باستعمال مقاطع الموبايل بطريقة دعائية لإظهار تفوق على الطرف الآخر. وظهرت مقاطع انتقامية تظهر قتل أسرى أو أعمال أخرى تلحق الأذى المعنوي بالطرف الآخر. وما يعتبر التجربة الأهم ربما، الى الآن، في هذه المرحلة وهي ذات أوجه متعددة، انتقامية ودعائية، كانت مقاطع داعش الفيلمية التي شكلت تأثيراً في الرأي العام العالمي.
ويعكس قسم كبير من الأفلام المشاركة في مهرجان سوريا لأفلام الموبايل، ما بقي من المرحلة الأولى من الصراع ذات التوجه الإنساني/السياسي، فنقل بعضها حكايا أفراد هم ضحايا مباشرين لقصف النظام أو أشخاص أثر هذا القصف على حياتهم بطريقة أو بأخرى، لكن هنالك جزءاً آخر من هذه الأفلام يعكس توجهات أخرى غير مرتبطة بطريقة عرضها بتلك التجارب. ويصح القول إن هذه الأفلام الأخرى وخاصة الفائزة بجوائز المهرجان، توثق حكايا الهامش السوري بمختلف أوجهه وأمكنته، بعيون أفراد يحاولون ملامسة واقع هم غير فاعلون فيه.
وتتعدد صور الهامش في الأفلام، وتظهر من خلال حكايا أشخاص يتفاعلون مع شروط هذا الواقع المستجد الذي نقلهم الى موقع هامشي من عيشهم السابق. ففي فيلم “عمي عبد الله” مثلا الفائز بجائزة الفيلم التسجيلي القصير، يخرج رجل عجوز يوميا من قريته كفرنبل الى أحد البساتين خارج القرية خوفاً من قصف الطائرات الحربية. يخرج الرجل الى هامش الحضارة لينام تحت شجرة زيتون تعيد له شعوراً بأمان يفتقده. يوثق الفيلم الخوف بشكله الخام الذي يظهره الرجل بلا خجل أمام صانع الفيلم. يخبرنا الرجل في الفيلم عن معنى العيش في شكله البدائي، وعن معنى أن يستبدل الخوف من الطائرات الحربية بخوف آخر من الطبيعة التي حملت له أفعى كانت على وشك أن تقتله. لا يخجل الرجل من كمّ الخوف الذي يظهره أمامنا، حتى أن الرجل قد فقد إدراكه الأول لموقعه “الذكوري” في حماية زوجته وأولاده الذين تركهم ينامون وحيدين في القرية مفضلا حماية نفسه على حمايتهم.
أما فيلم “هولاندا هون” الفائز بجائزة الفيلم التجريبي، فيوثق هامشاً آخر يعيش فيه سوريون في أحد مخيمات اللجوء في هولندا. يواجه عادل، الشخصية الرئيسية في الفيلم، من خلال تصرفات شبه جنونية، واقعاً جديداً لا يستطيع الإحاطة به. يخفي جنون عادل شعوراً عارماً بالكآبة والخوف يظهر من طريقة سرده لمقتطفات من قصة وصوله الى هولندا. انتقل الشاب الى بلدان عدة، معانياً من ظروف صعبة في محاولاته إيجاد عمل، حتى اضطر الى القدوم في أحد مراكب التهريب الى هولندا بعد إلحاح والده عليه. يبدو عادل شبه تائه في مكان لا يعرف سبب وجوده فيه ولا يعرف الى متى سيبقى هكذا على ما هو عليه، بدون عمل، يعيش على الهامش على مساعدات اللاجئين. أما لاوند، الشخصية الثانية في الفيلم، فقد اضطر للقدوم الى هولندا بعد علمه بموت أبيه. فيجتمع الشابان على هذا الإلتباس الذي يسم عيشهما الضائع بين أمكنة متعددة. ويختلط علينا في نهاية الفيلم مكان وجود لاوند الذي يظهرعلى شاشة كومبيوتر في اتصال على “سكايب” من بيروت.
يضعنا فيلم “هولندا هون” أمام واقع الإجتماع الجديد الذي يعيشه السوريون في تشتتهم المكاني بين بلدان متعددة وفي أمكنة إفتراضية على وسائل التواصل الإجتماعي. فيعيش لاوند في مخيم اللجوء الذي يختلط فيه مع أشخاص من بيئات سورية مختلفة لكنه يعيد من خلال تواصله الإفتراضي اتصال قديم مع دوائر إجتماعية سابقة على تهجيره، والتي تنتمي الى بيئته السابقة. هذا ما يضعنا أمام تساءل عن مدى قدرة هؤلاء الأشخاص على احتمال هذا القدر من التشتت وحتى على قدرتنا نحن على فهم تعدد مستويات الإجتماع الجديد الذي يعيشونه.
المدن