صفحات العالم

المأساة السورية فريدة ومُروّعة/ حسن خضر

على الرغم من الحركة الدبلوماسية النشطة، وما لا يحصى من التصريحات، والتحليلات، إلا أن أحداً لا يستطيع الجزم بموعد انعقاد مؤتمر جنيف 2. وبالقدر نفسه، لا يستطيع الكلام بثقة عن نجاح مضمون.

وإذا افترضنا أن النجاح لا يحتمل أكثر من معنى إحلال السلام في سوريا، فإن “السلام” نفسه لا يحظى بتعريف يحقق إجماع واتفاق وتعاون المنخرطين في الصراع في سوريا وعليها. ولم يلح في الأفق، حتى الآن، ما يوحي بأن طرفاً أو أكثر (في الداخل أو الخارج) يملك ما يكفي من أوراق القوّة لفرض تعريفه الخاص على الآخرين.

هذا كله معلوم ومفهوم، وكلمة السر فيه: مصير نظام آل الأسد، وفي القلب منه مصير رأس النظام، الذي تلتقي عنده أو تصطدم، المصالح والأهواء والحسابات، وهي محلية، وإقليمية، ودولية. لم يسبق، في الواقع، أن ارتبط مصير دولة وشعب برأس النظام، كما حدث في سوريا. ولم يسبق أن ألحق شخص كارثة بدولة وشعب، كما حدث ويحدث في سوريا.

وعلى خلفية هذا الواقع، يتجلى إحساس معارضي النظام بخيبة الأمل والخذلان، إذا لم يضمن مؤتمر جنيف القادم إخراج رأس النظام من سدة الحكم. وفي المقابل، يتعزز إحساس أنصار النظام بالفوز، في الداخل السوري، وفي الإقليم والعالم، طالما لم يحسم المؤتمر الموعود مصير الأسد بشكل واضح.

وهذا مفترق مأساوي للطرق يُرغم معارضي النظام على خيارات صعبة ومُكلفة. وأعني بهؤلاء، في المقام الأوّل، الطلائع الأولى، التي حلمت بتحرير سورية من نظام آل الأسد، واستعادة حق شعبها في الكرامة والحرية. وقد تكبّد هؤلاء خسائر سياسية مُروّعة، لم يتمثل أهمها في الهجمات الناجحة للنظام على الأرض، بل في صعود التيارات التكفيرية الإرهابية، ونجاحها في إيجاد موطئ قدم في سوريا.

وما يزيد من صعوبة، وكلفة، هذه الخيارات، ضرورة التعامل معها بجدية في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة: مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين، وملايين اللاجئين والمُشردين في الداخل والخارج، إضافة إلى تفكيك مفاصل الدولة المركزية، وتخريب العلاقات الاجتماعية، وتدمير البنية التحتية، وتعطيل الإنتاج.

تقع مسؤولية هذا كله، بالمعنى الأخلاقي والسياسي، على عاتق النظام. ومن الظلم مساواة النظام بمعارضيه، دون التقليل من فداحة أخطائهم، بطبيعة الحال. وهذا، بدوره، يحيل إلى مسألة لم تنل ما تستحق من اهتمام، ويمكن ترجمتها في السؤال التالي:

لنفرض، جدلاً، أن تقاطع المصالح والأهواء والحسابات، المحلية والإقليمية والدولية، نجح في تمكين رأس النظام من البقاء، فما هي التداعيات الأخلاقية والسياسية المحتملة؟

أخطر التداعيات تحويل ما حدث في سوريا إلى سابقة تحظى بالقبول، أو غض النظر في ظل معطيات وظروف معيّنة. وهذا يعني أن السابقة السورية قابلة للتكرار، كلما وجد نظام هنا أو هناك نفسه في مجابهة مع شعبه، وتمكّن من تأمين الحماية الدولية، ونجح في الوقوف عند تقاطع المصالح والأهواء والحسابات.

في العالم مظالم كثيرة. ومع ذلك، تتسم المرجعيات الأخلاقية والسياسية للأنظمة والدول، بتطوّر وتحسن دائمين في مناطق مختلفة من العالم. عالم اليوم لا يشبه ما كان عليه الحال حتى قبل نصف قرن من الزمان. ثمة حساسية متزايدة إزاء حقوق الإنسان، والمشاركة السياسية، والحكم الرشيد. وهذا ما تُجسّده اتفاقات ومواثيق دولية، وما يتجلى في تشريعات وقوانين محلية، وفي الثقافة العامة، ووسائل الإعلام.

لذلك، إذا تحوّل ما حدث في سورية إلى سابقة تحظى باعتراف الأمر الواقع، أو غض النظر، من جانب المجتمع الدولي، رغم كل ما حدث، وبعد كل ما حدث، فإن فيه ما يزعزع الكثير من القيم والمرجعيات، والضوابط الأخلاقية، والسياسية، ليس في الشرق الأوسط وحسب، ولكن في كل مكان آخر من العالم، أيضاً. ففي ظل وضع كهذا، تبدو قيم ومرجعيات الحقيقة، والحق، والعدل، على رأس قائمة الخاسرين والضحايا.

ولذلك، أيضاً، وعلى الرغم من الاعتراف بحقائق من نوع أن المؤتمر مجرّد احتمال، وأن فرص نجاحه (أي إحلال السلام) ضئيلة، حتى في حال تذليل ما نعرف ولا نعرف من العقبات، إلا أن ما ينطوي عليه من مجازفات، لا يقل أهمية عمّا يُعلق عليه من رهانات.

وفي الحالتين، ثمة خيارات صعبة ومُكلفة، زادها صعوبة وكلفة، في الآونة الأخيرة، هبوط فكرة العدالة الانتقالية من رأس جدول الأعمال إلى ذيل القائمة. ولعل في هذا وذاك ما يضيف جديداً من عناصر الدراما الإغريقية، إلى مأساة إنسانية فريدة ومُروّعة.

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى