صفحات العالم

المأساة السورية تمتحن الاتحاد الأوروبي


مارك بيريني *

ينزل العقاب منذ 18 شهراً بالشعب السوري جزاء ثورته وانتفاضه على النظام: المدنيون يُقتلون من غير تمييز، والأطفال يعذبون، وحقوق الانسان الدولية تنتهك. وفي وقت يبدو حل النزاع دولياً غير ممكن، تمس الحاجة الى المبادرة لإنقاذ هذا الشعب. وأوروبا مدعوة الى التخلي عن نهج «حياد» المساعدات الإنسانية والتعاون مع تركيا ولبنان والمجتمع الدولي. وحري بالاتحاد الأوروبي وتركيا أن يقودا مساعي إنقاذ السوريين.

وعسكرياً، لا تضاهي قوة الثوار قوة نظام دمشق الذي لا يرتدع عن شيء، ويرى أن الطريق المسدود في الأمم المتحدة هو بمثابة «إجازة دولية له بالقتل». فرامي مخلوف، قريب الأسد، قال في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» في 11 أيار (مايو) 2011: «سنقاتل إلى النهاية… ويجب ان يعرفوا اننا لن نعاني وحدنا».

واليوم، يُبحث الحل القاضي بإنشاء «مناطق آمنة» في سورية بحثاً حذراً. ولم يعد يسيراً إرساء مثل هذا الحل ولم يعد في المتناول. ولا يستهان بأخطار إنشاء مناطق آمنة، فهي تعجز عن حماية السوريين من أخطار مجازر ضخمة مثل تلك التي حدثت في سريبرينيتشا خلال الحملة الأميركية- «الأطلسية» على النظام الصربي. وأرقام الأمم المتحدة مقلقة: عدد النازحين في الداخل السوري 2.5 مليون شخص، وعدد اللاجئين إلى العراق والأردن ولبنان وتركيا 277 ألفاً، وعدد القتلى حوالى 30 ألفاً، وخصص الاتحاد الأوروبي مئات ملايين اليورو لمساعدة النازحين. لكن المساعدات الإنسانية تتعثر بسياسات غير مقبولة في مثل هذه المأساة: فالاتحاد يتمسك بمبدأ عدم تسييس المساعدة الإنسانية، ولبنان يقلل من حجم الأزمة ومترتباتها، وتركيا تسعى الى الانفراد بإدارتها.

وفي وقت تتواصل المجازر، يتساءل الرأي العام الأوروبي: هل ثمة قضية ملحة سياسياً ودولياً أكثر من قضية نظام يذبح شعبه؟ وحين ستنتهي فصول المأساة السورية، سيسألنا السوريون: «أين كنتم يوم كنا نُذْبح»؟

المأساة السورية المتناسلة الفصول تمتحن الاتحاد الأوروبي امتحاناً لا يُستخف بأهميته، في وقت تُكرَّس سياسة خارجية أوروبية مشتركة. وتقتضي الظروف أن يعيد الاتحاد النظر في سياسة حياد المساعدات الإنسانية، وأن يتذكر دوره البارز في آب (أغسطس) 1990 (أزمة اجتياح الكويت) وآذار (مارس) 1991، حين ساهم في حماية الأكراد العراقيين. ففي هاتين السابقتين انتهجت الدول الأوروبية سياسة نشطة لا تتنصل من البُعد السياسي لتدخلها الإنساني.

ولا يسع الاتحاد الأوروبي الجمع بين الرغبة في أداء دور وازن في الساحة الدولية والتنصل من «السياسة» حين يواجه مشكلات كبيرة. والأزمة السورية تمتحن كذلك تركيا التي ارتقت الى مرتبة المفاوض الأبرز على الساحة الدولية. ولا يستهان بالمخاوف السياسية والأمنية الوثيقة الارتباط بالقضية الكردية، ولا يجوز تجاهلها. لكن المخاوف هذه ليست ذريعة لتقييد دور مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المخيمات، ولقصر دور المانحين الدوليين على مُسَدِّد كلفة المساعدات. وتترتب مسؤوليات على ارتقاء تركيا لاعباً دولياً، منها القبول بالتعاون الدولي. وتبرز الحاجة الى البحث في خطتَيْ عمل:

– إلى جانب مساعي الأخضر الإبراهيمي الديبلوماسية، تجب المسارعة إلى إقرار خطة لاستقبال أكبر عدد من اللاجئين في مخيمات تحت إشراف دولي في دول الجوار الأربع، لبنان وتركيا والعراق والاردن. ويجب ألا تقصر مساعدة اللاجئين على توفير الغذاء والمسكن والعناية والتعليم لهم، بل تقتضي الحاجة منحهم ضمانات سياسية- أمنية، من طريق ارساء مفوضية اللاجئين إجراءاتها الدولية المتوافق عليها. وهذا يفترض ان ترفع الدول المضيفة، القيود عن عمل المفوضية والمانحين الدوليين.

– التوصل الى اتفاق في الأمم المتحدة يرفع قيود سورية عن حركة مواطنيها الراغبين في المغادرة. ويفترض ان توافق الصين وروسيا على هذا الاقتراح، ما لم تكن «إجازة القتل» من غير حدود وإلى ما لا نهاية.

* ديبلوماسي أوروبي سابق، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 25/9/2012، اعداد منال نحاس

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى